Monday 04/11/2013 Issue 15012 الأثنين 01 محرم 1435 العدد
04-11-2013

أحلامنا قضية واهية أم صناعة رائجة!

عالم الأحلام تملؤه الأوهام والخرافات، والعابرون معظمهم يسمون أنفسهم “مفسرون” وتستضيفهم شبكات التلفاز وصفحات الجرائد وتخصص لهم أبوابًا وبرامج شتى، حتى أصبح تفسير الأحلام اليوم في بعض القنوات معلمًا مهمًا في برامجها يهدف إلى زيادة المشاهدة،

ومما يساعد على ترويج هذا الفكر وشعارهم دائمًا (الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة).

“دليلك في تفسير الأحلام”، “تأويل الأحلام”، “تعطير الأنام في تفسير الأحلام”، “دليلك في تفسير المنام”، وغيرها من الكتب باتت تنتشر كالنار في الهشيم، مؤلفات لأناس لا نسمع عنهم إلا على أغلفة الكتب، ولا نعرف من هم! أو ما هي وظيفتهم! فقد تكالبت همم كثير من الناس في هذا العصر بسبب الخواء الروحي الذي يتبعه الجزع ونأي النفس عن تعلقها بالله وإيمانها بقضائه وقدره، حتى لقد تعلقت نفوسهم بالرؤى والمنامات تعلقا خالفوا فيه من تقدمهم في الزمن الأول من السلف الصالح، ثم توسعوا فيها وفي الحديث عنها والاعتماد عليها إلى أن أصبحت شغلهم الشاغل عبر المجالس والمجامع بل والقنوات الفضائية، إلى أن طغت على الفتاوى الشرعية، فأصبح السؤال عن الرؤى أكثر بأضعاف عن السؤال في أمور الدين وما يجب على العبد وما لا يجب، حتى مواقع الإنترنت أفردت مكاناً مميزاً لتفسير الأحلام وتأويلها، والكثير من المواقع التي تخدم النائمين والحالمين، وتقدم لهم وصفات جاهزة للغيب والقدر الذي لا يعلم حقيقته إلا الله عز وجل، مما يجعل المرء يقف لحظات يسأل عن مدى السخف الذي وصل إليه حالنا!

إذا كانت الأمم قد شغلوا أنفسهم بالأعمال، ولم يتوقفوا كثيراً أمام الأحلام، فإن واقعنا يشير إلى أننا جعلنا من أحلامنا قضية وصناعة رائجة! بينما أنا في مجلس نسائي يضم مجموعة من النساء، فتطرح إحداهن رؤياها، فتعبرها أخرى على سبيل المزاح- أو الجد- فتقع موافقة للتعبير، فتخبر أهلها، وهي بدورها تخبر زميلاتها في العمل أو أي مكان آخر، وإذا ما دار الحديث عن الرؤيا، دلتهن على “مفسرتنا”، فيسارعن إلى تسجيل رقم هاتف تلك “المعبرة”، فيتصل بها بعضهن، ويسألنها عن بعض الأحلام فتعبرها لهن بأمور يكثر وقوعها ولو لم تُر تلك الأحلام! وما هي إلا أيام قلائل أو أسابيع حتى تنهال عليها المكالمات من كل حدب وصوب، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل وصل صيتها إلى الدول المجاورة! وما تهافت الناس في السؤال عنها بهذه الصورة المفرطة إلا لون من ألوان الخروج عن الإطار المرسوم والتوازن المتكامل، فتجد أحدنا يرى الرؤيا أيًا كانت فتضطرب لها حواسه وترتعد منها فرائصه وتحبس أنفاسه، فلا يطفئ ذلك إلا البحث بنهم عن عابر لها ليعبرها، حتى يظهر له أشرٌ هي أم خير، كل هذا بسبب سعي الناس الدؤوب خلف سراب “الأحلام” يُمعنون في قضاء الرؤى، يبالغون في تفسير المنامات، واجترار تفاصيلها المثيرة، ولو وقف كل منا عند الهدي النبوي مع الرؤى لما رأينا مثل هذه الجلبة، فقد رسم الإسلام رسم المنهج الملائم للتعامل معها بصورة تحفظ عقل المؤمن، وتجعله بمنأى عن الأوهام. ولو أنّ الناس عملوا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لاستراحوا وأراحوا، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنّه قال: “الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان، فإذا رأى أحدكم ما يكره فلينفث عن يساره ثلاث مرات، وليتعوّذ بالله من الشيطان ومن شرّ ما رأى ثلاث مرات، ثم لينقلب على جنبه الآخر، فإنّها لا تضره، ولا يخبر بها أحدًا، وإذا رأى ما يحب، فليحمد الله، وليخبر بها من يحب”. فتأملوا قوله” ولا يخبر بها أحدًا”، “وليخبر بها من يحب”، ولم يقل: فليطلب لها من يعبرها!

wafa-n-alajami@hotmail.com

- أكاديمية بمدينة الملك عبدالله للطالبات واستشارية أسرية وتربوية

مقالات أخرى للكاتب