Wednesday 09/10/2013 Issue 14986 الاربعاء 04 ذو الحجة 1434 العدد
09-10-2013

تشويه الشعر النبطي من خلال ظاهرة التفاصح 4-4

في الحلقة السابقة عرضنا نماذج لظاهرة التفاصح في أغنية لحجاب, وقصيدة لسعد علوش, ونماذج من شعر خالد الحربي. واليوم نواصل عرض نماذج لهذه الظاهرة, فنقول:

ومن التفاصح قول محمدبن سليمان العجيمي:

ياحيل الله مالي حيلة

لا حيلٍ.. ولا حلالا

محل الفقر ومحلّي

(لم أجد عنه ارتحالا)

ويبدو الشطر الأخير في هذين البيتين الخفيفين الجميلين ناتئاً كركبة البعير, غريباً على ما قبله, مختلف اللغة والروح, وهو ليس قبيحاً بنفسه لكنه قبيح في الموقع الذي أقحم فيه مع ما لا يشبهه.

وبما أن ظاهرة التفاصح صارت في عقيدة الشعراء نوعاً من التجديد والتغيير الهادف للجذب والإدهاش والإثارة, فإن الشاعر ضيدان بن قضعان قدم أسلوباً مختلفاً للتفاصح, فقد اعتمده في بعض قصائده مقدمة تضاهي المقدمة الطللية أو الغزلية في القصيدة القديمة, ولعله أراد الاستعانة بهذا الأسلوب لحشد أكبر مزيد من التأثير في الممدوح الحاضر, قال في مدح الشيخ حمدان بن محمد المكتوم بحضرته في دبي:

ألا هبي بصحنك واصبحينا

ولا تطغي فإنا مسلمينا

ولا تؤتينا ما آتيتِ عمرا

معاذ الله خمر الأندرينا

وجودي لي من الشهد المصفى

حلالا لذة للشاربينا

وبعد هذه الأبيات الثلاثة التي عارض بها مطلع معلقة عمرو بن كلثوم انطلق في قصيدته النبطية.. والقصيدة جميلة لولا هذه الأبيات التي لم تضف لها شيئاً مذكوراً سوى خلب ألباب السامعين في المحفل, وقد فعلت.. فهي مجرد جلجلة صوتية حاول فيها الشاعر أن يستمد التأثير بالاستعانة بصخب معلقة عمرو.

ومن هذا النوع الذي يلجأ إلى مقدمة على هيئة معارضة لقصيدة فصيحة مشهورة قول عبدالمجيد الحيسوني:

قفا نبكي على ذكرى لوانا

بِسقْط المجْدِ في هذا الزمانَا

ألا هبّي حروف الشعْر هبّي

إلى بيدا القصائد والبيانَا

وجودي لي من الشعْرِ الجميلِ

و انا بالشعرِ فحلٌ لا يهانَا

لساني كان بالهيجا محاربْ

لسانٌ بارك المولى لسانَا

حباني خالقي قولاً بليغاً

حروفي أسجعي فالوقت حانَا

.. إلخ

وهذا الشعر ينقلنا بأسلوبه إلى قرون سحيقة مضت كشعر بني هلال وغيرهم, ويذكّرنا بلغة بعض مسلسلات البدوية من خارج الجزيرة العربية, ولعل هذا ما أراده الشاعر من باب التجديد, ولكل فن وأسلوب جمهور ومتذوّقون, والأدب أوسع من أن يُسيّج, وسوق الذوق هي الكفيلة بازدهار النماذج أو انحسارها مهما زيفتها الدعاية أو دعمها النشر الإعلامي.

ولنلق نظرة في هذه الأبيات المتفاصحة التي مثلت خلقاً هجينًا امتزج فيه العامي بالفصيح ففقد جمال الأول وافتقر إلى روعة الثاني. فقد اتّكأ الشاعر في مطلع القصيدة على مطلع معلقة امرئ القيس, ثم تمسّح في البيت الثاني بمطلع معلقة عمرو بن كلثوم, وطبع القصيدة كلها بطابع هذه المعقلة من خلال اختيار وزنها (بحر الوافر) ليكون قالباً لقصيدته, و(الوافر) بحر تجد فيه خيل الفخر مجالاً متسعاً لاستعراض جمالها وسرعتها. وما قلناه فيما مضى من استهجان خلط العامي بالفصيح نقوله هنا ونزيد ظاهرة خاصة بهذه الأبيات هي التفاصح بتعمد الإساءة إلى (النحو) بنصب المرفوع والمجرور, و(النصب) من أبرز الخصائص التي تفصل الفصحى عن العامية, فكلمتا (الزمانا) و(البيانا) في البيتين الأول والثاني موقعهما الجر, وكلمة (يهانا) يجب أن تضبط بالضم, لكن الشاعر نصب الجميع تبعاً للقافية, وهذا تلاعب غير مقبول عند سدنة الفصحى وحماتها.

وأحب أن أشير إلى مسألة أراها مهمة أتاحتها هذه الأبيات وهي طريقة كتابة الشعر النبطي, فقد جرى بعض الكتّاب - وكنت منهم فيما مضى - على التزام قواعد الإملاء والنحو في كتابة القافية, كما فعل الشاعر هنا عندما حذف ألف الإطلاق من نهاية القافية في هذه الأبيات واكتفى بضبطها بالفتحة! وكما يكتب البعض - على سبيل المثال- بيت متعب التركي:

أعلنت حبك لين كلٍّ تمناك

غلطة وغيري من خطاي استفادِ

بالاكتفاء بضبط الدال في (استفاد) بالكسر, والصواب كما أراه هو أن تكتب هكذا (استفادي), لأسباب من أهمها أن الشعر النبطي عامي اللغة, وتكلّف التفاصح في كلمة واحدة نشاز غير مقبول, والتزام لا يستسيغه الذوق ولا تقبله الأفهام والعقول! ومنها أن الياء الناتجة عن إشباع الكسرة في الدال إذا لم يكن لها مبرر إملائي ونحوي فإنها لها مبرر موسيقي فهي جزء من البيت, ومنها ما يسميه أهل القياس والتقويم (صدق الشكل)، حيث إن كتابة القافية بصورة واحدة يوحي للناظر بأن ما يراه قصيدة نبطية.

alkadi61@hotmail.com

تويتر alkadi61@

 
مقالات أخرى للكاتب