Saturday 05/10/2013 Issue 14982 السبت 29 ذو الحجة 1434 العدد
05-10-2013

الربيع العربي تتفتح براعمه

لن ترجع ليبيا بعد اليوم إلى استبدادية القذافي ولن تعود مصر إلى ديكتاتورية مبارك ولن تُحكم سوريا بالبعث، فذلك تاريخ قد مضى ولن يعود. وما كان هذا التاريخ، ولن يكون بدعا من تاريخ الأمم والشعوب. وما كان للربيع العربي أن يخرج عن زمانه الذي أوجده الله فيه، وما فيه من اعتبار للحريات، كمطلب أساسي للإنسانية، ابتداء من تحرير الرقيق إلى المساواة بين الأعراق والألوان والأجناس، إلى زوال مفهوم الاستعمار باحتلال الدول القوية للشعوب الضعيفة باستخدام القوة العسكرية.

والربيع العربي لم يخرج قيد أنملة عن السناريو العام لتحرر الشعوب في العصر الحديث من الدكتاتورية، إلا في سرعة تتابع أحداثه وقصر الفترات الزمنية لمراحله، كنتيجة طبيعية للاتصالات الحديثة والعولمة العلمية والثقافية. فمصر تعيد سيناريو ناعما ومصغرا للثورة الفرنسية وأما سوريا فيظهر أنها ستعيد السيناريو الفرنسي بفظاعاته ودمويته. وليبيا وتونس تعيد سيناريو ثورات بعض الدول الاشتراكية كرومانيا وبولندا.

والثورة الفرنسية أيقظت الدول الأوربية المجاورة فسعت تدريجيا للإصلاح الداخلي وتحقيق العدالة والحريات، كما أن خلع الحزب الاشتراكي الحاكم بالعنف والقوة في رومانيا وبولندا في 1989م قد أيقظ شعوب الدول الاشتراكية الأخرى فتخلت الأحزاب الحاكمة فيها عن السلطة سريعا تجنبا لثورات عنيفة دموية قد تقوم بها شعوبها. وهذان هما السيناريوهان المتوقعان للربيع العربي - والله أعلم-. والنموذج الصيني، في التحول التدريجي بالابتعاد عن الاشتراكية والدكتاتورية، تبعا للنموذج الأوربي، هو السيناريو المتوقع والأمثل لبعض الشعوب العربية.

لقد كان ضعف الاتصالات قديما، ضرورة ألزمت استخدام الديكتاتورية لفرض النظام. ولكن الدكتاتورية بشكل عام، لم تعد نموذجا صالحا لإدارة البلاد في العصر الصناعي الحديث. وقد ظهرت بدايات هذا التحول قبل قرنين من الزمان، مع ظهور أمريكا عالميا ومع تخلي الدول الأوربية عن أنظمتها الدكتاتورية. وكون أن الدكتاتورية هي الطريقة التي حُكمت فيها الشعوب في كل أنحاء العالم منذ أن عُرف التاريخ، فقد كان من الصعب محوها من فكر جميع المُنظرين والقادة والفلاسفة عالميا. فظهرت أيدولوجيات جمعت شعبا أو شعوبا ووحدت فكرها ونمط حياتها، كالاشتراكية مثلا. وبغض النظر أن توحيد الفكر ونمط الحياة هو أمر هدام لتطور الشعوب ومعطل لإبداعيتها، إلا أنه كذلك لا يمكن تطبيقه إلا في مجتمع منغلق، كما فعلت الدول الاشتراكية عموما. وإغلاق المجتمعات عن العالم الخارجي يحتاج إلى ديكتاتورية تفرض هذا الانغلاق بقوة السلطات. ومع عولمة الاتصالات والثقافات، لم تعد هذه الأنظمة الديكتاتورية قادرة على فرض هذا الانغلاق على فكر وعقول شعوبها، فانحل الفكر المركزي الموحد فيها والجامع لها، فانهارت واحدة تلو الأخرى.

وقد تأخر العالم العربي والإسلامي بالجملة عن الركب العالمي نحو الحريات، بسبب أن عزلته الفكرية قد فرضتها الشعوب العربية والإسلامية على نفسها بيدها لا بيد الأنظمة الحاكمة لها - كاليابان قديما- ،كصدى ثقافي نفسي من الانغلاق الفكري المحلي على المذاهب العقدية والفقهية الإسلامية، المتمثلة في التبعية الفكرية المطلقة للمذاهب المحلية.

إن تحرر الشعوب من الأنظمة الديكتاتورية في العصر الحديث، لم تخلو من نكسات وصراعات، إلا أن العودة إلى الوراء، كان أمرا مستحيلا. فهذه النكسات والصراعات ما هي إلا مظاهر تمخض تفتح البراعم في ربيع الحريات.

hamzaalsalem@gmail.com

تويتر@hamzaalsalem

 
مقالات أخرى للكاتب