ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Tuesday 03/07/2012 Issue 14523 14523 الثلاثاء 13 شعبان 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

وحدة وطن

 

أنا والفرسان الثلاثة

رجوع

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كان نبأ وفاة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز مفاجئا فآلمنا المصاب الجلل واحتسبناه عند الله راضيا مرضيا، وجاء اختيار صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز وليا للعهد وزيراً للدفاع سريعا ليهدئ النفوس وليؤكد على أننا قوم كلما غاب عنا سيد قام سيد؛ فلم تعرف المملكة في تاريخها المعاصر الفراغ الدستوري لأن الوتيرة السياسية لا تنقطع ولا تتغير بل تتطور.

كما أن تولي صاحب السمو الملكي الأمير أحمد بن عبدالعزيز وزارة الداخلية كان منتظرا فهو خلف لسلفه ورفيق دربه أخيه الأمير نايف مما يعني رسوخ المنهجية ووحدة الاستراتيجية بين السلف والخلف.

إن معدل استقرار الحكم في المملكة من أعلى المعدلات في العالم إذا راعينا عمر الدولة وعدد ملوكها ومساحة أرضها. كما أنها البلد الذي تنتقل فيه ولاية العهد بسلاسة ودون إبطاء.

مع الفارس الأول:

أما الأمير نايف عليه شآبيب رحمة الله فقد كان لي ذكريات عنه وإن لم تكن معه أوجزها في الآتي: 1- في مستهل عام 1397هـ، قدمت إلى الرياض للتسجيل في الجامعة، وكنت قد عانيت في سبيل الحصول على رخصة القيادة بسبب الأسلوب الذي كان متبعا في مرور القصيم؛ إذ كنا نصف طوابير منذ الصباح الباكر حتى إذا جاءت العناصر المختبرة انقضت الجموع عليهم ثم انفضت لتطارد بعضها بعضا، وتنتهي معركة الكر والفر بإخفاق كثير منا بتبريرات مضحكة: لم يتنبه السائق إلى باب الراكب الذي وضعه المختبر تحت إبطه!، لم يتأكد السائق من وضع المرآة التي غيرها المختبر برأسه بخفة بهلوانية، وعليك أن تنتظر دورك القادم في أي مدينة من مدن القصيم.

لقد قررت أن أقابل وزير الداخلية، فسألني الأستاذ إبراهيم الداود -الذي كان مشرفا على مكتب سموه آنذاك- ما الخطب أيها الشاب؟ قلت له: جئت لأشكو أسلوب مرور القصيم مع طالبي رخص القيادة، وليس لدي الوقت لأعيد مطاردات الأمس فضحك وقال بإمكانك أن تقابله بعد الظهر في المجلس الذي يستقبل فيه المواطنين والمقيمين.

وقفت أمام سموه وتحدثت فتبسم ضاحكا من شاب جاء من القصيم يسعى وهو يخشى، وقال: يابني في حديثك أمر عام نعالجه الآن في فتح مدارس قيادة السيارات، وخاص وهو أنك تريد أن تختبر دون معاناة وهذا من حقك، فشكرته.

هذا الموقف جعل الشاب يشعر أنه أمام مسؤولين منه وإليه، يتعاملون مع الناس بوحي من دينهم وقيمهم ووصية أبيهم.

2- ثم مرت السنين، وعدت من فرنسا حاملا دكتوراه السربون في العلاقات الحضارية عام 1989م، وقد تسنى لي المشاركة عضوا في الوفد الشعبي المتجه إلى فرنسا لشرح أبعاد وتداعيات غزو الكويت، وكان الأمير نايف قد اجتمع بكافة الوفود الشعبية وووجهنا بأن نخاطب العالم بلغة واقعية وحجج مقبولة وكان يتابع -باهتمام- فعاليات هذه الوفود ونتائج زياراتها بصفته رئيس المجلس الأعلى للإعلام.

وقد وجه إلى كل عضو من تلك الوفود خطاب شكر خاص بعد انتهاء المهمة.

3- وعملت اثني عشر عاما مستشارا غير متفرغ في مجلس الأمن الوطني الذي كان يرأسه الأمير نايف ضمن عدد من الأكاديميين من جامعتي الإمام والملك سعود وقد سعدنا بهالة من الاحترام أحاطنا بها الأستاذ سعد الناصر السديري الأمين العام السابق للمجلس الذي كان يقدر الكفاءات الوطنية ويدرك أهمية إفادة الأمن الوطني من الرؤى العلمية المبنية على مقدمات ونتائج وإحصائيات وتوصيات ويسرني من هذا المنبر أن أوجه له التحايا على الخبرة التي اكتسبناها منه وهي حصيلة سنين طويلة قضاها في وزارة الداخلية منذ توليه وكالة إمارة منطقة المدينة المنورة وحتى تعيينه مستشارا في الوزارة.

