Thursday 31/10/2013 Issue 15008 الخميس 26 ذو الحجة 1434 العدد
31-10-2013

كيف تستخدم الإحصاءات العلمية للتضليل؟ النموذج: استفتاء هل توافق على قيادة المرأة: نعم أم لا؟؟

ذكر أحد رؤساء وزراء بريطانيا في القرن التاسع عشر بأن علم الأحصاء علم بائس لقصر اهتمامه على إعداد الرقم. وأضاف بأن هناك أكاذيب بيضاء وأكاذيب سوداء، ولكن أهم كذبة بيضاء هي علم الإحصاء.‏ (د.هناء الليث، موقع الأحصاء).

وفي مقالة نشرت في الاقتصادية عام 2008 تحت عنوان الحذر من التضليل الإحصائي يشدد الكاتب على ضرورة الحذر عند التعامل مع أية معلومات إحصائية كما نوه بقلة الثقة بمصداقية المعلومات الإحصائية التي تتناقلها وسائل الإعلام نظراً لعدم انسجام بعضها مع الواقع. فمن المعروف (فنياً) سهولة معالجة هذه البيانات وعرضها بطريقة تخدم هدف الباحث، مع أنها لا تمثل الواقع، ويلجأ بعض المهتمين بقضية ما إلى ذلك في محاولة لإبرازها كظاهرة من أجل توعية الرأي العام بها، إلا أن خطورة ظاهرة ما لا يبرر إطلاقاً التخلي عن الأسلوب العلمي في الإحصاء من أجل تأكيد خطورتها، فهو فضلاً عن كونه يخالف الأخلاق العلمية، فإنه قد يقود إلى نتائج عكسية، ودلل على ذلك من نتائج دراسة نشرت في الصحف عن رسالة جامعية أشارت إلى أن نسب التدخين في جدة بين الفتيات بلغت 35% وحين تقرأ فتاة صغيرة عن هذه النسبة فسيقنعها ذلك بأن الأمر يبدو مقبولا من الناحية الاجتماعية بما يسهل ممارسته!

هذا بالضبط ما يجب دائما أن نفكر به عند تلقي الكثير من الرسائل الغامضة التي تدعونا إلى المشاركة في بعض الاستفتاءات والدراسات (المسلوقة) عبر أجهزتنا الذكية وهذا بالتحديد ما حصل هذه الأيام ومع كل هذا اللغط الذي أقام المجتمع ولم يقعده حول قيادة المرأة للسيارة حيث انتشرت رسالة على الواتس أب مفادها التالي:

واضح أن الناشطين في التصويت حول موضوع قيادة المرأة هم المعارضون لقيادة المرأة (طبعا كلام غير مفهوم)!! وتكمل الرسالة: في هذه الحالة يصبح تصويتك أختي/ أخي القارئ نصرة لحق المرأة عموما والمرأة العاملة ذات الدخل المحدود خاصة في القيادة لأسباب أمنية واقتصادية.. بليز يا جماعة انشروا وادعموا بنعم مرة ومرتين وثلاث!

وصل هذا الاستفتاء للكثيرين بالتقريب بدءاً من تاريخ 19 أكتوبر 2013 وطارت الرسالة مثل النار في الهشيم حيث بدأت الفتيات يتنادين للمشاركة.. لكن ما بدأ يدهشهن أن النسب لا تتغير فمنذ تلقي الاستفتاء ونسبة نعم 23% مقابل 77% لا. ثم تدريجيا تحول النعم إلى 18% مقابل 82% لا! كيف؟!

تفرغت فتيات صغيرات لمقابلة هذا التحدي بإدخال نعم أكثر من مائة مرة والنتائج لا تتغير.. وحينها بدأ الناس يشعرون بأن هناك شيئاً غير صحيح فيما يخص هذا الاستفتاء فتمت استشارة بعض من لهن باع طويل في البرمجة بالكمبيوتر لفهم آليات تشغيل البرنامج الخاص بهذا الاستفتاء ليتضح بأن هذا الاستفتاء وحين وضع على النت ووزع على نطاق واسع عبر الواتس أب كان مبرمجا على أنه لكل تصويت بنعم يضاف آليا التصويت بلا بأعداد مختلفة لكل مرة يكون التصويت فيها بنعم، بمعنى إذا صوت المشترك بنعم يضاف إلى التصويت بلا أرقام مختلفة مرة 4 مرات لا والثانية ستة وأخرى 8 وأخرى 10 وهكذا في كل مرة تصوت بنعم تزداد المتواليات الرقمية للاستجابة بلا!

كيف وصل الأمر بنا أن نزيف على أنفسنا وذلك فقط نصرة لوجهة نظر عن طريق تملق صحتها وسلامتها بادعاء إثباتها عبر استفتاء علمي تم تزييف نتائجه مسبقا عن طريق تزييف برمجته الأساسية أثناء بناء برنامج الكمبيوتر قبل توزيعه عبر وسائط التواصل الاجتماعي؟

الخطأ فيما قد يبدو علمياً أو الاستخدام الخاطئ لوسيلة علمية من أجل قلب الحقائق معضلة واجهت العالم العلمي والأكاديمي لقرون طويلة وبخاصة حين تتدخل الأدلجة في الموضوع وهي تتم بطرق عديدة قد يكون منها التزوير المباشر كما في المثال السابق وقد يكون منها الاختيار والانتقاء لنتائج بعنيها يتفق معها الباحث ضمنيا أو فكريا أو ثقافيا وإهمال أخرى لا تتوافق مع ما يراه مما يشوه النتائج ويضر بالهدف الأساسي لاستخدام الأساليب العلمية وهو الوصول للمعرفة وضبط المتغيرات التي قد تؤثر على الوصول إلى النتائج ومنها ضبط ظروف التجربة وعدم تدخل أهواء الباحث وما إلى ذلك من شروط المعرفة العلمية التي يجب أن لا تتهاون المؤسسات الأكاديمية تجاهها لأنها تعني العبث بأخلاقيات العلم مما يضيع مصداقيته ويقلل من قدرة المجتمع العلمي على الثقة واستخدام النتائج لهذه الدراسات.

المشكلة أنه لا توجد جهة علمية لدينا تعني بتتبع مثل هذه المخالفات المريعة التي تضر بكل ما هو علمي؟ فكيف سيثق طلابنا أو المجتمع بأية نتائج علمية لأية دراسات إذا كان هناك من لا يتوانون عن التعدي على حرمة العلم ولي عنقه لصالح رؤيتهم المؤدلجة!

مقالات أخرى للكاتب