ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Monday 02/07/2012 Issue 14522 14522 الأثنين 12 شعبان 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محاضرة

 

رئيس التحرير يحاضر في كوريا عن العلاقات السعودية - الكورية على مدى خمسين عاماً
نصف قرن مضى فماذا عن النصف القادم ؟!

رجوع

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أكد الزميل الأستاذ خالد بن حمد المالك، رئيس تحرير صحيفة الجزيرة، أن العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفراء وفتح السفارات بين المملكة وكوريا الجنوبية شهدت نمواً مطرداً في مختلف المجالات وتعاوناً لافتاً للنظر وملبياً للسياسات والمبادئ التي رسمتها ونصت عليها الاتفاقات الثنائية والمباحثات والزيارات المتبادلة في كل من كوريا والمملكة.

وقال المالك في محاضرة قدمها يوم الخميس 21-6-2012م، ضمن نشاط الندوة الثانية في المعرض تحت عنوان (العلاقات السعودية الكورية: نصف قرن مضى.. فماذا عن النصف القادم؟)، وذلك خلال مشاركته في معرض سيئول الدولي للكتاب 2012 الذي اختتمت فعالياته الأسبوع الماضي بدعوة تلقاها من وزارة التعليم العالي للمشاركة ضمن الأنشطة الثقافية للمعرض، التي تمثل الجانب السعودي، إن العلاقات الدولية بين الدولتين الصديقتين على مدى 50 عاماً مضت سادها الصدق والإخلاص والالتزام بكل ما تم الاتفاق عليه دون أي إشكال أو سوء فهم عند التطبيق.

حضر الندوة معالي نائب وزير التعليم العالي الدكتور أحمد السيف، وسعادة سفير خادم الحرمين الشريفين في كوريا الأستاذ أحمد البراك، وسفير كوريا لدى المملكة السيد جونغ يونغ كيم، ووكيل وزارة الثقافة والإعلام الأستاذ عبدالرحمن الهزاع، والملحق الثقافي السعودي في كوريا الدكتور تركي العيار. وقد رأس الجلسة وقدم للمحاضرة الدكتور سالم المالك، المستشار المشرف العام على إدارة التعاون الدولي بوزارة التعليم العالي.

وفيما يأتي نص المحاضرة:

هناك تقاليد ثابتة، وسياسات لا تتغير، ومبادئ راسخة تتمسك بها المملكة العربية السعودية بقوة في علاقاتها الدولية مع الدول الشقيقة والصديقة، تعتمد - ضمن ما تعتمد عليه في ذلك - على توفير ما يخدم مصالحها المشتركة مع الدول، منتهجة سياسة عدم الانحياز، ولعب دور فاعل في إطار المنظمات الإقليمية والدولية، وتنشيط هذه السياسة في عدد من الدوائر الخليجية والعربية والإسلامية والدولية، وهي مبادئ معلنة ومعروفة، ويمكن الاطلاع عليها وبكل التفاصيل في موقع وزارة الخارجية السعودية، بمعطياتها الجغرافية والتاريخية والدينية والاقتصادية والأمنية والسياسية، وبينها الانسجام مع مبادئ الشريعة الإسلامية باعتبارها (دستور المملكة)، واحترام مبدأ السيادة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة، ورفض أي محاولة للتدخل في شؤون المملكة العربية السعودية الداخلية.



وفي هذا الإطار، فإن الدائرة الدولية من علاقات المملكة مع دول العالم تقوم على التكافؤ مع القوى الكبرى، ضمن شبكة من المصالح المشتركة، مستندة في ذلك على مبادئ مستقرة وواضحة، منها الالتزام بميثاق الأمم المتحدة والمعاهدات والاتفاقيات الدولية المنضمة إليها، وحرصها على استقرار أسواق النفط العالمية بحكم ما يمثله إنتاجها من النفط من تأثير في اقتصاد العالم، والسعي لتنمية التجارة الدولية على قواعد عادلة، ومن خلال أسس اقتصاديات السوق الحر، والتزامها بعدم استخدام القوة في العلاقات الدولية، وشجبها العنف وجميع الوسائل التي تخل بالأمن والسلم الدوليَّيْن، وتأكيدها مبدأ التعايش السلمي بين دول العالم.



