Sunday 03/11/2013 Issue 15011 الأحد 29 ذو الحجة 1434 العدد

التقنية الملعونة

محمد بن فراج الشهري

لا شك أن وسائل التقنية الحديثة بكافة أشكالها وألوانها ومميزاتها، قدمت خدمات سريعة لشرائح كثير من الأمم، وقربت كل بعيد وخدمت الباحث، والطبيب، والطالب، وقدمت خدمات في غاية الأهمية للإنسان بشكل عام، واستفاد منها من يحسنون استخدامها لما يجب أن تستخدم فيه فقط، أما نحن وللأسف الشديد فمنا من نذروا أنفسهم للخضوع لهذه التقنية الملعونة.. وأعني بذلك أنهم استخدموها في غير محلها، وأصبح التعلق بها شيئا رهيبا، إذ لا نشاهد شابا أو شابة أو طفلا أو كبيرا أو صغيرا، إلا وهذه الأجهزة بين أصابعه يقلب يمنة ويسرة، وعيونهم مركزة عليها، ولا يدري ما يدور حوله حتى وهو يقود السيارة وفي فراش النوم وفي أماكن الراحة، انقطعت صلة الأرحام بسبب هذه التقنية اللعينة وأصبح التواصل عبر هذه الأجهزة فقط يتناقل عليها كل الأخبار والنكات السيئة والبذيئة، كذلك تنقل صورا تخدش الحياء والكرامة.. تزيد من أخطار الشائعات وما يصاحبها من فبركات .. ينقل عليها ما لا يجب أن ينقل وذلك تبعا للاستخدام السيئ، ومنظر المجتمعات بعد ورود هذه الأجهزة محزن ومحبط لا تواصل ولا زيارة ولا تعارف ولا تقارب إلا عن طريق هذه الأجهزة اللعينة، أصبح الجميع أسرى لها.. وأصبحت كل همهم صباح مساء.. فكيف سيكون الحال مستقبلا بعد ورود ما هو جديد ومتطور من هذه الأجهزة ؟ هل ستسوء الأمور أكثر وأكثر ؟ لقد لاحظت في دول أوروبا وأمريكا أن المجتمعات هناك تستخدمها للضرورة للعمل في كل ما هو مفيد وليس كما نستخدمها نحن ولا تجدها مع الأطفال وصغار السن، إلا في حدود معينة جدا ومدروسة، أما نحن فإذا نجح الطالب في ثاني ابتدائي أعطاه والداه بلاك بيري، وإذا خلص من الابتدائي تجد معه جميع الأجهزة، يقول والده دعه يتعلم من بدري، وهكذا نسير بأبنائنا إلى الهاوية مع التقنية الملعونة، رغم فوائدها التي لا ننكرها، وقد تسببت في إحداث مشاكل لا حصر لها في مجتمعنا المسلم، وتحولنا بقدرة قادر إلى أسرى لهذه الأجهزة الملعونة وهكذا أصبحت التكنولوجيا هي المحرك الأساسي لحياتنا، والوجبة الأساسية اليومية التي لا يمكن الاستغناء عنها، ولكنها باتت بين عشية وضحاها خطراً داهماً يواجه أبناء الأسرة العربية تحديداً الذين استخدموها بإسراف للغاية حتى تحولوا إلى مدمني تكنولوجيا غير هادفة على الإطلاق.وقد أظهرت الدراسة التي نشرت في صدر صحيفة «الديلي تليجراف» أن الأشخاص الذين يستخدمون وسائل التقنية المعلومتية كالهواتف المحمولة الحديثة وأجهزة الكمبيوتر بأحجامها وتقنياتها المختلفة باستمرار يصابون بالإدمان، موضحة أن هذه الحالات يصعب علاجها تماماً مثل مدمني التبغ، الأمر الذي يؤثر سلباً على الصحة العامة والسلوك الشخصي والاتجاه الاجتماعي.وأوردت الصحيفة في تقريرها الصادر لهذا العام أنه على الرغم من السلبيات المتعددة التي تفرزها هذه التكنولوجيا، إلا أن الاستخدام السيئ يصاحب كثيرا من المجتمعات الحديثة حديثة عهد بها. وأمضت الصحيفة تؤكد أن الأطفال هم أشد تأثراً بنتائج هذه الدراسات، مشيرة إلى أن الذكاء الذي تنتجه هذه الوسائل التكنولوجية يجعل الأطفال أكثر عنفاً على المدى البعيد، كما أن الخطورة في الأمر تتمثل في أنهم إذا ما حاولوا الإقلاع عن هذا الإدمان فإنهم يصابون بما يطلق عليه «اضطراب الحرمان المعلوماتي».وأشارت العديد من الدراسات العلمية أن منع الأشخاص من استخدام الهواتف النقالة والانترنت بغرض الاستشفاء يصابون بأعراض شبيهة بالأعراض التي تظهر على المدخنين من الناحية النفسية والجسدية عندما يحاولون الإقلاع عنها.

ورغم التحذيرات المتعددة التي أطلقها العلماء والباحثون الاجتماعيون عن الأضرار السلبية الناجمة عن التكنولوجيا، لكن أبناء الشرق الأوسط هم الأكثر تضررا من تلك الأخطار الكبيرة، نظراً لعوامل كثيرة أهمها البطالة وعدم استغلال أوقات الفراغ بما يفيد المجتمع، مما يجعلهم الأشد إدماناً للكمبيوتر والإنترنت والهواتف النقالة، والتعلق بكل ما هو جديد من الوسائل التكنولوجية التي يفرغون طاقاتهم من خلالها.وهم للأسف في مجتمعنا المسلم يفرغون هذه الطاقات في أمور تافهة وغير مفيدة، وعلينا أن ندرك خطر هذه التقنية الملعونة، وأعني بها الأجهزة اليدوية التي نحملها في كل مكان، أما باقي الأجهزة الأخرى التي تستخدم في المجال العسكري والطبي وأجهزة البحوث فليس هذا مجالها.. أقصد ما يشاركنا يوميا حتى في الأكل والشراب وأثناء قيادة السيارة، فهل من مدكر؟ أسأل الله أن يكفينا ويكفي أبناءنا ومجتمعنا شرها وشرورها..