لم يكن معظمنا يتوقع أن يتابع انتخابات حرة في بلد عربي، لذا كان يوم انتخابات الرئاسة بمصر يوماً تاريخياً بكل المقاييس، فقد أعاد لي - مع الفارق - ذكريات انتخابات الرئاسة الأمريكية، والتي نتابعها حتى اللحظة الأخيرة، ونستمتع بتقارير المراسلين وتعليقات النقاد، وخبراء ترجمة الأرقام، ثم في النهاية يعلن اسم الفائز، ويعقبه تهنئة الخاسر له، ثم كلمة الرئيس، وهو سيناريو غير ممل في التجارب الديمقراطية العريقة، ولم نكن حقاً نعتقد أننا سنرى شبيهاً له في بلد من بلدان العالم الثالث، ولكن هذا حصل أخيراً.
لقد كتبت مقالات عدة خلال الشهور الماضية، وذكرت فيها كثيراً من الشواهد التي تشير إلى أن صعود «الإخوان» إلى السلطة في بلاد الثورات كان برضا أمريكي وغربي تام، ويكفي فقط أن تدرج مجلة «الفورين بولسي» الأمريكية اليمينية عدداً من زعماء الثورات ضمن الشخصيات الأكثر تأثيراً على مستوى العالم لعام 2011!، مع أنها كانت تصفهم بالإرهابيين إلى ما قبل قيام الثورات العربية بوقت وجيز، وقد ضمت القائمة خيرت الشاطر وراشد الغنوشي ووائل غنيم وتوكل كرمان، وهذا كله لا يقلل بالتأكيد من فوز السيد محمد مرسي بانتخابات الرئاسة على أي حال.
كان احتفال الإخوانيين بالمملكة لافتاً جداً، وهذا متوقع في ظل انتشار تنظيم الإخوان المسلمين على نطاق جغرافي واسع، خصوصاً وأن فوز الحزب في مصر له دلالات كبيرة لدى كثير من أصحاب الطموحات، ولكن فرحتهم لم تدم طويلاً، إذ ما أن سرت شائعات عن نيّة الرئيس المنتخب تعيين سيدة ومسيحي في منصب نائب الرئيس، وكذا التخمينات المؤكدة من أن الحكومة المقبلة ستضم وجوهاً من شتّى الأطياف الفكرية، حتى بدؤوا في التذمر، بل إن بعضهم أرسل النصائح تترى لمرسي بأن لا يفعل ذلك، ويحث الجماهير المصرية في الميادين على مواصلة اعتصامها حتى يتخلى الرئيس عن هذه الوعود!.
إن من شبه المؤكد أن تنظيم الإخوان المسلمين قد اكتسب تجربة لا يستهان بها خلال أكثر من ثمانين عاماً، وهو حزب منظم استطاع أن يتغلغل في أعماق المجتمع المصري وينخرط في العمل الاجتماعي والإنساني، ولا يراودنا شك بأن رموزه قد استوعبوا شروط اللعبة السياسية جيداً، ولذا فإن المؤمل هو أن يفي الرئيس المنتخب بوعوده التي تضمنها خطاب النصر، والتي شملت التعهد بالحفاظ على المواثيق الدولية، وحقوق الأقليات، وأن يكون رئيساً لكل المصريين، وغيرها من الوعود التي لاقت أصداءً إيجابية في الداخل والخارج، وأزالت كثيراً من المخاوف التي يرددها خصوم الإخوان، عطفاً على تجاربهم السابقة.
وختاماً، يعتقد كثير من المتابعين أن «الاقتصاد» سيكون هو حجر الزاوية خلال المرحلة المقبلة، وسيعتمد بقاء الإخوان في السلطة على مدى مقدرتهم على التعامل مع هذا الملف الذي كان أحد الأسباب الرئيسة للثورة على مبارك، فهل يا ترى سيحذون حذو النموذج التركي، أم أن الأمور ستأخذ منحى آخر قد لا يتوقعه أحد، ولكن المؤكد أن من العدل أن لا يتم الحكم على الرئيس مرسي سلباً أو إيجاباً إلا بعد أن يتمكن ويحكم لمدة كافية، وإنا لمنتظرون.
ahmad.alfarraj@hotmail.comتويتر @alfarraj2