Friday 18/10/2013 Issue 14995 الجمعة 13 ذو الحجة 1434 العدد
18-10-2013

إخونجيتنا وعمارة المسجد الحرام

توسعة الملك عبد الله الأخيرة هي من أهم وأكبر التوسعات التي شهدها الحرم المكي الشريف في تاريخه على الإطلاق، وهي أول توسعة تمتد إلى المطاف فتجعله من دورين. هذه التوسعة تثبت مدى اهتمامه - حفظه الله - ببيت الله الحرام، وكذلك بمنطقة مشاعر الحج المقدّسة.

أساطين إخونجيتنا، سواء البنائيين منهم أو أشقائهم القطبيين أو (يرقاتهم) من السروريين، لم ينبسوا ببنت شفة تُشيد بهذه الأعمال التاريخية الكبيرة، التي يشهد بها أهل الخارج قبل الداخل، وعندما ثار أهل مصر على مرسي، وتدخّل الجيش، وضبط الأمور، وأعاد الأمن بالقوة إلى أرض الكنانة، وفوّت على هؤلاء العملاء خططهم لتفكيك مصر، مَدَّ هؤلاء الحركيون أعناقهم، مندِّدين وشاجبين ورافضين باسم الإسلام؛ بل ذهب بعضُ غُلاتهم إلى وصم من وقف مع أهل مصر (بالكفر) والعياذ بالله؛ فهم، وإن كانوا يعيشون بيننا، يعتبرون أنفسهم من (رعايا الأخوان)، ينتظرونهم على أحر من الجمر، ليقلبوا الأوطان القائمة على رؤوس أهلها، ويُعلنوا حلمهم (دولة الخلافة).

والسؤال الذي يطرحه السياق : هل هؤلاء أهل دين وتُقى وتجرُّد من الهوى كما يزعمون حين يصمتون أمام هذه التوسعة التاريخية الكبيرة، و يُقيمون الدنيا على سقوط إخوان مصر؟

القضية - أيها السادة - قضية سياسة لا قضية دين؛ فالإسلام، وشريعة الإسلام، وشعائر الإسلام، ومظاهر الإسلام، في قاموس هؤلاء الانتهازيين مجرّد (مطية) سياسية، ووسيلة للوصول؛ ورأينا كيف أنهم حين وصلوا إلى حكم مصر، و(تمكنوا)، نسفوا كل ما كانوا يزايدون عليه خلال العهود التي سبقتهم، فمتّنوا أول ما متّنوا العلاقات مع إسرائيل، وفرضوا على ربيبتهم (حماس) في غزة أن تلتزم بأمن إسرائيل ولا تقض للإسرائيليين مضجعاً، ليثبتوا للأمريكيين أولاً ولإسرائيل ثانياً، أنهم أحرص على أمن الدولة العبرية من العهود السابقة. كما أقاموا في مصر نظاماً سياسياً لا يهمه لا أمن، ولا اقتصاد، ولا تنمية، قدر ما يهمه (إقامة) نظام يُطبِقُ على مفاصله كوادر الإخوان؛ ففي معاييرهم الولاء للجماعة أولاً لا للكفاءة . والأهم من ذلك كله اكتشف المصريون أنهم يتّجهون لإقامة نظام شبيه بدولة الملالي في إيران، حيث الأمر والنهي وصناعة القرار ليست في يد الرئيس الذي انتخبه المصريون، ولا في مؤسسة الرئاسة، وإنما في سلطة أعلى منه، هي سلطة المرشد ومجلس شورى الجماعة؛ وليس الرئيس في منظومة الإخوان إلاّ مجرّد (موظف ضعيف) يأتمر بأمر المرشد ويُنفذ أوامره ويجتنب نواهيه ولا يستطيع أن يَحيدَ عن ذلك قيد أنملة؛ تماماً كما هي علاقة رئيس إيران (المنتخب) بالولي الفقيه الذي لا علاقة للشعب باختياره؛ أي أنها (ديمقراطية) شكلاً، وديكتاتورية مضموناً.

إخونجيتنا تعلّموا ونشأوا وترعرعوا في كنف فكر الإخوان المسلمين، وعلى أيدي أساطينهم ودعاتهم في بلادنا تَشرّبوا خُزعبلاتهم؛ فكل الحركيين المتأسلمين في المملكة يعتبرون أنفسهم (غرباء) على دولة الشريعة والإسلام هنا؛ وفي قواميسهم لا إسلام إلاّ إسلام الإخوان، ولا شريعة إلاّ شريعة الإخوان، ولا أحد في العصر الحديث يُمثل الإسلام حقاً إلاّ جماعة الإخوان والحركات (الرديفة) التي خرجت من تحت عباءتهم؛ لذلك لا تعنيهم عمارة المسجد الحرام، ولا راحة المتعبّدين و لا الطائفين ولا الرُّكع السجود فيه، ولا يهمهم إقامة الشريعة، ولا علاقة لهم بكل مسلم لا ينتمي (حركياً) وحصرياً للجماعة أو الحركات التي خرجت من تحت عباءتها؛ وإن اضطروا إلى التمويه فإنهم يتخذون بعض المواقف مُجبرين، وأحياناً لذرّ الرماد في العيون، لكنهم لا يلبثون إلاّ أن يعودوا إلى الحركة الأم التي نشأوا في أحضانها؛ رأينا ذلك رؤية العين حينما قام لهم حُكماً في مصر فتنادى لنصرتهم من جماعتهم في بلادنا من كنا نظن فيهم الخير والصلاح والتقوى والاستقامة، فإذا بهم يُظهرون موقفاً صريحاً يُعبر عن (ولائهم) السياسي لإخوان مصر، ويقلبون لبلادهم ظهر المِجَن، ليثبتوا أنهم (إخوانيو) الهوى؛ ولم تكن مواقفهم السابقة إلاّ كموقف المنافق المرائي الذي كان (يتمسكن ليتمكّن) ليس إلاّ.

وأخيراً أقول لمن كانوا يظنون فيهم خيراً: هؤلاء هم (الحركيون) على حقيقتهم، فضحتهم مواقفهم لا نحن، ولكم الحكم.

إلى اللقاء.

 
مقالات أخرى للكاتب