ارسل ملاحظاتك حول موقعنا   Wednesday 29/08/2012 Issue 14580  14580 الاربعاء 11 شوال 1433 العدد  

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

منوعـات

           

منذ الأزل والإرهاب حاضر في ذهنية الإنسان، فهو أحد الأدوات اللازمة لخلق الخوف لدى المستهدف بالإرهاب وجعله رهينة حالة نفسية تسمح بالتأثير عليه بصورة قسرية، وقد درج استعماله بصورة تلقائية وربما يومية من قبل الحكام الطغاة والمجرمين والعنصريين ومتطرفي التدين، والإرهاب هو عملية خلق الخوف واستدامته، لذا كان يقوم على تكوين الاعتقاد العام بإمكانية البطش والإفناء عند المرهب وتعزيز ذلك بإشاعة قصص لأحداث فضيعة أقدم عليها، بعضها حقيقي ومعظمها غير ذلك، ولكن الإرهاب المعاصر تعرض لتغيير في المعنى والأهداف عما كان عليه في سالف الزمن، فلم يعد معنى الإرهاب مقتصراً على التخويف، حيث تعدى ذلك ليشمل القتل والتدمير والإضرار المتعمد، وباتت أهدفه تتعدى خلق الخوف والهلع، فأصبح وسيلة للانتقام والتعبير عن الأفكار الشاذة والرغبة في التغيير السياسي وأصبحت وسائله هائلة التدمير. وتغير المرهب من شخص معروف الشخصية والمكان لشخص خفي أشبه بشبح يعيش بين الناس.

كان الإرهاب في العصور الماضية عملية مبررة من الناحية العملية والفكرية، وربما الأخلاقية عندما يكون المراد منه قمع غائلة الأعداء كما ورد في الآية الكريمة {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ} حيث كان الإرهاب إذ ذاك ما بات يسمى اليوم بـ»الردع الاستباقي»، وفي الحالات الأخرى يبرر الإرهاب على أنه أفضل الوسائل في ضبط سلوك الفئات المتمردة أو المختلفة، والتي يمثل نشاطها تهديدا للمرهب عندما تنعدم وسائله المباشرة. في وقتنا الحاضر وعندما تطورت وسائل الضبط الاجتماعي وتحسنت ظروف المعيشة وانحسر الاستبداد الطبقي والسياسي واضمحل الطمع التوسعي الامبريالي، أصبح الإرهاب كسياسة حكومية أو اجتماعية من أدوات الماضي، فلم تعد الأهداف المنشودة منه صالحة أو مقبولة، خصوصاً في ظل التغير الكبير في نمطية التفكير الإنساني العام الذي اعتمد على الاعتراف بالحقوق الفردية والجماعية وجعل الحرية أحد أهم القيم التي تقوم عليها حقوق الإنسان، ومع ذلك لا يجتمع كل الناس حول الاتفاق بحقوق الآخرين في حرية الاعتقاد الديني والسياسي، ولا يتفق كل الناس في تغليب المصالح الكلية على المصالح الفئوية، ومع وجود آلية للتعبير والنضال السلمي لذوي الطروحات غير المباحة أو المسموحة، إلا أن فئة من هؤلاء المناضلين، لم تستخدم تلك الآليات السلمية، إما لضعف المهارة أو قصور في المفاهيم، أو كون هذه الطروحات تمثل تهديداَ لقيم اجتماعية سائدة أو مصالح وطنية مستقرة جعل نشرها أمراً محظوراً، لذا عمدت هذه الفئات للإرهاب كوسيلة لقسر المستهدفين على قبول طروحها، واستخدمت وسائل القتل والتدمير بصورة إجرامية استهدفت في معظمها أناس برياء ليسوا طرفاً في نزاع المفاهيم، ولكنهم أهداف سهلة أريد بقصدهم بلوغ الحالة الإرهابية.

الجماعات الإرهابية التي سادت في القرن الماضي جميعها اتفقت على الأسلوب والأدوات واختلفت في الأغراض، فـ(المافيا) كان غرضها المتاجرة بالممنوعات و(الألوية الحمراء الإيطالية) كان توجهها فاشي ثم تحول للشيوعية وكذلك (بادرمنهوف) الألمانية و(الجيش الأحمر) الياباني كلها كانت منظمات شيوعية الطابع، وكثير من حركات التحرر أيضا اتبعت الإرهاب كوسيلة لتحقيق طموحاتها الوطنية، ونحن في عالمنا العربي لم يخل واقعنا من حركات إرهابية لها أغراض قومية ودينية، نعاصر منها الأكبر بين تلك الحركات وهي (منظمة القاعدة) والتي تطرح مشروع قسري يهدف لجمع المسلمين تحت كيان سياسي واحد وبمعايير إدارية واقتصادية غير مقبولة لدى معظم المسلمين، هذه المنظمة تبنت الإرهاب كوسيلة لخلق بلبلة اجتماعية في ديار المسلمين، ولكون أغراضها تشتمل على خلاف فكري وفقهي، مغلف بطموح يداعب مخيلة الحالمين بعودة السيادة الإسلامية إبان عصور الخلافة، فقد استهوت الطامعين والحالمين والفاشلين الباحثين عن هدف سهل، وأصبحت (الصُفّة السوداء) التي يدخلها هؤلاء، فيتحولون لمجرمين مدججين بكل وسائل التدمير ومفرغين من وازع الضمير الإنساني والديني، يختبئون وسط الناس في حالة انتظار أمر التدمير الذي قد يكون ضحيته أقرب الناس لهم.

الإرهاب الذي تفعله (القاعدة) في بلادنا لم يكن ليحدث لو لم يكن له تبرير فكري استطاعت أن تجعله منتجاً مغلفاً بما يضمن تسويقه بين فئات المجتمع، هذا المنتج المعروض يشبع عملية طلب قائم في المعايير الاقتصادية، ولن يكون بإمكاننا القضاء على الإرهاب الذي تخلقه القاعدة إلا بمعالجة الطلب الذي تشبعه بمنتجها بوضع منتج منافس بصورة فائقة أو معالجة منتج القاعدة وإيضاح قصوره عن تلبية الطلب الذي يستهدفه. هذا بكل بساطة ما فعلته كل من إيطاليا وألمانيا واليابان فأصبح الإرهاب ذا المنشأ الوطني لديهم من قصص الماضي.

mindsbeat@mail.com
Twitter @mmabalkhail
 

نبض الخاطر
الإرهاب (من التأسيس للتبرير)
محمد المهنا ابا الخيل

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعة حفظ ارسل هذا الخبر لصديقك  

 
 
 
 
للاتصال بنا خدمات الجزيرة الأرشيف جوال الجزيرة السوق المفتوح الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة