Saturday 02/11/2013 Issue 15010 السبت 28 ذو الحجة 1434 العدد
02-11-2013

على خلفية بعض القضايا الجدلية وصايا للإنسان السعودي

تقسم القضايا التي تحدث في المجتمع إلى قضايا موضوعية وهي التي تعتمد على توافر المال أو الخبرة، وقضايا جدلية وهي التي تتطلب أساليب معينة لتناولها بصورة مناسبة؛ نظراً لحساسيتها. وُتعرَف القضايا الجدلية في مجموعة الأحداث السائدة في المجتمع السعودي في مجالات الحياة المختلفة التي لم يتم التوصل فيها إلى حلول قاطعة وحاسمة بحيث ينقسم المناقشون فيها إلى مؤيدين ومعارضين ومحايدين، وتدور حول عناصر الثقافة المعنوية والمادية. لذا تصدى لدراستها العديد من الأكاديميين والتربويين وقادة الفكر وأرباب القلم وطلبة الدراسات العليا في عدد من الجامعات العربية والأوربية والأسترالية والأمريكية؛ بقصد رصدها، وتعريف المجتمع بها، وفهمها، وتحديد السبل الكفيلة للتعامل الأمثل معها.

وتشهد الدول العربية القريبة من بلادنا في الوقت الحاضر عدداً من القضايا الجدلية التي هي نتاج ما يسمى مجازاً بالربيع العربي، وتسببت في ضياع مقومات الحياة الكريمة لدى هذه الدول والمتمثلة في انفلات الأمن، وتدني سبل الرزق، وهجرة العديد من مواطنيها إلى الدول القريبة والبعيدة للعمل، وضعف الروح المعنوية لديهم، حتى إنك تسمع العديد منهم من يترحم على أيام النظم الحاكمة الماضية.

ويرى الإنسان السعودي ويسمع هذه الحال التي وصل إليها مواطنو تلك الدول، الأمر الذي نتج عنها إحداث مستويات مرتفعة من القلق لديه؛ لأنه لم يعش منذ مجيئه للدنيا حالات الانفلات الأمني، ولم يجرب حياة الفراق عن بلاده وأفراد أسرته إلا لأغراض سارة كطلب العلم أو العلاج أو التجارة، ولم يعمل بالمهن الحرفية التي لم يتعود عليها.

لذا يسعدني كمواطن من جهة ومرب من جهة أخرى أن أقدم هذه الوصايا له ولا أنتظر منه جزاءً ولا شكوراً، بل أعتقد جازماً بأن هناك من الناس من سينعتني بأوصاف وألقاب مشينة لا تليق بالحس الديني ولا الحس الوطني الذي أعيشهما:

الوصية الأولى:

أهديها للإنسان السعودي عامة، وتستند فكرتها على أن بلادنا محسودة؛ بسبب ميراثها الثقافي الأصيل وعلى رأسه اتخاذ الإسلام الدين الرئيس والأوحد لها، ولغتها الأم العربية، وعاداتها وقيمها التي أكسبت الإنسان السعودي تميزاً بين الآخرين، ولا يجب أن يلتفت إلى من ينتقص من هذا الميراث على الرغم من كثرة النقاد غير الموضوعيين.

الوصية الثانية:

وأهديها له أيضاً، وتقوم فكرتها بأن الشائعات صناعة كل حاقد فلا يتأثر مما يُكتب في شبكات التواصل الاجتماعي التي يغيب عن فكر كاتبها بمعرفتنا السابقة عن انتماءاته الفكرية والطائفية وتوجهاته الحالية والمستقبلية تجاه بلادنا، فلا يكون أداة فاعلة في يديه لكي يصفي حساباته مع رموزه الذين نجزم بولائها له بدرجات لا حد لها.

الوصية الثالثة:

وأهديها له، وتستند فكرتها على أن الحياة البشرية لا تكتمل، وأن النقص وارد في معطيات خطط التنمية، والخلل في جهود الإنسان من مسلمات العلم في القديم والحديث، فلا نبالغ في تناولها ومناقشتها، فإذا سلمنا أن استمرار الوقوع في الخطأ من الأمور المعيبة، فلا ننسى أن يمتد تسليمنا إلى اعتبار المطالبة بالطرق غير الهادفة من الأمور المعيبة أيضاً.