وهناك الكثير من التفاصيل عن النظرة السعودية للعلاقات الدولية من منظورها الخاص، وقد تم اعتماد هذه السياسة منذ عهد مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبدالعزيز حتى اليوم، وحرصت الخارجية السعودية على وضعها بكل مبادئها في متناول الجميع للاطلاع عليها، والتعرف على ما تتميز به من واقعية، ومن ثم يكون التعامل مع المملكة وفق ما أوضحته الوزارة في موقعها من ثوابت عن سياستها الخارجية، مراعية في ذلك مصلحة كل مَنْ يتعامل معها، وعلى مسافة واحدة من مصلحتها، سواء في الجانب السياسي أو الجوانب الأخرى الاقتصادية والأمنية وغيرها.

وقد حرصت على أن أشير إلى شيء من هذه السياسة؛ لتكون مدخلاً لحديثي عن العلاقات السعودية - الكورية.



لقد مضى خمسون عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية كوريا الجنوبية؛ لنجد أنفسنا هذا العام أمام حدثين مهمَّيْن، يرمزان إلى حميمية هذه العلاقة بين الشعبين الصديقين، ودلالتها في التأكيد على طبيعة التعاون الصادق بين الدولتين. الحدث الأول حين اختارت المملكة كوريا الجنوبية ضيف شرف في مهرجان الجنادرية السعودي، والثاني عندما اختارت كوريا الجنوبية المملكة؛ لتكون ضيف شرف في معرض الكتاب الدولي الكوري، وهو ما يعني تأكيد الجانبين ورغبتهما في تواصل هذه العلاقة بعد خمسين عاماً على قيامها بنفس الجدية، مع الحرص على تنميتها تحقيقاً لمبدأ تبادل المنافع والمصالح والسياسات ضمن القواسم المشتركة التي تجمع بين بلدَيْنا.



ومثلما هو موثق، فقد شهدت العلاقة الدبلوماسية وتبادل السفراء وفتح السفارات بين المملكة وكوريا نمواً مطرداً في مختلف المجالات، وتعاوناً لافتاً للنظر وملبياً للسياسات والمبادئ التي رسمتها ونصت عليها الاتفاقات الثنائية والمباحثات والزيارات المتبادلة بين المسؤولين في كل من كوريا والمملكة؛ ما جعل علاقتهما إحدى أهم العلاقات الدولية لكل منهما على مدى نصف قرن مضى؛ حيث سادها الإخلاص والصدق والالتزام بكل ما تم الاتفاق عليه دون أن نرى أياً منهما يشكو من مشكلة أو سوء فَهْم عند التطبيق.



وقد جاء عام 1962م ليشهد بداية إقامة العلاقة الدبلوماسية السعودية الكورية؛ لتكون بذلك سفارة المملكة التي افتُتحت في كوريا عام 1974م أول سفارة عربية، وكانت جمهورية كوريا آنذاك تصنف بوصفها إحدى الدول الزراعية الفقيرة في قارة آسيا وفي العالم، بخلاف ما هي عليه اليوم من تقدُّم اقتصادي وتعليمي وتقني؛ حيث تحتل سابع أكبر دولة في العالم في حجم التجارة، وتُعَدُّ واحدة من الدول الصناعية المتقدمة. وقد دخلت كوريا مبكراً إلى السوق السعودي، وشاركت ضمن دول أخرى في إنجاز متطلبات التنمية الواعدة التي كانت تمر بها المملكة آنذاك؛ ما مكَّن الدولتَيْن من أن ترسما ملامح مستقبل هذه العلاقة التي سنرى تميزها وتوسعها وتنوعها في فترات وسنوات لاحقة، حتى بلغت ما بلغته الآن من تطوُّر ونمو أفادت منهما كلتا الدولتَيْن.



