Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناTuesday 18/06/2013 Issue 14873 14873 الثلاثاء 09 شعبان 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

عندما يرفع الأطباءُ أنظارهم عن المريض الممدد بين أيديهم, ثم يحملقون ببعضهم: بِصمْت, وترقب, وذهول. تكون حالة المريض ميئوسا منها, ولم يبق إلا أن يُسَجُّوه, ويَنْفَضَّ سامرهم.

وحالة أمتنا العربية تُشْبِه حالة ذلك المريض.

وحالةُ النُّخَب, وأهْلِ الحل والعقد تشبه ذهول الأطباء وحيرتهم.

إذ لم يَعُد بمقدورهم في ظل أوضاع أمتهم أن يسمعوا. وإذا سمعوا، فإنه ليس بمقدورهم أن يفهموا. وإذا فهموا، فإنه ليس بمقدورهم أن يَتَمَّثلوا.

وفي مثل تلك الحالة, يُفْقد التوازن, وتغور الحلول, ويَحَارُ القطا.

تلك حقيقة لا ينكرها إلا مغالط. فالأمة بَلَغَتْ الدرك الأسفل من الفتن, ولمَّا يستقر بها النوى.

لقد عِشْتُ سَبْعةَ عُقُودٍ من حياة أمتي المهيضة الجناح. ووعيت ستة عقود من تردياتها في أمكنة سحيقة. واصطليت بلهيب خمسة عقود ماضية. ونَقَّبتُ عما سبق من أحوالها عبر الكلمة المدونة, فما وقَعَتْ عيني على بارقة أمل.

ولست أشك أن المتمردين على كافة أشيائها, إنَّما فاضَتْ أوعيتهم, وضاقت حِيَلهُم, ولم يَعُد باستطاعتهم احتمال الأذى، ورؤية جانِيه.

وهاجس كل طيف يردد:- {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}. فكأنهم بتلك المغامرات الطائشة, يمارسون التغيير المنشود, بحثا عن أطواق النجاة, بعدما تكسَّرت الألواح, وتَخَلَّعت الدُّسُر, وغرق المُسْتهِمون على السفينة.

والأحداثُ الخلِيُّون, - وهم السواد الأعْظم - كذلك الرجُلَيْن اللذين أخبر من لا ينطق عن الهوى, أنهما يَنْطلقان إلى المعصية, فَيُخْسَفُ بأحدهما, ويَمْضِي الآخر إلى معصيته, غير مُكْترِثٍ بما حدث لصاحبه.

وكيف لا نتوقع ما هو أسوأ من ذلك, والوطن العربي من المحيط إلى الخليج مُشْتَعِلٌ بالفتن: الأمْنِيَّة, والفكرية, مُصاب بالهرج والمرج. والفارغون من أبنائه يَدُوكون ليلهم, حَوْل الفن وأحواله, والرياضة وأنواعها, والسياحة ومطارحها. فالمسارح مليئة, والملاهي مكتظة, ومدرجات الملاعب تموج بالمتفرجين والمشجعين المُتَهلْوِسين, وسجون المخدرات، ومِصَحَّات الأمل, تعج بالأحداث والكهول, وحوادث المرور تَحْصد الأرواح. والخارجون على الشرعية تتلقفهم قنوات الضرار, والمتطرفون يَغْدِرُون بمن يقول: ربي الله. فيما يعيش القاعدون حالة من الخوف, والجوع, ونقص من الأموال والأنفس, والثمرات, يُقَتَّل الرجال, وتذل الحرائر, ويشرد الأطفال, وتدمر الممتلكات, وتُكَشِّر الطائفية عن أنيابها. فكأننا في زمن [التتار], حتى لتبادر الضحية بنفسها, وكأنها ترأف بحال المعتدي, وتوفر عليه الجهد, والوقت, والمال. ومع وضوح اللعبة, يظل الممسكون بأزمة الأمور في أمْرِ مريج, يُذْهٍبُ ريحهم التدابر, ويفنيهم التناحر، ويفشلهم التنازع.

لقد مرت الأمة العربية بطامَّات كبرى, وقوارع عظمى، وضوائق خانقة, وكل نازلة نتوقع أن تكون عِبْرة وعِظَة, ولكنها تقع في أزمة مماثلة, ثم لا تستفيد مما سبق, ولا تستعد لما هو آت.

ومن ذا الذي يجهل المصائب المتجانسة التي تُحاك من الخارج, أو يصنعها الأبناء من الداخل.

ولما هيِّئَتْ الأجواء للخديعة الكبرى, وزُرِعت الخليَّة السرطانية في الأَرْض المقدسة, ارتفعت أصوات الاستنكار, وطيف بالقضية في كافة المحافل الدولية, وبلغ الاستياء ذروته. ثم بدأت المشاعر تهدأ, والخلافات بين أصحاب القضية تنشأ, وتحولت الألسنة الصالقة, وفوهات البنادق الحارقة من جهة العدو, إلى صدور الأهل, وسمعتهم. وأصبحت [دولة اسرائيل] الأقوى, والأقدر, على إدارة اللُّعْبة القذرة في المنطقة, والأمكن في تحريك الجيوش, ووسائل الإعلام, للتناوش بالسنان واللسان.

وكلما اسْتوى الشأن العربي على سوقه, ضَرَبت ضَرْبتها الموجعة, لتأخذ نَفَسَها عِقداً من الزمن, مُبيِّتة النوايا السَّيئة, والمكر السَّيء, وعسى أن يحيق المكر السِّيء بأهله.

لقد انتفض الجزائريون في وجه[الفرنسيين], والليبيون في وجه [الايطاليين], والعراقيون والخليجيون, وسائر الدول العربية المُسْتَعمرة, وطُرد الاستعمار المتمثل بالثكنات والمناديب, واستفتحت الشعوب خيراً, حين حكمها أبناؤها. غير أن الأبناء ساموها سوء العذاب, وأذاقوها لباس الجوع, والخوف, والذل, والهوان. وتفرقت بهم الحزبيات, والطائفيات, والثقافات, وأنماط الحكم, وتقاسمهم الشرق الماركسي, والغرب الرأسمالي, وأسرفوا على أنفسهم, وعلى شعوبهم بتنفيذ اللعب السياسية القاتلة, وأعيدت في عهدهم اتفاقية [سايكس بيكو], بحيث ذَرَّتْ بوادر تقسيماتٍ جديدة, بدأت بفصل [السودان] عن مصر, وفصل [دارفور] عن السودان, وتقسيم العراق إلى شيعة, وسُنّة, وأكراد، والحبْلُ على الجرار، إذ المسألةُ مسألةَ زمن. فهلا تغنى الآيات والنذر ؟.

لقد سَجّلَتْ الأمة في سِجِلِّ شرفها خلال سبعة عقود ثوراتٍ دموية, ومؤامراتٍ قذرة, ودسائس دنيئة, وتنازعاً، وتنابزاً بالألقاب, وحروباً طاحنة بادرتها بالإنابة. إذ لم تدافع بها عن مبادئ, ولم تذد بها عن كرامة, ولم تحقق منها إلا الفقر, والفاقة, وزرع الضغائن, والأحقاد, وخوف الجار الجنب من جاره.

وهي اليوم تخوض أشرس معركةٍ وأخطرها, معركةٍ طائفية, لو قدر لها أن تنتصر, لطمست معالم العروبة والإسلام, ولأصبحنا [أندلساً] أخرى. هذه الحرب التي تقودها المجوسية الحاقدة, ويلتف تحت رايتها حزب طائفي, نسل من مزبلة [ حركة أمل], وعصابةٌ نُصَيْرية دموية, وشرذمة شيعية [مالكيه].

- وكيف لا نرثي لحال أمتنا؟ ونحن نرى عاصمتي الحضارة الإسلامية: [بغداد] و [دمشق] تغوران في وحل الفتن, وتعاد فيهما حروب: التتار والصليبيين.

ومن يتصفح [تاريخ بغداد] و[تاريخ دمشق] بمجلداتهما الضخام بوصْفِهما التاريخ الحضاري للأمة العربية الإسلامية، ويقف على ما وسعته المدينتان من علم متنوع، وعلماء متخصصين، وقصور مشيدة، ومساجد عامرة، ومكتبات مكتظة، وآثار عربية، وما خلَّفتاه من كتب وموسوعات في مختلف المعارف, وما سجله التاريخ للخلافتين: [الأموية]و[العباسية] من فتوحات, ينتابه الحزن. فما تفعله الطائفية المتوحشة من حقد دفين, يفوق ما فعلته أمواج الصليبيين, والتتار.

والأنكى من القتل والتدمير تباين المواقف. فدول عربية تبارك، ودول تلتزم الصمت, وأخرى لا تزيد المقاومين إلا خبالا. ودول الاستكبار: إما داعمة بالسلاح, والتأييد, والتحذير من التدخل. وإما ملتزمة الحياد، مكتفية بتسجيل المواقف الإنسانية, والوعود المؤجلة, والمقاومون الشرفاء يتساقطون بنيران التحالف الطائفي.

- فأين الأمة العربية؟

- وأين جامعتها من هذا التحالف المكشوف؟

أليس من الحق والواجب تسليح المعارضة, وحفظ ساقتهم, والسعي في المحافل الدولية, لإيقاف المجازر, وتخليص منطقة الخليج العربي من حرب عربية فارسية طائفية، لا تبقي ولا تذر.

لقد بدت بوادر التحرك، ولكنها متأخرة، وبطيئة، وجميل أن تأتي في الوقت المناسب.

متى تُلْقِي أُمَّتُنا عصاها، ويسْتقر بها النَّوى؟!
د. حسن بن فهد الهويمل

د. حسن بن فهد الهويمل

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة