Sunday 03/11/2013 Issue 15011 الأحد 29 ذو الحجة 1434 العدد
03-11-2013

الرصيف .. الرصيف .. أيها المسؤول الحصيف

ذهبت مع العائلة، ذات صيف إلى قبرص.. وعند الوصول مساءً، سألني ابني هيثم، هل قبرص جزء من العالم الأول، أم العالم النامي؟ بمعنى آخر، هل هي بلد متقدم، أم متأخر؟ فقلت له: إن قبرص ثقافيًا، جزءٌ من أوروبا، أما من حيث مستوى تقدمها، وحسن، أو سوء إدارتها الحكوميَّة، ومستوى تخلفها الاقتصادي والإداري، فلا أعرفه..

ولكن نستطيع أن نعرفه غدًا عندما نتجوَّل في المدينة، ونرى أرصفة شوارعها، فالأرصفة في أيّ مدينة، أو بلد، هي المرأة الحقيقية لكيفية تفكيرها، وعقليتها، وإدارتها، وكفاءة العاملين فيها، ومدى إخلاصهم، واهتمامهم، ومقدرتهم على التخطيط، وإدراكهم لأهمية مدنهم ومتطلباتها، وحاجات سكانها.

وفي الصباح كنَّا في مدينة ليموسول، ثاني أكبر مدينة في قبرص، ومدينة السياح الأجانب، وكانت أرصفتها مشابهة لأغلب المدن العربيَّة، كالرياض، والقاهرة، وبيروت، والكويت، فالرصيف ليس له نظام محدد من حيث العرض والإرتفاع عن الشارع، وأماكن وكيفية التشجير، والرصيف مكسر، أحيانًا، ويضيق ويتسع من دون سبب، وله ارتفاعات مُتعدِّدة، وقد يوجد فيه مبنى مؤقت (كشك)، ومعارض على الرصيف، بل قد تقف عليه السيَّارات، وهذه جميعًا تعيق استخدام وانسيابية مرور الناس.. والرصيف السيىء يُعبّر عن التخلف وسوء الإدارة والتخطيط في جانب صغير، ولكنه مهم جدًا.. أنّه الرصيف المخصص للمشاة الذين يجب أن تكون لهم الأولوية وليس العربات.

إن هذا هو واقع مدينة الرياض، وأغلب المدن السعوديَّة، بل انتقلت العدوى إلى القرى السعوديَّة، التي كانت متعة الحياة فيها التواصل الاجتماعي من خلال المشي على الأقدام نحو القريب والسوق والمسجد، وليس الانتقال بالسيارة، فوضع الأرصفة في المدن والقرى السعوديَّة هو وضع مزرٍ.. فليس هناك هدف واضح من وجودها.. هل هو من أجل حماية المنزل، أو العمارة؟ أم من أجل استخدام المشاة من الأفراد؟ فهي تضيق وتتسع في الشوارع الكبيرة والصَّغيرة من دون سبب، كما أنها ترتفع أو تنخفض من مبنى إلى آخر، وزراعة الأشجار تتم بشكل عشوائي.. فلا يستطيع الإنسان أن يمشي في أغلب أرصفة الشوارع.. وهذا ينطبق على الأحياء السكنية، والشوارع الرئيسة والتجاريَّة مثل العليا العام، وخالد بن الوليد، والتخصصي، والملك عبدالعزيز، وأبو بكر، وغيرها، وغيرها، من الشوارع التجاريَّة.. إن هذا من دون أدنى شكٍّ عنوان التخلف، وسوء الإدارة، وعدم الإدراك أو اهتمام من المسؤولين في هذه الجوانب، لاعتقادهم الخاطئ أنها صغيرة وغير مهمة، إضافة إلى عدم حاجتهم إلى استخدام هذه الأرصفة.

وهنا أودُّ أن أشير إلى نقطتين مهمتين:

الأولى: عند بداية بناء مدينة الرياض في الخمسينيات والستينيات، كان الرصيف في الشوارع الرئيسة له أهمية خاصة، ونظام واضح من حيث التخطيط والتنفيذ، بل وصل الأمر إلى تظليل بعض الأرصفة، كما الأمر بالنسبة لشارع الشميسي، وشارع الوزير، وأجزاء من شارع البطحاء، وشارع الثميري، وغيرها، وكان الرصيف في مستوى واحد على طول الشارع، طال أم قصر، وكان يُشتَرط على ملاك العمائر البروز في الدور الثاني نحو الشارع، بحث يكون الرصيف مظللاً، وبأعمدة متميزة.