فالعلاقة - إذاً - التي بدأت بين بلدينا في العام 1962م - كما أشرنا - صاحبها الكثير من الإنجازات في فترة مبكرة منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية، بمشاركة الخبرة والأيدي العاملة الكورية في تحديث البنية التحتية في المملكة، وتحديداً فيما تم تنفيذه من مشروعات الطرق والمباني العامة وتحلية المياه وتوليد الطاقة وتقنية المعلومات، إلى جانب عدد من المشروعات الصناعية المتنوعة، وغير ذلك كثير، ما أهل كوريا بشركاتها وخبرائها وعمالتها المدربة للفوز بحصة كبيرة من المشروعات العملاقة التي تم تنفيذها في المملكة؛ وبما مهَّد سنة بعد أخرى لاتفاق المملكة مع كوريا على تنفيذ المزيد منها وفقاً لاحتياجات المملكة ومتطلبات التنمية فيها.



بمعنى أن العلاقة السعودية - الكورية، كما وصفها الرئيس الكوري لي ميونج باك في لقائه هذا العام برجال الأعمال السعوديين بالرياض كانت حافلة بالتميز، وكانت المملكة مقصداً للعمالة الكورية منذ السبعينيات من القرن الماضي حين كانت كوريا توصف بأنها من أفقر دول العالم؛ حيث لم يكن دخل الفرد الكوري آنذاك يتجاوز الألف دولار، فيما هي اليوم تُعَدّ واحدة من أكبر اقتصاديات العالم، أي أن المملكة حين اختارت وجهتها إلى كوريا منذ خمسين عاماً - وهي تُعَرَّفُ بأنها من أفقر الدول على مستوى العالم آنذاك - لتنفيذ بعض مشروعاتها بمستوى عالٍ من الجودة كانت كما لو أنها قرأت آنذاك طبيعة المستقبل الذي ستتحول خلاله هذه الدولة الآسيوية من دولة فقيرة ومحدودة الإمكانات إلى واحدة من أغنى اقتصاديات دول العالم.



وبالتأكيد، فقد صاحب هذا التحوُّل في إمكانات وخبرات الجمهورية الكورية التوسع في العلاقات التجارية والاقتصادية بين الدولتَيْن؛ ما مكَّن المملكة لتكون رابع أكبر شريك تجاري مع كوريا؛ حيث وصل حجم التبادل التجاري بين البلدَيْن إلى ما يقارب الثلاثين مليار دولار في عام 2010م، كما أشار إلى ذلك وزير التجارة والصناعة السعودي، متضاعفاً أربع مرات عما كان عليه في عام 2002م، وأن عدد الشركات العاملة في المملكة تقدَّر الآن بأكثر من مائة شركة، حظيت خلال عام 2011 فقط بتكليفها بتنفيذ مشروعات بأكثر من خمسة عشر بليون دولار، بحسب ما أشار إليه رئيس مجلس إدارة الغرف التجارية والصناعية بالمملكة.



ومَنْ يقرأ عن اقتصاديات المملكة وكوريا، وإمكانات كل منهما، ومكانة كل من الدولتين في المنظومة الاقتصادية العالمية، فإنه لا يثيره تماسك الشراكة الكورية - السعودية على مدى خمسين عاماً، وقدرتهما على إيجاد بيئة منتجة، على النحو الذي شهده التعاون بين هاتين الدولتين الآسيويتين، وكيف أصبحتا ضمن أعضاء مجموعة العشرين، ومن بين الدول الأغنى اقتصادياً على مستوى العالم؛ لأن الصداقة وتقارب السياسات وفرص التكامل المتاحة بين كل منها مكنت الدولتَيْن من أن ترسم لعلاقاتهما خارطة طريق بمواصفات تناسب الجانبين، وتساعد على صناعة مرحلة لاحقة من الشراكة المتميزة، معززة القيمة المضافة سنوياً في هذه العلاقات، ولاسيما أن الشركات الكورية التي تعمل بالمملكة مع عمالتها الكورية المدرَّبة ساهمت على مدى سنوات مضت في تنفيذ العديد من المشروعات دون أن تواجهها أية عقبات نظراً إلى التزام الطرف السعودي بما يكون قد اتفق عليه مع الجانب الكوري.



