Wednesday 13/11/2013 Issue 15021 الاربعاء 09 محرم 1435 العدد
13-11-2013

«كروكي» الرأي العام!

صمت المظلوم عن مظلمته بالاستكانة وانتظار النصر الخرافي لا يختلف كثيراً عن مدمني الشكوى والتذمر والتخبط دون هدف الوصول إلى حل وأخذ الحق بطريقة ذكية وواقعية.. لذا فالظلم جريمة مشتركة بين الظالم والمظلوم نفسه.. الأول معلومة جنحته.. والثاني بصمته دمر نفسه وقوى عزيمة الظالم.

أن لا تعرف حقوقك مصيبة وعار أعظم من خوفك أن تقول ظُلمت.. بأعلى صوت ومن كل منبر متاح.. ولم يكن للطغيان أن يتعاظم غروره إلا بوجود من يعرف واجباته ويجهل حقوقه.. وعندما تتداخل المساحات علينا أن نرحب بالفوضى ولا نغضب أو نتبرأ منها.

فالدهشة الطفولية المرسومة في خطاب النائحين على تمزق الفضيلة وانحسار الأمانة.. وكأن المدينة الفاضلة وجدت في يوم ما.. لكنها اختفت في ظروف غامضة!.. إنما تحكي عن انفصام ساذج بين حقيقة البشر وأحلام الوعاظ والمصلحين.. لا وجود للخير دون الشر.. كلاهما خليط يتقاتل بداخل الإنسان حتى يرث الله الأرض ومن عليها.. والعدالة التامة لدى ربها وحده دون سواه.

أدرس حقوقك جيداً لتعرف كيف تطالب بها.. فالغش يستشري في المناطق الجاهلة.. ويتحرك بحرية في ظلام الصمت.. واللص يستأسد تحت مظلة “فرق..تسد” وذاكرة الجماهير قصيرة المدى في القضايا التي يغلب عليها النقد دون طرح الحلول الممكنة.. لأن النقد وحده مجرد استهلاك للغضب والغبن والحزن.. حتى تُمل وتندثر القضية الأصلية.. وهنا تحديداً يفقد الرأي العام تأثيره الجبار حتى يغدو فقاعة ارتفعت وارتفعت.. لكنها اضمحلت من تلقاء نفسها.

فقبل أن تثار الجماهير.. لا بد أن تكون المطالب الواقعية حاضرة ومدروسة.. ولا تتحول طاولات النقاش إلى “ولولة” أرملة أفقدت ألمها معناه.. وتحولت إلى صوت نشاز.. لا يسمع منه إلا الإزعاج والمبالغة!

فالأحداث كالأمواج.. لها قمة وتوهج وكذلك قاع وظلمة فموت ونهاية.. لمسها غوستاف لوبون حيثُ قال:”وأياً تكن حيادية الجمهور، فإنه يجد نفسه في غالب الأحيان في حالة من الترقب المهيأة لتلقي أي اقتراح، وأول اقتراح يفرض نفسه مباشرة عن طريق العدوى والانتشار لدى كل الأذهان، ثم يحدد الاتجاه الذي ينبغي اتباعه حالاً، ولدى الأشخاص المستثارين تميل الفكرة الثابتة إلى أن تتحول إلى فعل”.

لا يزال الرأي العام يجهل قوته.. وفي كل مرة يعيد طرح مشاكله وهمومه بذات السياق.. بالتحسر واللطم والبكاء المرير في أحسن أحواله.. وفي أسوأها يبدأ ينهش جسده.. ويخرج من نفس الباب إلى قضايا فرعية.. طائفية.. سخيفة.. سطحية.. ثم يعلن أن لا فائدة.. ولا حياة لمن تنادي.. دون أن يفكر ولو مرة.. ويتذكر أنه بنفسه قتل قضيته في مهدها.. ولم يسمها.. أو يحدد لها هدفاً ومنهجاً يشم هامة الذاكرة.. ولا يسمح لها أن تنسى ما يريده قبل أن ينتزعه.

amal.f33@hotmail.com

مقالات أخرى للكاتب