Sunday 17/11/2013 Issue 15025 الأحد 13 محرم 1435 العدد
17-11-2013

خيبات (الجحيم العربي)..؟!!

كتبت أكثر من مقال تزامناً مع أول ثورة شهدتها المنطقة العربية، وهي الثورة التي كانت في تونس، ثم في مصر، فقوبلت وقتها بالكثير من الشتم والسخرية؛ كوني عبَّرت عن شكوكي في البدائل، وتشاؤمي مما هو قادم، حتى أن مواقع وصحفاً إلكترونية سعودية معروفة، كانت تنقل

وتعرض مقالي كل يوم أحد، عزفت عن عرضه ونشره بعد ذلك؛ ما يدل على أن حُمّى العاطفة وقتذاك كانت عامة في أوساط العرب كافة، ومنهم السعوديون الذين تعاطفوا مع المظاهرات في شوارع تونس والقاهرة، وظنوا أنهم دخلوا جنة ربيع عربي حقيقي بهذه التغييرات السريعة والمفاجئة، التي عجَّلت برحيل الرئيس زين العابدين بن علي من تونس، وتنحي الرئيس محمد حسني مبارك، ثم جاء بعد ذلك طوفان الجحيم العربي الذي عصف بليبيا، ثم وصل اليمن فشرذمها، وانتقل إلى سوريا؛ فوضعها داخل تنور حارق.

* ماذا يقول أولئك الذين أخذتهم العزة بالإثم، فعاشوا فقط (اللحظة التي كانوا فيها)؟ هل ما زالوا على مواقفهم القديمة، وعلى أحلامهم المعسولة، وآمالهم الخيالية في ربيع عربي حقيقي غير الذي نشهد اليوم، بعد مرور أكثر من سنتين على بداية الثورات..؟!

* لا أظن بتاتاً.. تونس - مثالاً - التي شهدت انطلاق الشرارة الأولى من سيدي بو زيد، تعيش اليوم بقيادة حزب النهضة الإخواني أسوأ تاريخها على الإطلاق؛ إذ الفوضى العارمة، فلا أمن ولا استقرار ولا حتى لقمة عيش كريمة للمواطن الذي مارس طقوس الثورة العربية العنيفة، فشُقَّت حنجرته بالهتافات والقذف والشتم، وتلطخت يده بدماء ابن تونس نفسها، وأوغلت في تخريب تونس، بتحطيم المحال، وتدمير الممتلكات العامة والخاصة. ما الذي وصل إليه المشهد عنده غير دمى تتصارع على كراسي الحكم، وأيديولوجيات متأسلمة، تمعن في ترسيخ الإرهاب والتطرف في المجتمع التونسي، حتى أن قبر زعيم تونس التحرري الحبيب بورقيبة - رحمه الله - لم يسلم من استهداف تفجيره على أيدي المتطرفين..!

* من حسن حظ مصر أنها منحت من تاريخها سنة سوداء، اختبرت فيها حكم الإخوان، فانكشفوا على حقيقة بؤسهم في الإدارة، وأنهم لا يختلفون عن أي جماعة ظلامية أخرى، تتمسح بالدين لتصل إلى الكراسي العليا، ثم تنقلب على الكل، ويكون همها تكريس وجودها في الحكم إلى أبد الآبدين.

* ما أكثر ضحايا هذه الثورات، الذين صدقوا شعاراتها، وهتفوا بجناتها، ومشوا في ركابها، وتلوثت أيديهم بدماء الأبرياء، ودمَّروا من منجزات بلدانهم الشيء الكثير، ثم أفاقوا على حقيقة مرة للغاية: (البدائل أسوأ).

* نعم.. إن حكومات ما قبل جحيم الثورات في هذه البلدان كانت سيئة، ولكن البدائل هي أسوأ بكثير.. الأمر لا يحتاج إلا أدلة وبراهين، فقد رأينا على شاشات التلفازات مواطنين من تونس يتحسرون على أيام مضت، وآخرين من سوريا، يطلبون النجدة من نظام الأسد المجرم..! وقبل أشهر عدة، خرج أحد القيادات في الحكومة الليبية الحالية وهو يائس بائس من وضع بلده، وقال علناً: (يا رب.. يوم واحد بس من أيام القذافي)..! ها هي ليبيا تتجزأ إلى دويلات صغيرة..! دويلة برقة، ثم طرابلس.. ثم ماذا بعد..؟!

* في اليمن.. لم يعد للمواطن همّ أكبر من توفير الأمن لحياته وأسرته، ثم لقمة عيشه.. كتلتان تتشكلان من جنوبي وشمالي الحكومة المركزية في صنعاء، وتنذران بمستقبل غامض: الحراك الجنوبي في عدن، والحوثيون في صعدة..!

* السيناريو ذاته يتشكل في سوريا؛ فقد أصبحت هذه الدولة العربية نهباً بين قوى إقليمية ودولية كبرى، إلى جانب فئات وجماعات تبحث عن بيئة صالحة لنمو ورعاية أيديولوجياتها المناهضة لكل دين ودولة ومجتمع. لم يكف السوريين السيطرة الإيرانية على قرارهم، ولا تدخلات حزب الشيطان، ولا شراسة حكومتهم المجرمة، حتى تتداعى عليهم شراذم القاعدة وطالبان ومدعي الجهاد، والنتيجة هي تمزيق هذا البلد، وتخريبه، وتفتيته.

* جحيم عربي.. لا ربيع عربي.. هذه هي الحقيقة التي كشف ويكشف عنها واقع الحال في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، وكأن هناك من يتولى تنفيذ إرادة أعداء العرب، في إضعافهم، وتمزيقهم، وتقسيم دولهم إلى دويلات صغيرة ضعيفة، تعيش على المساعدات والهبات، وتخضع لصاحب اليد العليا.

* لا يظنّنّ ظانٌّ أني أدافع عن الاستبداد، وأني أبرر ظلامات الحكام، ولكني أرى أن ما يجري اليوم في بلدان الثورات إنما هو استبداد ممنهج، وظلامات أكبر من ذي قبل، وأن الذين صدّعوا رؤوسنا بالكلام على الإسلام، والدفاع عن أراضي العرب والمسلمين، هم من يقبل العمالة لأعداء الإسلام، ومن يدير لعبة الفوضى الخلاقة في (الشرخ الأوسط)، أصالة عن جماعته الأممية، ونيابة عن مهندسي هذه اللعبة.

* خيبات بعضها فوق بعض.. هذا هو (الحصاد المر)، الذي أنتجته (ثورات الجحيم العربي).

H.salmi@al-jazirah.com.sa

alsalmih@ymail.com

مقالات أخرى للكاتب