على أن المرحلة القادمة ينبغي أن تنتقل فيه العلاقة وبقوة وفي المستقبل القريب من الاقتصار على التبادل التجاري إلى إضافة الاستثمار ضمن الخطط المستهدفة لتنمية التعاون الاقتصادي بشقيه التجاري والاستثماري، وهو ما يعني إيجاد صيغة مُرْضية ومقبولة من الدولتين، بما في ذلك الاتفاق على تحالفات ومشاركات استثمارية توطَّن بها الخبرة الكورية في أراضي المملكة بمشاريع صناعية من تلك التي ظهرت بها كوريا دولة متفوقة أو منافسة للدول الصناعية، سواء بالمشاركة مع الجانب السعودي أو بأي صيغة تكون مقبولة من الطرفين، ولاسيما أن الإمكانات المالية والأنظمة والتسهيلات والقوانين في المملكة تبشر بنجاح مثل هذا التوجُّه لو أُمكن تنفيذه، سواء بالشراكة المقتصرة على القطاع الخاص في كل من الدولتين، أو بمساهمة الحكومتَيْن بحصص في ذلك؛ فالمملكة تتمتع بوضع مالي وإمكانات اقتصادية جيدة، ولديها أكبر احتياطي من البترول في العالم، كما أنها الدولة العالمية الأولى تصديراً للبترول إلى دول العالم، ويقابل ذلك حاجتها إلى الخبرات الكورية في إقامة المشروعات والمصانع، وفق ما يلبي حاجتها ويطور أوجه الحياة في مدنها وقراها، وربما يكون ضمن الخيارات المستقبلية لتحقيق هذا الهدف - كما يقول الدكتور عبدالسلام السليمان، عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود - إنشاء مصانع بعمالة مشتركة من البلدَيْن، وكذلك أن تتضمن برامج ابتعاث الطلاب السعوديين للتدريب على رأس العمل في المصانع الكورية لنقل نماذج ناجحة من التنمية البشرية في كوريا.



وهناك بالمملكة يُجمع الخبراء والمختصون ورجال الأعمال والمسؤولون بالدولة على ضرورة الاستفادة من التقنية الكورية، خاصة في مجال الاقتصاد المعرفي، وما يقترحه الجانب السعودي في كل لقاء يجمعه بالجانب الكوري يتركز دائماً على دعوة الأصدقاء الكوريين لاستثمار الفرص المتاحة في المملكة لإيجاد شراكة تعتمد على الاستثمار في مجال الصناعات البتروكيماوية والبترولية والتقنية الإلكترونية وبعض الصناعات المتوسطة والخفيفة التي تملك كوريا خبرة متقدمة ونوعية جيدة في صناعتها. وفي هذا السياق، فقد صرَّح وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي الدكتور محمد الجاسر، في كلمة له أمام رئيس وأعضاء الوفد الاقتصادي والتجاري الذي زار المملكة هذا العام برفقة الرئيس الكوري، بأن المملكة حريصة على تعزيز الاستثمار، ونقل الخبرات التقنية الكورية إلى السعودية؛ لأن الاستثمار هو ما تبحث عنه المملكة في هذه المرحلة باهتمام أكثر من التبادل التجاري، مع أهمية الأخير. مضيفاً بأننا نريد توطين صناعات وخلق فرص عمل جيدة للمواطنين السعوديين، وأن يكون الاستثمار هو المقياس الأكبر لقوة العلاقات السعودية الكورية.