ومع الطفرة في السبعينيات، نسي المسؤولون في تخطيط المدن، وفي الوزارة، وفي البلديات، أن هناك شيئاً يقال له رصيف، أو أن هذا الرصيف أصلاً له الأولوية، وفي كلِّ مكان، من أجل المشاة، فحصلت فوضى لا أول لها ولا آخر، ويكفيك مثلاً أن تحاول، إن استطعت، أن تسير حتَّى ولو لنصف كيلومتر في شوارع رئيسة مثل العليا العام، وطريق الملك عبدالعزيز، أو التخصصي، أو غيرها من الشوارع الرئيسة في الرياض.

إنني لا أرغب الحديث عن أسباب هذه المشكلة وكيف ازدادت من سيء إلى أسوأ، لتصل إلى درجة مزرية الآن، كما الأمر مثلاً بالنسبة لشارع جديد مثل شارع الأمير تركي الأول، فيا حبذا لو أن أحد المسؤولين في الوزارة أو أمانة مدينة الرياض، يزور المنطقة الممتدة لمسافة نصف كيلو متر من الدائري الشمالي (مخرج رقم 2) إلى شارع الأمير عبد العزيز بن ثنيان، ليرى كيفية وضع الأرصفة المرتفعة والمنخفضة بشكل عشوائي، ولدرجة أن أحد المحلات التجاريَّة قام ببناء غرفة - مدخل في الرصيف.. فلا يستطيع الإنسان المشي على هذه الأرصفة، ولو حتَّى مسافة مائة متر.

هل نستطيع تصحيح هذه الأخطاء.. الجواب نعم، ولكن لا أرى أيّ بوادر لذلك، ولا أعتقد أنَّه سوف يحصل مع الفكر السائد.. وهذا يقودني إلى النقطة الثانية، والمهمَّة في موضوع الأرصفة.. فهناك مشروع ضخم ومهم بدأ تنفيذه في مدينة الرياض، وأعني بذلك شبكة النقل الجماعي، التي تضم بالإضافة إلى شبكة القطارات السريعة، وشبكة حافلات داخل الأحياء، ويحلم بعض المسؤولين، أن هذا سوف يخفف حركة السيَّارات والنقل في الرياض.

فأقولها بصراحة تامة: إن شبكة النقل العام، لن يكون لها أيّ قيمة أو تأثير من دون وجود أرصفة مناسبة للمشاة.. فهذا الموظف أو العامل، سينتقل مثلاً بسهولة ويسر من محطة القطار القريبة من منزل في أقصى جنوب الرياض إلى عمله في شمال الرياض، وسوف يستخدم الحافلات من منزله إلى محطة القطار ومن ثمَّ شبكة القطارات، وبعد ذلك للمرة الثانية يستخدم الحافلات وإلى مقر عمله، بالطبع لا يمكن إنشاء محطة للحافلات أمام كل منزل، وأمام كل مصلحة أو إدارة، أن هذا مستحيل، إذًا فإنَّ الراكب الذي تمتع باستخدام القطار والحافلة مضطر إلى المشي مسافة قد تطول وقد تقصر، ولنقل مثلاً ما بين 500 متر إلى كيلومتر، وهو أقل الاحتمالات، هذه الأمتار القليلة ستكون بالنسبة له صعبة وسيئة، إذا لم تكن مستحيلة، نظرًا لسوء، بل وانعدام الأرصفة المناسبة، بحيث يقرر العودة إلى استخدام سيارته.. وإذا لم يصدقني مسؤولو أمانة مدينة الرياض أو الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض أو وزارة الشؤون البلدية والقروية، على أحدهم أن يحاول المشي في بعض الشوارع التي أشرت إليها لثلاثمائة أو خمسمائة متر، وليدركوا أن مشروعاته النقل الجماعي، ستذهب هباءً، أموال كبيرة يجري إنفاقها، ووقت ضائع، والنتيجة محدودة، والسبب الرصيف.

إن الأرصفة، هي عنوان حضاري، يعطي فكرة سيئة أو طيبة عن المدينة والدولة، وعقلية المسؤولين فيها.. كما أن الأرصفة، والاهتمام بها، سوف تساعد السكان على استخدمها، مما يُسهم في حل أزمة المواصلات بأشكالها المختلفة.. فعندما سألت صديقًا: لماذا يقف بشكل مزدوج أمام الصيدلية، ويتسبب في إرباك حركة المرور؟ قال لي: لو وقفت بعيدًا، مائة متر، هل هناك رصيف مناسب لاستخدامه.. فبقيت صامتًا، لأنَّه على حق.

مقالات أخرى للكاتب