Thursday 31/10/2013 Issue 15008 الخميس 26 ذو الحجة 1434 العدد

الوجيه الكبير الشيخ حمد التويجري

محمد بن ناصر العبودي

الوجيه الكبير حمد بن عبد المحسن التويجري -رحمه الله- من التواجر أهل المجمعة وهو وجيه، بل ذو مقام كبير عند الملك عبد العزيز آل سعود الذي يعرف أقدار الرجال وقد كان والده عبد المحسن التويجري كذلك ذو قدر عظيم عند الملك عبد العزيز وهو يستحقُّ ذلك حتَّى إن الملك عبد العزيز عيَّنه في وظيفة صاحب بيت المال في المجمعة، وربّما في ناحية سدير كلّّها لكفاءته لهذا العمل الذي لا يتصور الناس في الوقت الحاضر عظم أهميّته في ذلك الوقت الذي هو وقت تأسيس المملكة العربيَّة السعوديَّة، الذي يحتاج إلى الموارد الماليَّة من دون أن يمسَّ أموال الناس الخاصَّة.

ولهذا السبب عيّن الملك عبد العزيز الشيخ حمد بن عبد المحسن التويجري في بيت مال بريدة والتعبير عن بيت المال آنذاك غير التعبير عنه في الوقت الحاضر، إِذْ صار بيت المال في الوقت الحاضر مقتصرًا على حفظ أموال الغائبين حتَّى يحضروا أو القاصرين حتَّى يبلغوا إذا كان أهلوهم لم يقيموا وصيًا عليهم.

أما بيت المال في القديم فالمراد به كل ما يتعلّق بالمال العام وأهمّه الزكوات من زكاة الحبوب والثمار، إلى زكاة المواشي من الإبل والغنم، وإن كانت زكاة المواشي ترتبط بالملك فهو الذي يرسل عمالاً أيّ جباة يأخذون الزكاة من أهل الإبل والغنم، ثمَّ يسلمون ذلك للحكومة لينفقها في مصارفها الشرعية.

ولذا كان من يشغل وظيفة مدير بيت المال يسمى عندهم صاحب بيت المال، هكذا أما الملك عبد العزيز فإنّه كان يخاطبهم في البرقيات والمراسلات بأسمائهم، لأن ذلك مفهوم من كونه لا توجد وظيفة مشابهة لوظيفتهم في السابق.

ولد الشيخ حمد بن عبد المحسن التويجري في المجمعة عام 1318 هـ.

وعندما عيَّنه الملك عبد العزيز على الماليَّة في بريدة التي تعني أكثر من (بيت المال)، وإنما تعني كل شؤون المال للدولة في تلك المنطقة وذلك عام 1357هـ كنت صغير السن، إِذْ كان عمري اثنتي عشرة سنة ولذلك لم أكن أميز أقدار الرجال في ذلك الوقت غير أنني كنت أسمع عن وجاهة حمد التويجري ومقامه عند الحكومة وعند الناس.

وكان الشيخ حمد التويجري بنى له بيتًا كبيرًا في الجهة الشماليَّة الشرقية من بريدة القديمة وهو لا يبعد كثيرًا عن بيتنا، فكنت أرى بيته مقصدًا لكثير من الناس، وبخاصة من الأعيان والوجهاء على قلّة المال آنذاك، وكونه شخصيًّا ليس من أهل الثراء، ولكن ما نقص من ماله زادت فيه وجاهته ومقامه عند الناس.

وعندما كبر سني وصرت ألازم القراءة وطلب العلم على شيخنا الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد -رحمه الله- وجزاه عنَّا خيرًا رأيته يقدم الشيخ حمد التويجري في مجلسه ويأنس به ويتحدث إليه ويستمع إلى حديثه في أحيان كثيرة، ثمَّ عرفت أنّه يشاوره في بعض الأمور المهمة.

ومع أن الشيخ (حمد التويجري) ليس طالب علم، ولا كان ممن يتقربون إلى المشايخ الذين لا تربطهم به رابطة، فإنني أرجو ألا يستغرب أحد ممن يقرأ هذا الكلام من وصفي له بالشيخ حمد التويجري فذلك معناه الدلالة على أنّه مقدم عند الناس، كما يقدم الشيخ الكبير للقبيلة أو الزعيم للجماعة فيها مع الإحاطة بأن أسرة التويجري في المجمعة التي منها الشيخ حمد التويجري قد خرّجت عددًا جيّدًا من العلماء وطلبة العلم تراجمهم موجودة في تراجم علماء نجد.

وبعد أن توظفت في الحكومة، وصار لي أصدقاء من رؤساء الإدارات الحكوميَّة التي تكاثرت في بريدة، وبخاصة أنني صرت مدير المعهد العلمي في بريدة، وهي وظيفة تجمع بين الوظيفة المهمة ذات الراتب الكبير وبين اللون العلمي الديني صار حمد بن عبدالمحسن التويجري من أصدقائي.

وقد أعجبت بحصافته ومعرفته للأمور، ولو لم تكن لي علاقة بماليَّة بريدة كما كانت وظيفته تسمى (مدير ماليَّة بريدة).

فكنّا نتباحث في أمور عامة كنت أشعر أن وجهة نظرنا فيها متقاربة وأحيانًا تبدو كما لو كانت متطابقة.

وكان يسر إلى بأشياء تهمني من ذلك أنّه في آخر عام 1371هـ قد كنت مسافرًا إلى الرياض وفي أثناء غيابي ورد إلى شيخنا الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد -رحمه الله- أمر من الملك عبد العزيز آل سعود بأن يسافر الشيخ عبد الله إلى مدن المنطقة الغربية لإنهاء قضايا كثيرة متأخرة في محاكم مدنها الرئيسة التي هي: مكة المكرمة وجدة والطائف والمدينة المنورة وأمر الملك عبد العزيز الشيخ عبد الله بن حميد أن يختار ثلاثة من طلبة العلم يساعدونه في هذا الأمر سمّوا بالهيئة المساعدة.

فكان أول من رأيته عندما عدت من الرياض إلى بريدة صديقي الشيخ (حمد بن عبدالمحسن التويجري) فقال لي هامسًا وليس بقربنا أحد: انت تبي تسافر إلى مكة، ولم تكن لديّ فكرة عن الموضوع. ففوجئت بذلك، وطلبت منه الإيضاح، فذكر لي أن الشيخ عبد الله بن حميد قد وصله الأمر بذلك من الملك عبد العزيز آل سعود -رحمهم الله-.

قال لي الشيخ حمد التويجري: وقد شاورني الشيخ عبد الله فيمن يأخذ معه في الهيئة المساعدة فكان منهم الشيخ علي بن عبد العزيز العجاجي؛ لأنّه الذي يذهب مع الشيخ عبد الله بن حميد في جميع أسفاره وأشرت بك أنت أيْضًا، وقلت: ينبغي أن يكون الشيخ محمد العبودي أحدهم.

قال الشيخ حمد التويجري: أجابني الشيخ عبد الله بن حميد قائلاً: نعم، لقد وقع في نفسي تعيين محمد العبودي ليذهب معنا.

قال: وقد يكلمك الشيخ عبد الله بذلك إذا ذهبت إليه اليوم، وكان يعرف قربي من الشيخ وأني إذا جئت من سفر أو حتَّى من دون داعٍ كنت أذهب إليه؛ لأنّه شيخي وذو فضل عليَّ -رحمه الله-.

وقد ذهبت بالفعل إلى الشيخ في مجلسه بعد صلاة المغرب، فقال لي سرًا: أريدك بعد صلاة العشاء؛ لأن مجلسه كان حافلاً بعد المغرب.

وهنا ذكر لي البرقية التي جاءته من الملك عبد العزيز عن المهمة التي قال: إنه لا يعلم كم تستغرق من الوقت، وقال: لقد رأيت أن تذهب معنا في هذه المهمة.

وقد شكرت الشيخ عبد الله بن حميد وهو شيخي وبمنزلة والدي وقلت له: إنني موافق على ذلك.

والبادرة الطيبة الثانية من الشيخ حمد بن عبدالمحسن التويجري بعد هذه بنحو خمس سنين.

وذلك أننا كنّا نبني المعهد العلمي في بربدة الذي كنت أديره من أربع سنين في ذلك الوقت وهو عام 1377هـ واخترت له أرضًا حكومية كان الملك عبد العزيز -رحمه الله- أصدر أمره بأن تبقى لمصالح بريدة حسب ما طلبه منه جماعة أهل بريدة.

وقد بنينا المبنى الرئيس وإن لم نفرغ منه وبدأنا بالسور الشمالي بالمعهد وإذ بأحد الأشخاص يشكوني على أمير القصيم يقول: إنه أخذ أرضي للمعهد، ولم أكن عرفت شيئًا من ذلك، فذكر أنّه كان اشترى أرضًا كان استقطعها أحدهم من الأمير عبد الله بن فيصل الفرحان، أمير منطقة القصيم، في عام 1360هـ أيّ منذ ستة عشر عامًا واشترط الأمير ابن الفيصل وهو عبد الله بن فيصل الفرحان على المستقطع مثل غيره ممن كان يقطعهم أراضي أيّ يمنحها لهم بالمجان أن يعمروها خلال ستة أشهر من تاريخ المنح، وقد مضت ست عشرة سنة على إقطاعها ولم تحدث فيها عمارة وضربها الشارع المعروف الآن بشارع المعهد فأخذ منها نحو 80 في المئة من دون تعويض مثل غيرها.

ويدعي الشخص المذكور أنّه قد بقيت منه بقية تباري الجهة الشماليَّة الغربية للمعهد مع سوره بعمق يساوي صفرًا، ثمَّ يزيد حتَّى يصل إلى عرض متر ونصف، ولكنها واجهة المعهد.

فقلت له: لعلَّ الأفضل أن نكتب لك لدى الحكومة لتعطيك تعويضًا عن ذلك مع عدم التيقن بأنك تستحقه، فقال: أنا ما أبي التعويض أبي أرضي.

وهكذا ذهبت معه إلى الشيخ عبد الله بن حميد للتقاضي عنده في الموضوع حسب دعواه وكانت تلك أول مرة وآخر مرة يدعي فيها أحد عليَّ شيئًا ويشكوني للأمير فيدفعني معه إلى القضاء، وبدا لي بعد أن جلسنا عند القاضي وهو شيخنا الشيخ عبد الله بن حميد أنّه اتجه إلى الحكم له، وإن كان لم يصرح بذلك، ويومذاك لم تكن توجد صكوك للدعاوى التي تنظر فيها المحاكم إلا الدعاوى الرئيسة التي تحال إلى المحكمة بأمر حكومي. فخرجت من المحكمة مهمومًا وحزينًا؛ لأن معنى ذلك إذا حكم له أن تفسد واجهة المعهد العلمي مع العلم بأنّه حكومي وإنني أدافع عن المعهد بصفتي مديرًا له وليس بصفتي مالكًا له.

فقابلت الشيخ حمد التويجري، وقال لي: ما لي أراك متجهم الوجه كأنما حَلَّت بك مصيبة فما الأمر؟

فقلت له: الأمر كذا وكذا، وهذا الرجل يريد أن يفسد واجهة المعهد التي على الشارع، فقال حمد التويجري وهو ممن إذا قالوا فعلوا: هوّن عليك، فلا ذلك الرجل ولا غيره يستطيع أن يفعل ما ذكرته فالمعهد حكومي، وهو مفخرة للبلد ولا يمكن أن يفسد أحد واجهته وإذا فرض أن الرجل ثبت له حق فإنّه يعوّض عنه وأما المعهد فإنّه لن يلمس وأنا كفيل بذلك.

فقلت: إن الرجل رفض التعويض، فقال: الأمر ليس بيده فاطمئن وليزل ما في خاطرك واعدك أني وأنا مدير الماليّة سوف أوقف أيّ شيء يتعلّق بذلك وأرفع إلى الملك سعود حتَّى لا يمس المعهد بشيء، وإنما يعوّض الشخص عن حقه إذا ثبت له حق شرعي، وكل تعويض هو بواسطتنا.

قال: حتَّى لو أراد أحد أن يمنعكم من إتمام السور فأنا أتكفل لك بأن تتموا المبنى على ما أردتم.

قال ذلك وأنا أعرف صحة ما يذكره ومنزلته عند الملك سعود رحمهما الله، فشكرته على ذلك وقلت له: لقد نفست عني جزاك الله خيرًا.

وعلى أية حال فالشيخ حمد بن عبدالمحسن التويجري شخص عاقل ورزين وله مقام كبير عند الدولة، وهو إلى ذلك صديق كريم.

وقد حدثني سكرتيره أن الملك عبد العزيز آل سعود كان يستشيره سريًا في بعض الأمور وكان الشيخ حمد التويجري يكتب إليه في بعضها ابتداءً فيُنفّذ الملك ما يراه، لأنّه يوافق المصلحة العامَّة للبلاد.

وقد بقى الشيخ حمد التويجري في بريدة حتَّى بعد أن أحيل على التقاعد عام 1400هـ وصار من أهلها وزوّج أولاده فيها.

وما علمت أن أحدًا طلب منه المساعدة على شيء في إمكانه أن بفعله إلا ساعده، وكان يجلس في صدور المجالس، ويدور الحديث عنه كما يدور عن كبار القوم ذوي المقامات المحترمة.

وإنه من دواعي سروري أن أرى الأخ (خالد بن عبدالمحسن بن حمد التويجري) يكتب عنه كتابًا؛ لأن الشيخ حمد جدير بذلك، والتاريخ الناصع لبلادنا يستدعي ذلك فجزاه الله خيرًا.

وقد عمر الشيخ حمد التويجري دهرًا أظن أن عمره نيّف على التسعين، وقد توفي عام 1410هـ -رحمه الله-.