وكمؤشر على متانة العلاقات بين المملكة وكوريا فقد تم التوقيع هذا العام على عقد طويل المدى بين شركة أرامكو السعودية وشركة إس أويل الكورية لتكرير النفط تقوم بموجبه الأولى بتزويد الثانية بمليون برميل يومياً من النفط الخام لمدة عشرين عاماً، وقد وصف الخبراء هذا الاتفاق التاريخي بأنه الأطول في تاريخ الصناعات النفطية العالمية، وفي بيان لشركة إس أويل قالت إن هذا العقد يعد تطوراً غير مألوف إلى حد كبير في سوق يسود فيها إبرام عقود توريد لمدة عام واحد فقط، كما أنه سيتيح لشركة إس أويل تدبير كمية الخام اللازم لإدارة عملياتها التكريرية خلال الأعوام العشرين المقبلة، فيما يرى الدكتور راشد أبانمي رئيس مركز السياسات النفطية والتوقعات الاستراتيجية في تصريح له في صحيفة الاقتصادية السعودية أن توقيع كوريا مثل هذا العقد إنما يتم مع دولة - ويعني بها السعودية - لديها القدرة على الإنتاج بكميات كبيرة، حيث تنتج المملكة ثلاثة أضعاف ما تنتجه إيران، بما أن نسبة كبيرة من واردات كوريا النفطية تعتمد على إيران التي تواجه عزلة دولية، كما أن استقرارها يتعرض حالياً لاضطرابات مخيفة بسبب مفاعلها النووي، فيما أن السعودية - فضلاً عن استقرارها وحجم احتياطها من البترول - لديها خزنها الاستراتيجي الموجود باليابان، كما أنها دولة معتدلة وتلتزم بمسؤولياتها تجاه الدول الأخرى، إلى جانب أهميتها كونها تنتج ثلث إنتاج الأوبك، وحرصها على استقرار أسعار وإمدادات النفط عالمياً يندرج ضمن ثوابتها، وهو أمر يهم كوريا الجنوبية بوصفها خامس أكبر مستورد للنفط في العالم وإحدى الدول الكبرى التي تعتمد صناعاتها على النفط.



وهذا الاتفاق يأتي امتداداً لاتفاقيات عدة ومتنوعة تمت على مراحل وفي أزمنة مختلفة، ومنها اتفاقية تعاون اقتصادي وفني تم التوقيع عليها عام 1974م وبمقتضاها يسعى الطرفان لتطوير التعاون الاقتصادي والفني، وهناك مجلس الأعمال السعودي الكوري الذي من بين مهامه تقوية العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، كما أن هناك اتفاقية ثقافية تم التوقيع عليها عام 1975م وقد ركزت على تبادل الزيارات بين العلماء ورجال التعليم والصحافة والأطباء والطلاب وعلى تشجيع إقامة المعارض الثقافية والفنية، وهناك لجنة الصداقة البرلمانية السعودية الكورية في مجلس الشورى السعودي ولجنة الصداقة الكورية السعودي في الجمعية الوطنية الكورية، واتفاقية تبادل الإعفاء من الضرائب والرسوم الجمركية، إلى جانب اتفاقية حول التشجيع والحماية المتبادلة للاستثمارات. وتأتي هذه الاتفاقيات واللجان وغيرها تأكيداً على حرص الدولتين على بناء شراكة حقيقية لا تستثني أي نشاط، وأن يكون التعاون شاملاً وملبياً لمصلحة شعبي المملكة وكوريا، بالنظر إلى وجود تكامل يمكن البناء عليه في تحقيق الأهداف التي تضمنتها هذه الاتفاقيات وغيرها مما اتفق عليه فيما بعد، وقد تم لتأكيد هذه الخصوصية في العلاقة السعودية - الكورية التوقيع على عدد آخر من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بحضور الملك عبدالله والرئيس روه هو هيون خلال زيارة الرئيس الكوري للرياض عام 2007م.



