Saturday 23/11/2013 Issue 15031 السبت 19 محرم 1435 العدد
23-11-2013

دبلوماسية السلام التركية تحتوي القضية الكردية

لم يكن اختيار مدينة ديار بكر التركية موقعاً عفوياً للزيارة التاريخية التي جمعت البرزاني برئيس الوزراء التركي أردوغان أخيراً، فهذه المدينة تمثل العاصمة الرمزية للدولة الكردية المنتظرة، والتي يحاول الأكراد إعادة تأسيسها بعد أن مزقتها اتفاقية (سايس - بيكو) بين أربع دول في الشرق الأوسط. ويبلغ عدد الأكراد في تركيا أكثر من خمسة عشر مليون مواطن كردي، ويعيش ضمن حدود إقليم كردستان العراق أربعة ملايين كردي عراقي، وفي إيران أكثر من ستة ملايين كردي إيراني، أما في سوريا فتمثل مدينة القامشلي ورأس العين مجتمعاً كردياً يقدر عددهم بأكثر من مليون.

ومن رواد الثورة الوحدوية الكردية الشيخ عبدالله، فقد أعلن العصيان على الدولة العثمانية عام 1880م وتم إخمادها في فترة قصيرة، وحاول السلطان عبدالحميد الثاني إرضاء الأكراد بتشكيل فرقة عسكرية منهم أسماها (الحميدية) لحماية السلطنة من الثورات المضادة.

وفي عهد الجمهورية الأولى ثار الشيخ سعيد النقشبندي عام 1925م، وأخمد أتاتورك الثورة الكردية بقسوة دون رحمة بتسليط قوة كبيرة من الجيش التركي لإخمادها لمطالبة الشيخ سعيد بعودة الخلافة الإسلامية والتبشير بالدولة الكردية الموحدة لكل أكراد العالم.

واستمر ظهور علامات الثورة الكردية في تركيا بين فترة وأخرى كالنار تحت الرماد، وقوي لهيبها حين تشكيل عبدالله أوجلان حزب العمال الكردستاني في تركيا وإعلانه العصيان المسلح عام 1984م، وفي عام 2000م بلغ ضحايا هذه الثورة المسلحة التركية من القوات المسلحة التركية وأعضاء حزب العمال الكردستاني أكثر 37.000 مقاتل ومائة ألف معاق، وفي عملية استخبارية خاطفة أنتجت خطف زعيم هذه الثورة أوجلان في كينيا الإفريقية والحكم عليه بعقوبة السجن المؤبد. وشكل سجن أوجلان نهاية الكفاح المسلح وبداية التفكير في خطة سلام حوارية تعيد للمنطقة الجنوبية الشرقية من تركيا الأمن والسلام، وتحركت الدبلوماسية مع هيئة الأمن القومي التركي من أجل وضع خطة جديدة تشكل أساساً لاتفاق السلام بين القوى الكردية الثائرة والمحكومة التركية، ورشح أردوغان رئيس الاستخبارات العامة (هاكان فيدان) للتفاوض مع أوجلان في سجنه والوصول إلى اتفاقية سلام يكون وقف أطلاق النار بين أعضاء حزب العمال الكردستاني (p.k.k) والقوات المسلحة وانسحاب القوات الكردية إلى داخل الأراضي العراقية (جبال قنديل) مقرهم العسكري وبضمان رئاسة إقليم كردستان العراق، ويشكل هذا الاتفاق الخطوة الأولى والمهمة لتحقيق السلام الدائم بين الشعبين التركي والكردي داخل الجمهورية التركية.

إثر زيارات مكوكية بعضها معلن قام السيد نيجرفان البرزاني رئيس وزراء إقليم كردستان إلى أنقرة وظهرت نتائجه واضحة بعد توقيع الاتفاقية الشاملة بين الحكومة التركية وإقليم كردستان العراق تشمل التعاون الاقتصادي والتجاري والثقافي بين البلدين، وتتركز روح هذه الاتفاقية على استثمار حقول البترول والغاز في منطقة كردستان العراق بشركات تركية، وكذلك الاتفاق على خط جديد لنقل بترول كردستان إلى الموانئ التركية (جيهان ومرسيين)، وفتح منفذين حدوديين بين البلدين لتنشيط التجارة المتبادلة بينهما. ويقدر البترول الكردي المصدر عن طريق تركيا حوالي مليوني برميل يومياً وعشرة مليارات متر مكعب سنوياً من الغاز لتركيا. ولابد لتطمين حكومة بغداد المركزية قبل إعلان هذه الاتفاقيات الشاملة والتي وصفتها جريدة حرييت التركية بـ(القنبلة الموقوتة في العلاقات التركية العراقية)، إلا أن نجاح زيارة السيد أحمد داوود أوغلو وزير الخارجية التركية وضعت الماء على النار المشتعلة بين البلدين واستطاع بدبلوماسية عالية متقابلة المنافع مع الرئيس المالكي من تمرير الاتفاقية الشاملة مع إقليم كردستان وحجب المعارضة المتوقعة من حكومة المالكي المركزية لها.

ومن النتائج الإيجابية لزيارة مسعود البرزاني التاريخية لمدينة ديار بكر التركية ذات الأكثرية الكردية والتي كان محظوراً على الزعامات الكردية من زيارتها لأكثر من خمسين عاماً أصبحت تفتح ذراعيها لاستقبال رمز الزعامة الكردية البرزاني، ويقيم سكانها احتفالات الترحيب بالزعيم الكردي الزائر وبرضى ودعم رئيس الحكومة التركية. إنها صفحة جديدة من طريق السلام الطويل يعيشه الأتراك والكرد، وقد ينجم عنه قريباً إعلان دولة كردستان في شمال العراق وتدعم تركيا هذا الاستقلال الأمل الكردي، وتفتح للدولة الكردية الجديدة كل المنافذ التركية لتحتويها تركيا اقتصادياً وسياسياً وتضع أنقرة مفتاح القرار الكردي في خزائن الدبلوماسية التركية الجديدة!! وهل تقف طهران وبغداد مذهولة أمام هذه القنبلة الموقوتة على حدودهما؟!

عضو هيئة الصحفيين السعوديين - الهيئة التأسيسية للحوار التركي العربي

مقالات أخرى للكاتب