Friday 25/10/2013 Issue 15002 الجمعة 20 ذو الحجة 1434 العدد
25-10-2013

تركيا المتغيرة .. السياسة عطلت الاقتصاد

تدرجت نسبة التغيير في السياسة التركية الداخلية وتأثيراتها المباشرة على التحول الظاهر في اتباع استراتيجية خارجية مختلفة عن الدبلوماسية الثابتة منذ إعلان الجمهورية الأولى عام 1923م حتى وزارة أردوغان الأولى في 14 مارس 2003م إثر فوز حزب العدالة والتنمية بأغلبية المقاعد البرلمانية وتشكيله الوزارة من حزبه وإنهاء عهد الوزارات الائتلافية الذي دام لأكثر من أربعة عقود.

المشاهد الإعلامي القريب من المجتمع التركي الحديث يلاحظ التحولات العديدة في أفكاره والتضارب المباشر في الايدولوجيات التي يمارسها سياسياً واجتماعياً، وقد يكون ذلك منظوراً في المدن التركية الرئيسية فهناك تخندق التيارات الإسلامية ومنظماتهم السياسية والإعلامية في جهة، والقوى الكمالية العلمانية في طابور معارض لتوجهات الحزب الحاكم (العدالة والتنمية) مما يؤدي إلى تحد كبير في حركة التغيير في المجتمع المدني، وبرز ذلك واضحاً في الحراك السياسي الاحتجاجي في (جيزي بارك) بمنطقة تقسيم والذي بدأ بيئياً وانتهى بصراع سياسي أيديولوجي بين المتظاهرين الذين يمثلون مجموعات ليبرالية علمانية وأدباء ومفكرين وفنانين قدموا مطالبهم لحكومة أردوغان، وقد كان للتصريحات الهادئة الحكيمة لرئيس الجمهورية عبدالله كول التأثير المباشر لرفع يد المتظاهرين عن زناد الأحداث الدامية التي كانت تقسيم ساحة لها!.

رفع حزب العدالة والتنمية التركي شعار الإصلاح الاقتصادي منذ اليوم الأول لاستلامهم الحكم في أنقرة، وكان التحول إصلاحية متعددة مالية وتجارية وتنشيط الاستثمار الأجنبي داخل تركيا وحصرت السلطة الاقتصادية التركية نسب تنمية عالية كان معدلها بين 2003 - 2008م لمعدل 8% وهو أعلى نسب تنمية عالمياً وارتفع الناتج القومي التركي في تلك الفترة من 300 مليار دولار إلى 750 ملياراً سنوياً، وتزامن مع ذلك ارتفاع الدخل الفردي للمواطن التركي كمعدل من 3.300 دولار سنوياً إلى عشرة آلاف دولار! وتقدم الاقتصاد التركي إلى المرتبة الثالثة أوروبياً بعد فرنسا وألمانيا.

إلا أن شعار حصان الاقتصاد يجر عربة السياسة التي تبناها حزب العدالة قد انقلب بعد تقدم عربة السياسة وانقلابها المستمر نتيجة التصريحات السياسية (لبعض) القادة الأتراك والتي وصفت إقليمياً بأنها غير مبررة وتبتعد عن مبدأ احترام سيادة الدول التي كانت في المرتبة المميزة مع تركيا، مما أفقد هذا التوتر السياسي الكثير من المنافع والاستثمارات الاقتصادية، وأثر بصورة مباشرة في الناتج القومي وميزان التبادل التجاري لتركيا مع دول الجوار الإقليمي، وقد يكون مثالاً حياً لهذا التدخل السياسي التركي في الشأن المصري، وتوجيه حملات إعلامية تصر على وصف الثورة التصحيحية لشعب مصر وحماية القوات المسلحة لإرادة ثلاثة وثلاثين مليون مصري، رفضوا حكم الإخوان المسلمين وأزاحوا الرئيس السابق مرسي عن مؤسسة الرئاسة المصرية وإصرار الخطاب السياسي والإعلامي التركي، ودون مبرر معقول بوصف الثورة الشعبية بالانقلاب العسكري، مما أدى هذا العوم ضد التيار العربي بفقدان العلاقة الاقتصادية بين مصر وتركيا، وجر ذلك لسحب الكثير من الاستثمارات الاقتصادية الخليجية من الملف الاقتصادي التركي.

يأمل الكثير من رجال السياسة والاقتصاد الأتراك بنجاح جهود رئيس الجمهورية كول لترميم هذه العلاقة التركية العربية، وقد ينجح عبدالله كول في مساعيه لحكمة وعقلانية تحركه مع مراكز القرار العربي.. ولأهمية الدولة التركية وموقعها الإستراتيجي المميز إقليمياً ودولياً وثقلها الكبير في عملية التوازن السياسي في منطقة الشرق الأوسط والتي تعيش حالة اضطراب شديد في بعض مواقعها نتيجة اللهيب العربي الذي اجتاح بنيرانه تونس واليمن ومصر ولا زال ملتهباً على الشعب الثائر في الشقيقة سوريا، ونتمنى أن تعود تركيا لحالة الاعتدال والابتعاد عن الأيديولوجيات الحزبية الضيقة وترك سياسة التصادم المذهبي الحزبي وبالذات احترام قرار الشعب المصري في اختياراته السياسية وإعادة رسم ثوابت الدولة الجديدة بسيادته وحريته، دون تدخل أي قوى خارجية قريبة أو بعيدة ودون وصاية إقليمية أو دولية!!

عضو هيئة الصحفيين السعوديين - الهيئة التأسيسية للحوار التركي العربي

مقالات أخرى للكاتب