وكل هذا التحرُّك حظي باهتمام من القيادات العليا في كل من الدولتين، بدليل اجتماع الملك عبدالله بن عبدالعزيز بالرئيس الكوري الراحل روه هو هيون عام 2007م في مدينة الرياض، كما اجتمع أيضاً بالرئيس الحالي لي ميونج باك عام 2012م في مدينة الرياض، كما قام الملك عبدالله عام 1998م، عندما كان ولياً للعهد، بزيارة لكوريا، اجتمع خلالها برئيسها ورئيس وزرائها وكبار المسؤولين فيها، وقد تركزت مباحثاته على تعزيز وتطوير العلاقات بين الدولتين، وكانت أول زيارة لمسؤول سعودي كبير لكوريا منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وصدر عنها بيان مشترك أكد على أهمية مواصلة تطوير التبادل التجاري والاستثماري، وكذلك الدعوة لتحقيق سلام عادل في الشرق الأوسط، كما قام الرئيس الكوري الأسبق تشي كيوهاه في العام 1980م بزيارة للمملكة، وأجرى مباحثات في حينها مع الملك خالد بن عبدالعزيز أعرب في ختامها الرئيس الكوري عن توافق الرأي الكوري مع الرأي السعودي على ضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة عام 1967م بما في ذلك القدس، وضمن هذا الاهتمام استمر الأمراء ورؤساء الوزارات والوزراء في تبادل الزيارات لبحث المشروعات المشتركة فيما بينهم ومنها زيارة رئيس الوزراء الكوري الأسبق شواكيوها للمملكة عام 1977م وكذلك زيارة رئيس الوزراء الأسبق لي هان دونغ عام 2001م ثم رئيس وزراء كوريا الأسبق لي هان شان عام 2005م على رأس وفد كبير ضم 125 عضواً من رجال الأعمال وكبار المسؤولين في وزارة الخارجية والاقتصاد، كما زار الأمير سلطان بن عبد العزيز عام 2000م كوريا الجنوبية، عندما كان وزيراً للدفاع والطيران ونائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء، على رأس وفد كبير. وقد صاحب هذا الحراك المتميز في العلاقات طفرة كبيرة على أكثر من صعيد، كما أشار إلى ذلك سفير المملكة السابق لدى كوريا عبدالله العيفان في محاضرة له في جامعة كوك مين.



والمملكة هي أحد الشركاء التجاريين الرئيسيين مع كوريا؛ إذ إنها تأتي في المرتبة الرابعة بعد كل من (الصين واليابان وأمريكا)، وقبل (أستراليا وألمانيا) وفقاً لتصريح أدلى به سفير المملكة لدى كوريا أحمد البراك. وبحسب المعلومات المتاحة عن المشروعات المشتركة مع كوريا الجنوبية فإن في المملكة مائة وتسعة وعشرين مشروعاً، ويبلغ رأس المال المدفوع لهذه المشروعات قرابة بليون دولار، يسهم الجانب الكوري بأكثر من 36 % من رأس المال. وفي المقابل فقد تطوَّر حجم التبادل التجاري خلال السنوات الأربع الماضية إلى أكثر من 300 %، بحسب ما صرَّح به مؤخراً رئيس الغرفة التجارية والصناعية الكورية. وهذا النمو في العلاقات التجارية سببه عوامل التكامل التي تجمع بين بلدَيْنا.



ولعله من المناسب أن نشير إلى ما قاله وزير التجارة والصناعة في المملكة العربية السعودية الدكتور توفيق الربيعة من أن الوقت قد حان لتوسِّع المملكة وكوريا تعاونهما في مجال الاتصالات والتكنولوجيا والبحث العلمي وتدريب الخبرات والكفاءات في هذا المجال، مقابل الدخول بقوة في ميدان الاستثمار، وما ذكره من أن المملكة تتميز بجاذبية استثمارية كبيرة على مستوى العالم، بدليل أن البنك الدولي صنَّفها في المركز الثالث عشر من أصل أربع وثمانين دولة في العالم، وهو بهذا يتفق مع وجهة نظر وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي وما قاله من أن السنوات القادمة يجب أن يكون التركيز فيها على الاستثمار في الصناعات، وأن يكون التعاون عبر حاضنات للصناعات الكورية الصغيرة والمتوسطة في المملكة، خاصة أن هناك شركات كورية تعمل بنجاح في المملكة في مجال محطات الكهرباء والبتروكيماويات وتحلية المياه والإسكان؛ ما يمهِّد بقوة لتنويع استثماراتها وفق ما يلبي احتياجات السوق السعودية.



لقد أخذت مسارات العلاقة بين بلدَيْنا توجُّهاً مهماً في الفترة الأخيرة، تمثل في الاستفادة من تجربة كوريا في مجال التعليم، بإلحاق عدد من الطلاب والطالبات بجامعات كوريا للدراسة فيها، وفتح ملحقية ثقافية بها؛ لتكون بذلك أول ملحقية عربية وإسلامية تفتتح في كوريا؛ وذلك لمتابعة مسيرتهم التعليمية؛ حيث بلغ عدد المبتعثين السعوديين على حساب دولتهم أكثر من مائتين وثلاثين مبتعثاً ومبتعثة، يدرسون في تخصصات ومستويات مختلفة؛ حيث يُعزى النمو غير المسبوق للاقتصاد الكوري إلى التعليم المكثف، الذي أدى إلى زيادة معدل الملتحقين بالجامعات، وإلى الاستثمار في أنشطة البحث وتنمية العلوم والتقنية؛ وهو ما شجَّع المملكة على اختيار اثنتين وعشرين جامعة من الجامعات الكورية ضمن الجامعات العالمية المفضَّلة لدراسة أبناء وبنات المملكة فيها، كما صرح بذلك الملحق الثقافي السعودي في كوريا الدكتور تركي العيار.



على أن التعاون في مجال التعليم قد امتد إلى التعاون بين الجامعات في كل من الدولتَيْن، وإلى تبادل الزيارات والمباحثات؛ فها هي جامعة الملك عبدالعزيز توقِّع عقد تعاون مع جامعة تشنبوك في مجال التقنيات متناهية الصغر، فيما وقَّعت جامعة الملك سعود اتفاق شراكة بحثية وأكاديمية مع جامعة سيئول، بهدف تطوير التعاون البحثي والأكاديمي والتعليمي بين الجامعتَيْن، وتسهيل تبادل الأساتذة والباحثين والطلاب، والتعاون في مجال البحوث، وكذلك تبادل المواد الأكاديمية والمطبوعات والمعلومات العلمية الأخرى.

وفي مجال الزيارات المتبادلة فقد زار وفدٌ من جامعة القصيم بعض الجامعات والمعاهد الكورية، ضمن تعزيز التعاون العلمي والبحثي والتدريبي، بهدف إقامة توأمة مع كليات الهندسة وكليات الحاسب الآلي الكورية، كما زار عدد من الطالبات في جامعة الملك سعود - وهي الأولى من نوعها - جامعات نسائية كورية؛ حيث زرن جامعة سوك ميونغ وجامعة دون سونغ للاطلاع على مرافق الجامعتَيْن والتقدُّم البحثي، والتعرُّف على تجربتهما في إشراك الطالبات في تصميم بعض مرافق الجامعتَيْن.



وقد كان إسهام الرياضة في تطوُّر العلاقة السعودية الكورية واضحاً، من خلال تبادل الزيارات والمباريات، واستعانة الفِرَق السعودية ببعض اللاعبين الكوريين تطبيقاً لمبدأ الاحتراف، ومن خلال منتخب كوريا الجنوبية وصل المنتخب السعودي إلى نهائيات كأس العالم، كما فاز بكأس آسيا، ومن جانبه تمكَّن المنتخب الكوري من الفوز على المنتخب السعودي في عدد من المباريات المهمة. وقد شكَّلت المنافسة بين المنتخبَيْن عنصراً فاعلاً في تقوية العلاقة بين بلدَيْنا، وهناك لجنة سعودية - كورية في المجال الرياضي، تم تشكيلها عام 1985م لتنسيق تبادل الزيارات والوفود الرسمية بين الرياضيين في البلدَيْن، وتنظيم اللقاءات والاستضافات، وتحقيق المزيد من التعاون لتطوير الحركة الرياضية في كلٍّ من البلدَيْن.



وفي المجال السياسي، شهدت العلاقات بين البلدين تطابقاً في وجهات النظر في المواقف من الأحداث والتطورات التي مر بها العالم على مدى خمسين عاماً مضت؛ فقد ساندت كوريا الموقف السعودي من قضية فلسطين ومن احتلال صدام حسين للكويت، كما تفهمت المملكة موقف كوريا الجنوبية في نزاعها مع كوريا الشمالية وساندته في كل المحافل الدولية، وقد عبر الجانبان في عدد من المناسبات عن هذا التوجه في الموقف من القضايا المشتركة في بيانات وتصريحات لا غموض ولا لبس فيها، انطلاقاً من قناعة راسخة أملتها على كل منهما إيمانه بدعم الحق وعدم المساومة عليه، ومن أن العلاقة التاريخية بين بلدينا تلزمنا معاً باحترام الحقوق المشروعة للشعوب والدول.



وبعد كل هذا: ما الذي نريد أن تكون عليه العلاقة بين المملكة وكوريا الجنوبية في النصف الثاني المكمل لقرن متميز بين دولتين صديقتين، وقد كان النصف الأول منه حافلاً بما أسعد الدولتين والشعبين من إنجازات على كل المستويات، بما يجعلنا أكثر تفاؤلاً بما سيتم إنجازه في الخمسين سنة القادمة؛ فكوريا الآن غيرها بالأمس وكذلك المملكة من حيث الإمكانات وحجم التطور مقارنة بما كانتا عليه في بدء قيام العلاقة الدبلوماسية بينهما قبل نصف قرن من الزمن، كما أن متطلبات المرحلة القادمة تحتاج إلى تحالفات وشراكات بأكثر مما كانت عليه في الماضي، نسبة إلى المستجدات والمتغيرات التي يتوقع أن يواجهها العالم في النصف الأول من هذا القرن في علاقات الدول، ما يعني أهمية الاستعداد والبدء بالتعاون المكثف والنوعي بين المملكة وكوريا.



وإذا كان لي أن أختصر بعض ما أفكر فيه انطلاقاً مما سمعته من غيري أو قرأته لآخرين، ومن خلال التصور الشخصي لعلاقة أرى إمكانية أن تكون أكثر تميزاً بين المملكة وكوريا، فقد يكون من الأفضل لتأصيل هذه العلاقة في المرحلة القادمة عبر سنواتها الخمسين القادمة تركيز الدولتين على الاستثمار المشترك في المملكة وكوريا، وخاصة في السوق السعودية التي تفتقد إلى كثير من الصناعات المحلية معتمدةً في كل احتياجاتها على الاستيراد من الخارج، بينما هو سوق استهلاكي كبير، وبيئة صناعية مناسبة بكل مقوماتها، وهو بالتالي خيار مفيد بنظري للجانبين، ويمكن أن يتم توطين بعض الصناعات الكورية في المملكة بشراكة كورية مع رأس المال السعودي الخاص والحكومي وبكل الضمانات والتسهيلات، خاصة أن لكوريا تجربة غنية في التعامل مع المملكة سواء في الإعمار حيث نفَّذت مباني كثيرة من بينها مطار الملك خالد ووزارة الدفاع ووزارة الداخلية، وأنجزت بعض المشروعات في مجال الطرق والتحلية والبتروكيماويات والنفط والطرق وغيرها، وكانت نتائجها مُرضية للطرفَيْن؛ ما يشجِّع على توسيع قاعدة التعاون بين بلدينا لا سيما في مجال التعليم والتدريب، وتبادل الخبرات والبعثات، الأمر الذي يقود إلى علاقة نموذجية مستقبلية تنسجم مع التوجُّه الكوري بإمكاناته الكبيرة، ومع الحالة السعودية التي تحتفظ أرضها بأكبر مخزون من النفط، مثلما أنها الدولة الأولى في تصديره، وهو ما تحتاجه كوريا الجنوبية في صناعاتها.

المصادر:

- وزارة الاقتصاد والتخطيط.

- وكالة الأنباء السعودية.

- وكالة يونهاب للأنباء الكورية.

- مركز المعلومات بصحيفة الجزيرة.

- المركز الوطني للمعلومات المالية والاقتصادية بوزارة المالية.

- السفارة الكورية بالرياض.

- مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات بوزارة المالية.

- الغرفة التجارية والصناعية بالرياض.

- مجلس الغرف التجارية والصناعية بالمملكة.

- مركز التجارة العالمية ITC.

- وزارة الخارجية السعودية.

- البنك الدولي.

- مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية.

 

رجوع

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة