ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Friday 06/07/2012 Issue 14526 14526 الجمعة 16 شعبان 1433 العدد 

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

 

ياسطه عطية

رجوع

 

يجول في الأماكن يبحث عن المجهول، يشاهد السماء والأرض يقطف من كل شجرة زهرة، يستنشق قليلاً ثم يمضي في الطريق، عيناه معلقتان في الأفق، قلبه ينبض بقطرات من الحياة رغم مرارة الحزن في داخله، في بعض فتراته الزمنية يغضب من ذاته الشقية، يخاطبها ماذا تريدين من المسكين، ليرتد إليه صوته الضائع، العمر لحظات اغتنمه، صاحبنا مجروح حبيبته خانت العهد والود، فقرر الانتقام من كل نساء الأرض.

* * * *

بداية الطريق في حي من الأحياء تفوح رائحة الخبز العربي الشهي وكلمات الباسطين على الأرض تنعش (شارع الحي) سمي (شارع العشرين) هنا بقالة العم أحمد وبقالة العم إبراهيم، صباحيات جميلة تنعش القلوب الحزينة بكلمات تتكرر كل يوم بالدعوات وجلب المسرات، تأصل الأمل رغم الجوع والفقر والحاجة.

* * * *

في شارع العشرين يمشي صاحبنا، يدندن أغنيات الستين متعطراً متبختراً وكأنه فلتة زمانه، مرتدياً نظارته الشمسية لتخفي تلك العيون الشقية، وملابسه الفسفورية تفضح نواياه الجوهرية، في زمن الانفتاح والعولمة واختلاط الحابل بالنابل، بين الأمس واليوم، وبين أن يكون أو لا يكون، بين المجهول والمعلوم، بين الأهواء والقيم، صاحبنا يتصيد النساء بترو وهدوء يمثل شخصية الهاوي، وألاعيب المغمور، أو رسام الطيور.

صاحبنا لا يؤمن بالصدف، لكل شيء دراية، دراسة، وتخطيط، (وشارع العشرين) يؤمن له كل الأطياف والألوان، يلمح صاحبنا (ابنة الثلاثين) يقيس الطول بالعرض، يقارن بين تلك العيون وهذه العيون، يقف طويلاً تغريه خطواتها وتناسق جسدها، يحاول اللعب مع المجهول.

صاحبنا: صباح الخير

ابنة الثلاثين: صباح النور

صاحبنا: أنا الفنان المشهور

ابنة الثلاثين: لمحت صورتك أمس في إحدى الجرائد

يغررررد صاحبنا

ابنة الثلاثين: لكنك تجاهلت الحقيقة

صاحبنا: وأي حقيقة

ابنة الثلاثين: أنت لم تتطرق للحقيقة جعلت عنوانك وهماً كبيراً، هناك فرق بين الحقيقة والخيال، بين الواقع والمنطق

صاحبنا: يهز رأسه مستغرباً، ويتمتم من أين ظهرت تلك

ابنة الثلاثين: عندما نريد التحدث عن الحقيقة علينا وضع النقاط فوق الحروف، نتكلم لغة الجوع والمحرومين، نتكلم مثلاً عن شارع العشرين، عن عم أحمد، وعم إبراهيم الذي بلغ الثمانين

صاحبنا: تحدثت أمس عن القوانين

ابنة الثلاثين: وأين نحن من الخريطة، أين نحن من النساء الأرامل وخجلهن من السؤال، أين نحن من طفولة الشوارع التي يقتلها البرد القارس، أين الحقوق والواجبات كم سمعنا من الشعارات، وامتلأت الأوراق والصحف، فلم نعط الحقوق لأصحاب الحقوق، بل طبّلنا لكل شعار زائف، ووضعنا المحسوبية فوق المحسوبية، لتتم المنافع والمصالح فوق جسد المساكين والمحتاجين.

ابنة الثلاثين: تعبنا من التنظير والدراسات والتزوير، ألم تسمع الجوع كافر؟

صاحبنا: تبالغين مثل كل النساء، ألا يكفي توفير المساكن، والمدارس، ورخص السلع؟!!

ابنة الثلاثين تشير باشمئزاز (ماذا حل بصباحي المسكين)!

تسارع الخطى، تحاول عدم النظر للخلف، تتجاهل مقال الأمس، ما أقبح الحقيقة عندما لا تجد حقيقة، كيف غطت العناوين مساحات الصحف الكبيرة، وأهملت المحتوى والمضمون، تسرح بأفكارها بعيداً ليوقظها بعد ذلك صوت المذياع:

(الحلوة آمت تعجن بالفجريه والديك يغني كوكو كوووو، يالله بنا على باب الله ياسطه عطية، صباح الصبح فتح ياعليم، والجيب ما فيش ولا مليم، بس المزاج رايق وسليم)..

تردد: الحمد لله أن الدنيا ما زالت بألف خير.

أين أنت ياسطه عطية، تسارع الخطوات أكثر حتى تشاهد عم أحمد وعم إبراهيم، في وسط محلاتهم العتيقة وبعض الجرائد المتناثرة، يحكون القصص القديمة بعفوية وابتسامة عميقة لم ترهقهم الحاجة، كانت قلوبهم وعقولهم متفائلة صادقة بين الحاجة والاحتياج، بعيدين كل البعد عن الزيف والمظهر الكذاب، يتذوقون كاسات الشاي الثقيلة يتخلله بعض أوراق النعناع، تتوقف ابنة الثلاثين لتشاركهم تذوق الشاي وتستمتع بالقصص العميقة، تفكر رغم معاناتهم مازال مزاجهم رايقاً ومتفائلاً، لتسأل ألف سؤال من أين لهم قوة الأمل، قوة الصبر؟!.

* * *

صاحبنا ينهي شارع العشرين، والغضب قد تملكه وبدأت تخنقه رائحة الشارع، يشعر بتزاحم الناس حوله، وأمامه يشعر بضيق، يلعن الشارع مئة مرة ويلعن ابنة الثلاثين ألف مرة، لتحادثه نفسه الشقية هناك شارع الأربعين طويل وجميل ليعيد لبس نظارته من جديد ويعيد المشي بزهو وتبختر ويدندن أغنية الستين.

هيفاء صفوق

 

رجوع

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة