ارسل ملاحظاتك حول موقعنا   Tuesday 18/12/2012 Issue 14691  14691 الثلاثاء 05 صفر 1434 العدد  

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

استدعيت ذات مرة لمقابلة متقدم للعمل في القسم، وذهبت لمقابلته وأنا أعرف أن من استدعاني لمقابلته لم يكن يضمر له خيراً؛ لأنه يتم استدعائي للجنة مقابلة المتقدمين في حالات يراد فيها تمحيص المتقدم بشكل فعلي، ووفق معاير أكاديمية دقيقة، وإلا يستدعى له متعاقد أو زميل ممن مهمتهم تسهيل أمور القسم دونما اكتراث بتأهيل المتقدم أو عواقب ذلك على العملية التعليمية.

وهنا لا بد من أن نذكر أن التساهل في شغل الوظائف الأكاديمية له آثار بعيدة المدى على مستوى التعليم ومستوى الخريجين.

ورغم ذلك فهو ممارَس وللأسف، يشجعه شغور كثير من الوظائف الأكاديمية التي وفرتها الدولة، واستمرار النظر للوظيفة الأكاديمية على أنها كباقي الوظائف الأخرى في معاييرها ومحدداتها.

ذهبتُ للمقابلة وأنا أمارس نوعاً من الحوار الداخلي حول جدوى ضرورة مثل هذه المقابلات في ظل تعيين كثير ممن هم في مستوى الطلاب أو يزيدون عنهم قليلاً، وقررتُ التساهل معه قدر الإمكان من مبدأ المساواة مع من يقابلهم متعاقدون بتوصيات من أركان الكلية الإداريين.

وخلال المقابلة طرحتُ عليه بعض الأسئلة التي هي عادة تأخذ شكلاً تصاعدياً من السهل إلى الصعب، ومن السؤال الأقل تخصصاً لآخر أكثر عمقاً وتخصصاً، غير أن المتقدم لم يجب عن أي سؤال، وبدأ يلف ويدور بأمور مبهمة وغير ذات علاقة، حينها بادرته بالسؤال عن الجامعة التي تخرج فيها، فأجاب: الجامعة الأمريكية في لندن.

وللوهلة الأولى استغربتُ وجود مثل هذه الجامعة ذات الاسم المركب الشاذ، فلا الأمريكيون يرغبون في جامعة لهم في لندن، ولا البريطانيون سيقبلون بها.

فسألته عن عنوان الجامعة في لندن، فأجابني بأن الكلية ليست في لندن بل في العليا، استغربتُ ذلك وتساءلت كيف تكون هناك جامعة أمريكية في لندن ومقرها الرياض!! وقعت مقابل اسمي بعدم الموافقة، وغادرت، وعلى ما يبدو - والله أعلم - أنه تم رفض المتقدم.

بعد فترة وجيزة اطلعت على حملة قادها الزميل موافق الرويلي، الأستاذ الجامعي عضو مجلس الشورى، ومجموعة معه، ضد الشهادات الوهمية التي أصبحت - بكل أسف - ظاهرة متفشية.

ومعنى الشهادات الوهمية هنا هي الشهادات التي تُباع مقابل المال، ومن دون مجهود. وقد دهش جميع من اطلعوا على الحملة لكثرة من يحملون مثل هذه الشهادات في مجتمعنا، ومنهم من يشغل وظائف مرموقة، وكان من أهم الجامعات التي ذكرت في الحملة جامعة صاحبنا، الذي قابلناه في اللجنة (الجامعة الأمريكية في العليا).

وحسب ما أعرف فإن هذه الجامعات وأخواتها لا تزال تمارس بيع الشهادات رغم الحملة المثارة ضدها.

لكننا إذا أردنا أن نتأمل في الأمر قليلاً فإن المال مقابل التأهيل تمارسه جامعات حقيقية غير وهمية، ومنها جامعات معترف بها، منها جامعات عربية في دول مجاورة، وجامعات غربية شهيرة، وخصوصاً في الدول التي لا توجد بها اختبارات تأهيل للدكتوراه، ويعمل بها عرب.

وقد سبق أن قابلنا متقدماً من جامعة بريطانية، معه ماجستير من جامعة أوروبية معروفة، ولم يكن يفقه شيئاً، وقمت بقلب رسالته وفتحتها على صفحة المراجع، وطلبت منه أن يختار مرجعاً لأوجه له سؤالاً حوله، فارتبك المسكين، وادعى نسيان المراجع، ونسيان موضوع الرسالة برمته.

وذكر لي زميل بريطاني من أصل عربي، كان يرأس قسماً في جامعة كبرى في بريطانيا، أنه تم استدعاؤه بوصفه مختبِراً خارجياً لرسالة دكتوراه كتبها سعودي، وفوجئ الزميل بأن المتقدم لا يعرف شيئاً عن تخصصه؛ فأوصى بعدم منحه الشهادة، فكان أن خاطبته الجامعة معاتبة له على عدم وطنيته في تشويه سمعة الجامعة!! وخاطبت الملحقية الجامعة، وواجهتها بتقارير المشرف عليه الذي كانت كلها ممتازة، فردت الجامعة بأن لا مانع لديها في منح المتقدم فرصة اختبار أخرى مع ممتحنين آخرين!! والحقيقة المقلقة هي أن بعض الشهادات التي تمنحها الجامعات الخارجية لمبتعثينا تختلف عن الشهادات الوهمية في الكم، وليس الكيف.

فحافز الجامعات لاستقطاب الطلاب هو المال، والمال فقط، وعندما لا تقدم لهم التأهيل الممتاز المطلوب فإنها تبيعهم الوهم، أي شهادات وهمية.

وكثير من الجامعات الغربية اليوم ترى أنه لا بد من التسامح في منح الشهادات؛ حتى يتم استدراج طلاب وافدين جدد.

والأمر لا يقتصر على طلاب دول الخليج، لكنه يمتد للطلاب العرب عموماً، وعلى وجه الخصوص طلاب الجهات التي لا تهتم بمتابعة مبتعثيها بشكل دقيق.

فكيف يمكن لأستاذ أن يحصل على الدكتوراه وهو لا يجيد اللغة الإنجليزية مثلاً؟ وهناك - للأسف - نمط من الأبحاث الكمية التي تعتمد على رحلات علمية، وجمع المعلومات عن طريق الاستبانات في بلد الطالب عن قضية محلية، أو عن معلومات حصرية لا يعرفها حتى بعض المقيمين في البلد ذاته، ناهيك عن المشرفين والمختبرين، بحيث يتم تحليل المعلومات فيما بعد بشكل رقمي حسب برنامج حاسوبي، والتقدم بالنتائج لنيل الشهادة.

وهو نوعٌ شائع بين طلاب العالم الثالث، ويشجعهم عليه مشرفوهم لأنه - حسب فيلسوف العلم روبرت بيتمان - أسهل الطرق للحصول على الدكتوراه والتخلص من الطلاب في وقت قصير.

القضية المركزية في التعليم الجامعي ليست التصنيف، ولا الاعتماد الأكاديمي الذي يعكس الصورة المثالية لما يمكن أن يكون عليه التعليم، ولا يعكس واقع التعليم المعاش في الفصول الدراسية، ولا هي في استخدام الوسائل الرقمية الحديثة، بل هي مستوى تأهيل الأستاذ الجامعي الذي يناط به التعليم الفعلي، ونقصد بالمستوى تأهيله العلمي الفعلي وليس شهادته.

فالجامعات التي تُعنى بانتقاء أفضل الأساتذة لطلابها، والتي تتشدد في سياسات التوظيف على الوظائف الأكاديمية، هي عادة الجامعات التي تستطيع تقديم التأهيل الجيد للطالب.

ولا يخفى على العاملين في الجامعات السعودية المرونة الكبيرة في التعيينات الأكاديمية، سواء على مستوى التعاقد أو التوظيف.

كما أن الكثير من الأقسام لا تتابع سير دراسة مبتعثيها، ولا تتحرى عن أبحاثهم بشكل دقيق.

وهناك على وجه العموم شح كبير في عدد أعضاء هيئة التدريس على مستوى العالم العربي، والمنافسة على استقطاب المتميزين منهم شديدة.

وهناك نقص واضح في أعداد هيئة التدريس في المملكة بسبب إنشاء عدد كبير من الجامعات الجديدة التي قد تحتاج لوقت طويل لعودة مبتعثيها.

ولكن السيناريو الأسوأ هو عندما يتولى أصحاب المؤهلات المتواضعة المستوى المسؤولية في كلياتهم، بما في ذلك لجان التعاقد والتعيين والاستقطاب.

ومن الطريف في الأمر أن أحد الأقسام في إحدى الجامعات استقطب أستاذاً ذا مظهر خارجي مهيب، واتضح فيما بعد أنه مختل عقلياً، ومرات أخرى تم استقطاب أساتذة آخرين بنوع من اللبس في تخصصاتهم، واتضح فيما بعد أنهم ليسوا من تحتاج إليهم الأقسام.

وما زال العرف الجاري في جامعاتنا أن المبتعث لا بد أن يعين بشكل سريع حتى لا يحمل القسم الذي ابتعثه مسؤولية عدم متابعته.

والمشكلة الأخرى التي لها انعكاسات غير جيدة على العملية التعليمية هي أن يعود المبتعثون بشهادات ليست في المجال الذي ابتُعثوا فيه بل في تخصصات أخرى مقاربة، ثم يمارسون التعليم في تخصصات غير تخصصاتهم بعد أن يتم تعيينهم في الأقسام ويتمكنوا من إدارتها.

وفي تصور الكاتب فإن الجامعة التي يوجد بها إدارة تركز على الشأن الأكاديمي، ولا تتساهل في الأمور التعليمية، ويوجد بها مجالس علمية صارمة المعايير، هي التي تستطيع خدمة التعليم بالشكل الأمثل، أما باقي الأمور الأخرى من أمور خارجية، لا تمس صميم العملية العلمية، فهي إضافات مظهرية، لا تنعكس على حقيقة وواقع التعليم.

latifmohammed@hotmail.com
Twitter @drmalabdullatif
 

الشهادات الوهمية
د. محمد بن عبدالله آل عبد اللطيف

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعة حفظ ارسل هذا الخبر لصديقك  

 
 
 
 
للاتصال بنا خدمات الجزيرة الأرشيف جوال الجزيرة السوق المفتوح الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة