Monday 11/11/2013 Issue 15019 الأثنين 07 محرم 1435 العدد
11-11-2013

ليس على هامش يوم اللغة العربية العالمي..!!

لا أحسب أن أي صاحب قلم ليس لديه إحساس صادق بقيمة لغته العربية، وأهمية توظيفها في الألسن، والرغبة في جعلها ناصعة في التعبير بها كتابة، وتحدثاً في أي وسيلة نشر بما فيها الصحف، والإعلام الإلكتروني، ومواقع نشره، أو برامج الإعلام المرئي.. وحيث يتحدث العربي، وحيث يكتب، وينشر، ويشيع..

ذلك لأن قوام التعبير لغته، ومكمن المعنى قالبه، وسبيل الإبلاغ مركبته، واللغة قوام، وهي قالب، وهي مركبة جوار كل قيمة لها في جميع ما عرف من خصائصها، ويكفي اللغة العربية شرفاً أنها كانت القالب المختار، الذي حملت مركبته للأرض آيات الله تعالى في أتم كتبه، وأبلغ شريعته، ومنتهى رضاه لتعاليم ختام الرسالات.. بإعجاز قوامها لبقية اللغات الإنسانية البشرية على الأرض..

وكثيرا..، كثيراً، مذ اعوجت دونها الألسن، ولحُنَت فيها الأصوات، ومذ تهالكت عنها الأقلام، وهش دون متانتها التعبير، ومذ تهافتت المؤثرات في مخارج الناطقين بها، واضطربت في استخدامها صحة، وفي تركيبها سلامة، وفي شدِّها قواماً على الألسن، وأسنة الأقلام، مذ كل ذلك وأكثر والناس تبحث، وتكتب في شأنهم معها على أنه شأن فيها، منهم يتحسرون كالشعراء واللغويين، ومنهم ينوحون، والدارسون لها في محافلهم، وكتاباتهم، وجدلهم يدلون عنها، ويتفوهون، ويتباكون عليها، وينعون.. ولكن منهم من لا تستقيم ألسنتهم بها حيث يفترض..

اللغة، والعربية تخصيصاً لا تضعف ألبتة، العربية البالغة إعجاز المعنى، ومتانة المبنى، لا تمرض أبداً، هي فقط حسيفة على ألسنة ذوي الهوية، مدعي الانتماء، إذ تهافتوا ظناً منهم بسلامة المنحى نحو الدارج، والأجنبي، والمعرَّب، فتداخلت في ألسنتهم الإضافات، وشق عليهم الدرب إليها صافية رقراقة.. إذ بعدوا عن معينها، وأهملوا تمكينها في المدرسة، وفي الإعلام، وفي التأليف كتابة، ونطقاً..

وحفظوها في القواميس، وناموا دون تطوير مضامينها، وتحديثها بما يستجد، ويتنامى منها.. فاللغة تتطور بتطور الحياة.. والعربية ولودة لا تعقم..

إن النظر الفاحص بدقة في سلوكهم معها، يدرك هذه الحقائق..

والأدلة على تهميشها يجدها بيسركل متمعن، وفاحص، ومراقب، ومتابع، ولعل أنصع حقيقة في هذا مبسوطة أمام العابر في الشارع، وهو يقرأ ما اقتحم الأسواق من متاجر أجنبية، وقد استخدمت حروف العربية لكتابتها بما يدعو للألم، ويبعث الشفقة على لسان عربي تنصل عن لغته في أوسع فضاءاته..

إنه الفاقد الإحساس بقيمتها.. المعين المتمادي في غفلته عن أهميتها..

إنه لا يكفي النداء من أجلها، فهي تأبى هذا الاستجداء..

إن الحاجة لبعث الإحساس في كل عربي نحو لغته، فإن لم يستقم بها كل لسان عربي، وكل قلم يكتب ولو على باب حانوت لبيع الطحين، أو النحاس، الحذاء، أو عود الثقاب، وفي المصارف، والمطارات، والمصحات، وكل صوت ينطق في المحافل، والمنابر، والمتاجر، والمعابر.. بمعنى أن تكون قضية أمة تفرضها في أوطانها فرضا ملزما، وفي خارجها بدءاً بتعريب كل وثيقة تعامل في جميع المرافق والشركات والمؤسسات داخل مجتمعاتها.. وانتهاء لإعادة أدوار المصححين اللغويين في وظائف العمل بعامة مجالاته وخاصتها.

إن الضعف ليس في اللغة العربية، لأنها حقيقة لا تضعف..فهي لغة ثرية تُثرى، وهي لغة قوية تضيف، وهي لغة مكينة تثبت، قابلة للمراحل، طيعة للتبدلات، وسيعة الأبعاد في احتمال المتغيرات.. بكل خصائصها، وسماتها نحواً، وصرفاً، وتعبيراً، وإملاء، بمكنون بلاغة بيانها، ومكنز معانيها، وقوالب صنعة بديعها، بكل تفاصيلها..

نعم، ليس الضعف فيها، إنما الضعف في قدرات، وتمكُّن مستخدمِها، كاتباً، ومعلماً، وإعلامياً، ومحرراً، ومتحدثاً بها، بل يمتد الأمر لأساتذة الجامعات، والأدباء.. شعراء، وناثرين..!

إن من يخطئ في استخدامها هو الموسوم بالقصور في معرفتها، ومن ثم في توظيفها سليمة، صحيحة على لسانه، وفي رسم قلمه..

كلنا نلام فيها، قد نخطئ زلةً، غير أن المسؤولية على من يجهلها، وعلى من تعلمها ولم يوظفها كما ينبغي، والخطأ الأفدح هو تقديم غيرها عليها في عقر دارها..!

من هنا قولوا في يوم اللغة العربية في اليونسكو: إن الإعلام لا يضعف اللغة العربية، إنما هو ضعف الضعيف في مهاراتها، القاصر عن خصائصها، البعيد عن معينها، المتأخر عن منابعها.. المنصرف عنها، ممن تفسح له وسائل الإعلام بضعفه، ووهنه فينشز، وإن الإعلام لا يقويها، وإنما يحدُّ بمنع سطوة الضعفاء فيها حين يتصدى لهم، لكنه لا يفعل حتى الآن.

قولوا لهم: إن من الواجب أن تكون اللغة العربية درساً يتعلم فيه الفردُ العربي في المدرسة مهاراتها مذ تدريب مخارج النطق في فمه، ليتمكن منها، وتصبح موظفة في لسانه، بكل خصائصها، وسماتها، لتكون قوام لسانه، ومركبة معانيه، وقالب نواياه، وسبيل إفصاحه، وتبادل أغراضه في الحياة..

قولوا لهم: إن على العربي أن يغير الرسوم الضاحكة في إعلامه، ومسارحه، وصوره الفنية لمدرس العربية من الهزل للجد، ومن التهميش، والسخرية للمكانة التي تليق بلغته..

قولوا لهم: إن عزة الأمم ليست فقط في قانونها، وأنظمتها المدنية، وحرياتها المنشودة، واقتصادها المتسارع، إنما عزتها في لغتها، والدليل بين أيديهم، وعلى ألسنتهم، ومدار فخرهم.. تلك التي يتسابقون للتحدث بها، والتي تصدرت، بينما هم كلما بعدوا عن لغتهم ضعفت ألسنتهم، فلا يقوون على التعبير الصادق عن أنفسهم..

قولوا لهم: إن على العربي أن يتخذ من اللغة العربية أمام العالم مدار كل علاقة ثنائية، ولأن ذلك يستدعي أموراً أخرى، فلا أقل من أن تكون على ألسنة أبنائها معافاة سليمة، صحيحة ناصعة.. وهذا البدء بالقوم أي النفس يتطلب التضافر في مؤسسات الوطن العربي قاطبة..

إن اللغة العربية بكامل قوتها، ومهابتها قيد قوتها، وإعجازها، وثرائها، حصينة محفوظة ما حفظ الله تعالى القرآن الكريم..

إنما الذين ضعفت هممهم، وفترت ثقتهم، وتداخلت أفكارهم، وتأثروا بمن قوي عليهم، وتفوق عنهم هم أبناؤها ليس غير.. وقد كانت سميرة الليل لمن كان يدرك قيمتها ممن سبقهم، ويضرب في الاتجاهات سعياً وراء مفرداتها، غريبها، وصحيحها..

فتأكدوا كيف هي في المدارس مناهج تدرس وتطبق؟! وكيف هي في الوظائف لغة تبادل، وتراسل؟!، وكيف هي في المؤسسات لغة حوار، ونقاش وتفاوض؟!، وكيف هي في التجارة لغة مواصفات، ومسميات، وعلامات؟!، وكيف هي الآن في تعبيركثير من الشعراء، والأدباء.. وتحديداً في هذا الجيل؟! وكيف هي في الإعلام لغة كتابة، وإعداداً، وحواراً، وتقارير، إذ لا تكفي نشرات الأخبار وحدها لتصاغ بلغة عربية تخلو من اللحن، والخطأ والوهن على وجه حيادي معها.

وقولوا لنا: ما الذي نفعله بلغتنا، أو من أجلها؟!

عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855

مقالات أخرى للكاتب