Saturday 19/10/2013 Issue 14996 السبت 14 ذو الحجة 1434 العدد
19-10-2013

هذه قصتك

العملاق الوطني الغائب د. غازي القصيبي- رحمه الله-، مرض يوماً ودخل المستشفى، وعند مغادرته كتب (مازحاً جاداً) بطريقة الحكماء المجربين، يقول ما معناه: من الغريب إنني غبت عن معترك الحياة بالمستشفى كل هذه الأيام ولم يتغير في الكون شيء ولم يفقد الناس وظائفهم وأرزاقهم ولم تتوقف حركة الدنيا، وكنت أظن أن تأثيري كإنسان واضح في هذه الحياة فإذا بها لم تأبه بغيابي، هذا ليس نصاً لما قال بل المعنى، وفيه رسالة عظيمة لمن يعتلي منصباً أو يكون رباً لأسرة أو رئيس عمل مهما كان حجمه، ثم يرى في قرارة نفسه أنه المدبّر المتصرف بهذا المحيط الاجتماعي أو العملي من حوله، ويغفل عن أنه ربما لو ابتعد قليلاً لكانت الأمور أفضل مما هي عليه، ولو فكر ملياً لعلم أن بعض المحيطين به حتى من أسرته يفضلون عدم إدارته لشؤونهم، فيما هو شامخ بأنفه بتصور خادع بأنه يملك الحكمة والإرادة والإدارة، بينما الآخرون يرون ذلك الأنف أقل من أن يشاهد أو يقام له أي وزن واعتبار، بل ربما تمنّوا جدعه في أقرب فرصة، نعم هذه حقيقة، حتى أفضل الرجال وأعقلهم وأكثرهم حكمة واعتدالاً وإنصافاً لا يسلمون من هذه النظرة من الغير، لماذا؟ لأن هذا الغير هم أمثال الشامخ بأنفه النافخ لأوداجه تصنعاً وكبرياء، ويرى انه دائماً الأكثر معرفة والمستحق لإدارة شؤون الناس، وفي كل الأحوال وإن كنت من أي الصنفين فلن تعدم من يعزك ويقدرك، غير ان هذا النصيب من المحبين حولك لن تمنعهم مشاعرهم عند فقدك بالوفاة (على سبيل المثال) من أن يسارعوا إلى التوافد للصلاة عليك والتسابق على حملك إلى مثواك الأخير والتنافس على دفنك باهتمام وعناية بالغة، بل إن أعز أولادك وأكثرهم حباً لك سيطلب من الجميع إتاحة الفرصة له لتفقد لحدك وإضافة المزيد من الطين والطوب والرمال على جسدك إمعاناً منه بحسن الدفن وعدم ترك أي ثغرة دون إشباعها وسدها، بعض منهم حينما كنت تدعوهم لوليمة أو عرس يختلقون الأعذار لعدم الاستجابة والحضور، أما الآن فهم يتركون مصالحهم وأعمالهم للمشاركة في غسلك وحملك لإخراجك من منزلك ثم الاهتمام والعناية بدفنك، الطف أفراد عائلتك سيقترح عدم رمي أشيائك من ملابس وأحذية وسيوصي بدفعها لأقرب جمعية خيرية، ليتم الانصراف للاهتمام بتوزيع ممتلكاتك الهامة من أموال وعقار وغيرها، وهي التي كنت تستميت لجمعها وادخارها والسهر على حراستها، ولا تنس ان في مقدمة المشيعين وحاملي النعش من سيعود إلى مكبك صباح الغد ليجلس مكانك وأنت الذي كنت تظن أنه لن يستطيع إلى ذلك سبيلاً، لا تقلق فإن أعز الناس عندك سيمنحونك عدة اسابيع في ذاكرتهم ثم يحوّلون ملفك للأرشيف لكنهم سيطّلعون عليه كل رمضان وعيد أضحى ليشركوك (كعادة مألوفة) في صدقة عشاء الاثنين أو الخميس أو في الاضحية، وهذا مكسب طيب لمن هداه الله للخير فتذكرك رغم انه لم ينس في ذلك اليوم طلب قيمة الايجار من المستأجر الذي يستخدم الدكان أو المنزل الذي ورثه منك، هنا يجب أن تتأكد أنك مجرد قصة انتهت بخير أو شر.

t@alialkhuzaim

 
مقالات أخرى للكاتب