أقول إنني كنت أدون اقتراحات قد يكون بعضها مثاليا وكانت تعرض على الأمير نايف ويوجه بما يراه.

وأذكر أنني قدمت تصورا أكاديميا مقتضبا عن «الأمن الفكري» فاهتم سموه وأمر بدراسته حتى رأى النور.

لقد كان سموه يقدر الأكاديميين كلا في تخصصه، ويحفل بالدراسات والبحوث التي تقوم على أدوات ومنطلقات علمية وتنتهي بنتائج معقولة وواقعية.

4- في اجتماع مجلس وزراء الداخلية العرب في تونس عام 1997م، قرر الوزراء تسمية «المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب» بـ «أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية» اعترافاً بالجهود القيمة التي يبذلها الأمير نايف بن عبد العزيز في بناء وتطوير العمل الأمني العربي المشترك ثم قرر مجلس وزراء الداخلية العرب في تونس عام 2004م، تغيير الاسم إلى «جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية».

وحسب معلوماتي أن الأمير رحمه الله قبل هذا التوجه بعد أن اختصر اسمه الكريم بـ «نايف» لأنه كان يميل إلى البساطة وعدم التكلف ويعزف عن المبالغة في النعوت.

وأذكر أنني راجعت كتبا تتحدث عنه فأزلت ما فيها من مبالغات مما جعل مؤلفيها يتبرمون من ذلك ولكنها نشرت أخيرا بعد تلافي الملحوظات.

الفارس الثاني:

1- أما الأمير سلمان فقد تشرف محدثكم بالسلام عليه أول مرة واستلام شهادة البكالوريوس في التاريخ عام 1400هـ، ثم توالت اللقاءات كل عام في احتفالات التخرج بجامعة الإمام حيث كان يسأل الطالب عن اسمه فيحدد على الفور المدينة التي تنتمي إليها أسرته وهذا ينم عن ثقافة ديموغرافية يتمتع بها سموه؛ فله آراء صائبة في أنساب هذه البلاد بدءا بنسب أسرة آل سعود.

2- في أوائل عام 1417هـ، كنت عميداً للبحث العلمي في جامعة الإمام، وحدث أن رفعت بصفتي الشخصية خطابا إلى الملك فهد رحمه الله أقترح فيه إقامة احتفال بمرور مائة عام على استعادة الرياض فلما علم معالي الأستاذ الدكتور عبدالله بن يوسف الشبل مدير الجامعة الأسبق قالي لي إن الأمير سلمان بن عبدالعزيز يحمل هذه الفكرة من سنين طويلة؛ ففي عام 1369هـ، كان لا يتجاوز الخامسة عشرة من عمره وهذا التاريخ يعني مرور خمسين سنة على استعادة الملك عبدالعزيز العاصمة، ولا شك أن سموه في حقبة مبكرة كان متابعا لكل ما يحدث في بلادنا والعالم من حولها معنيا بتاريخنا الوطني وتفاصيله؛ لذا كان تخطيطه لفعاليات المئوية سليما ففي أقل من عامين تم افتتاح مركز الملك عبدالعزيز التاريخي بمرافقه وحدائقه.

وأسهمت في فعاليات تلك الاحتفائية تحت إشراف سموه عضواً في اللجنة العلمية وكان يتعهدنا ويوجهنا حتى آتت الجهود أكلها كتبا مطبوعة وبحوثا محكمة منشورة، وندوات ومحاضرات وشرفت بأن أدير الحفل الختامي في حضور سموه ورجال العلم والأدب والسياسة.

لقد كونت خلال عامين في مخيلتي انطباعا عن سموه؛ لقد كان كريما مع رجال الثقافة والتاريخ الوطنيين والوفود، كان يتقن فن الحديث في كل فن، يقرأ تعابير وجوه ضيوفه؛ فيخرج القوم من عنده والبشر يغمر نفوسهم.

3- إن ترؤس سموه مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز أحيا في هذه المؤسسة البحثية روح المنافسة والتطور والانتشار ضمن مواصفات منهجية حققت بموجبها تصنيفا إقليميا وعالميا متقدما.

ولأني عضو في اللجنة العلمية وهي بمثابة المجلس العلمي للدارة، وعضو في أكثر من لجنة فيها وفي اللجنة العلمية لجائزة ومنحة الأمير سلمان بن عبدالعزيز لدراسات وبحوث تاريخ الجزيرة العربية، من أجل ذلك أستطيع أن أبرز أهم ملامح شخصية الأمير سلمان في مضمار التاريخ والبحث العلمي وفن الاستقراء؛ لم يكن سلمان متخصصا في التاريخ بل هاويا، والهواة يفضلون المتخصصين في كونهم أكثر شمولية بينما يتقوقع بعض المتخصصين في دوائر تخصصاتهم الدقيقة.