الوصية الرابعة:

وأهديها له، وتقوم فكرتها بضرورة تنمية الشعور بالعزة والشموخ من الموقف الشجاع للقيادة السعودية من العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن حتى يتم إصلاحه رغم حساسية الوقت الذي تزامن مع وقت هذا العضوية. فلسان حالها يقول لا حاجة لنا بهذه العضوية طالما أنها تشريفية. وأعتقد أنه لو تحقق لدولة أخرى ما تحقق للسعودية لراجعت حساباتها مرة تلو المرة.

الوصية الخامسة:

وأهديها للمرأة السعودية المطالبة بقيادة السيارة، وتقوم فكرتها على أن هذه المطالبة ليست من أولويات المرأة السعودية، فإذا افترضنا أنكِ تتكلمين بلسان حال عموم النساء فينبغي عليكِ التفكير في هموم ملحة لها كالبطالة، والنقل الإداري للمعلمات، وسن قوانين تجرم الاعتداء على المرأة سواء أكان على شكل تحرش أم عنف، والاعتداء عل الطفل سواء بالعنف أو التحرش أو استغلاله في أعمال لا تتناسب مع عمره، والتقاعد المبكر، ومشكلات النساء المطلقات، وحضانة الأطفال، وتوافر نساء مفتيات في شئون المرأة، وتوسيع مجالات عمل المرأة بما يتناسب مع ظروف العصر وخصوصية المرأة السعودية، كما أنه لا ينقصكِ التقدير الرسمي والشعبي لكِ فقد حققتِ تفوقاً بيناً في مراحل دراستكِ المختلفة، وأثبتِ حضوراً واضحاً في تخصصات العلم المختلفة ومجالات الحياة المتنوعة، وأنتِ على اطلاع جيد برؤية الناشطات الغربيات عنكِ، والسعوديون لديهم القناعة بأنكِ على علم بهذه الحقيقة.

الوصية السادسة:

وأهديها للشباب السعودي، وتستند فكرتها على أنكم رجال المستقبل وحماة الدين والوطن، فأنتم النسبة الغالبة في المجتمع السعودي في سلم الفئات العمرية، فحافظوا لهذا الدين قيمته، وحافظوا لوطنكم هيبته، ولا تكونوا موضوعات خصبة للتندر بكم في المجالس فهذه الحال لا تزيدكم إلا استهتاراً، ولا السامع لها إلا زيادة قناعته بسطحيتكم. ونظراً لأني أعرف أنكم نبتم في بيئة محافظة، فأجزم بأنكم لا ترضون بأن تكونوا مجرد أرقام في مصفوفة التعداد السكاني فأنتم رموز للقوة والعمل والعطاء.

الوصية السابعة:

وأهديها للمربين عامة على اختلاف مؤسساتهم التربوية في المجتمع، وتستند فكرتها بأن يناقشوا مع طلابهم في زمن محدود من حصصهم ومحاضراتهم قيم المواطنة وسمات المواطن الصالح، فربما تكون مجهولة عند البعض أو منسية عند بعضهم الآخر أو مشوهة لديهم؛ لأن العدو المتربص للفرص سيندحر شره وبالتالي سيعيد من سيناريوهاته الامبريالية. فمن بديهيات التخطيط العلمي أن تخضع الخطط الآنية والمستقبلية للمراجعة المستمرة. والعدو على علم تام بهذه البديهيات.

الوصية الثامنة:

وأقدمها للوالدين، وتستند فكرتها أنكما المسئولان المباشران عن تربية أبنائكما، وأن دور مؤسسات التربية الأخرى في المجتمع دور تكميلي، فلا تقصًران في مسئولياتكما، فهم ثمرات الأفئدة وفلذات الأكباد وفي الوقت ذاته هم سفراء لفكركما ومنهجكما في الحياة.

وأخيراً حري بنا جميعاً وعلى حد سواء أن نكون صفاً واحداً، ويداً واحدة وكلمتنا واحدة أمام هذه الأحداث بأن يحفظ الله لهذه البلاد خصوصيتها وقيادتها وعلماءها ورجالاتها، وأن نجعل بلادنا خطاً أحمر يتهيب كل من يقترب منه أو يتحدث عنه، فكما لنا حقوق عليه، له حقوق علينا، وكما أعطانا الكثير من مقومات الحياة الكريمة في ماضيه وحاضره فهو الآن ينتظر منا رد الجميل.

drmusaedmainooh@hotmail.com

كلية التربية - جامعة الملك سعود

مقالات أخرى للكاتب