وفي جلسة خاصة في المختصر قبل بدء أحد احتفالات التخرج في الجامعة كان الأمير سلمان يتحدث مع الشيخ محمد الصالح العثيمين بكل تلقائية وأريحية وعفوية فقال للشيخ: يا شيخ إنني شغوف بقراءة كتب التاريخ ولا أنام حتى أقرأ صفحات منها فقال الشيخ وهو يحاوره: الله يعين على توفير الكتب لك ويقصد الشيخ أن هذا الشغف يحتاج إلى مكتبة كاملة.

إن سلمان حينما يقرأ نصا فإنه يتناوله بعين الناقد البصير، ويهمش عليه، وفي الاجتماعات ذات الصبغة العلمية والبحثية ينصت إلى آراء ذوي الاختصاص ويقف مع الرأي الصحيح أو الراجح أو يتوقف ليطلب مزيدا من الدراسة.

5- ولأنه يقرأ بتمعن وتؤدة، فإنه لا يحفل بالنصوص المكرورة، والعبارات الفضفاضة، والمديح الممل؛ وقد أخذ مؤلفو سير سموه ذلك بالحسبان فابتعدوا عما يؤذي تواضعه وكنت قد راجعت بعضا منها وأزلت ما رأيته غير مناسب وذيلت رأيي بعبارة «يكفي أن تعرض هذه النسخة على سلمان ليجيزها».

إن التأليف عن سلمان أمر صعب لأنك تكتب عن إنسان فطن يقرأ ما بين السطور.

أما في تدشينه المعارض والمشروعات فإنه شديد الملاحظة وربما يكتشف أشياء غابت عن بال المصممين والمنفذين.

يكفي سلمان فخرا أن حظي بثقة أخيه واختياره وأن يكون ضمن مبررات تعيينه وليا للعهد «تحقيق المصلحة العامة» كما ورد في الأمر الملكي السامي، لقد جاء سلمان في الوقت المناسب كرجل مرحلة حساسة تمر بها المنطقة العربية والعالم.

الفارس الثالث

1- أما أحمد بن عبدالعزيز، فقد بلغني صيته في مجال الفكر والثقافة مبكرا إذ كنت في المرحلة المتوسطة في أكاديمية المعهد العلمي بعنيزة وكنت أمتطي دراجتي إلى «مكتبة مسجد الرويقي» التي أسسها الأستاذ محمد السليم رحمه الله وكنت أساعده في ترفيف الكتب، ولفت انتباهي كثرة الكراتين المعنونة بـ «إهداء من الأمير أحمد بن عبدالعزيز»، وهذا جانب مهم من جوانب شخصية هذا الأمير الخلوق المتمثل في حبه لاقتناء الكتب وإهدائها.

2- وأعود إلى حكاية الرخصة، فقد جئت من الغد لأقدم طلبا بذلك فألفيت الأمير أحمد جالسا للناس، وأخذ يستعرض الطلبات بصدر رحب وكنت قد نسيت كتابة اسمي فخشيت أن يتجاوز طلبي فقلت يا سمو الأمير لم أكتب اسمي على الورقة فقال إذا نظرت فيها ناديتك وهكذا شرح على طلبي بتحويلي إلى مرور الرياض ثم إلى مدرسة دلة التي كانت وقتذاك في مكان قصي من العليا وطريقها غير مرصوف.

وهكذا ارتسمت في ذهني صورة المسؤول الواعي الدمث في أحمد بن عبدالعزيز.

3- وسعدت بأن أدعى إلى مناسبات على شرف سموه وأستمع إلى حديثه في شؤون شتى ومن ذلك ذكرياته عندما كان يدرس عام 1961م اللغة الإنجليزية بجامعة جنوب كاليفورنيا، ثم انتقل إلى جامعة ردلاندز بجنوب ولاية كاليفورنيا حيث حصل على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية عام 1968م.

وظل متواصلا مع جامعته التي تابعت إنجازاته في حقل الإدارة والتخطيط وقررت عام 1999م منحه شهادة الدكتوراه في العلوم الإنسانية تقديراً من الجامعة للأسلوب الإداري الذي انتهجه في مجال عمله ووفائه للجامعة.

إن الأمير أحمد يجمع بين اللين والشدة، واللطف والحدة، حسب مقتضيات الحال وهذا أمر يحتاجه منصبه الأمني، كما أن لديه طول بال وهو يستعرض المعاملات ليكون صورة صحيحة عن واقعها فيتخذ القرار المناسب في الوقت المناسب.

وباختصار أقول إن جواد الداخلية الذي امتطاه نايف وترجل عنه امتطاه أحمد ليكمل المسيرة.

رحم الله نائفا وأطال الله بالصالحات أعمار خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده وإخوانه وسائر المسلمين.

د. عبدالله بن عبدالرحمن الربيعي

 

رجوع

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة