Sunday 24/11/2013 Issue 15032 الأحد 20 محرم 1435 العدد
24-11-2013

«معرقلو» الحوار اليمني .. و«القيصرية» السياسية المطلوبة..؟

تخطى مؤتمر الحوار الوطني اليمني الشامل.. فترته الزمنية الطويلة، المحددة من قبل رئاسته عند انطلاقه.. بستة أشهر - من 30 مارس إلى 30 سبتمبر -.. ليمتد إلى شهره السابع فـ (الثامن) - نوفمبر الحالي - دون أن يلوح لجلسته الختامية نهاية..

ودون أن تظهر مخرجاته أو تعلن نتائجه النهائية، التي ينتظرها اليمنيون جميعاً بقلوب وعقول يملؤها اليقين.. في (مخرجات) ترسخ وحدة كيان دولتهم الجديدة.. دولة العدل والمساواة والحكم الرشيد، بعد أن اجتمع لإنجازها خيرة العقول اليمنية من الشيوخ والرجال والشباب والشابات والثائرين والثائرات.. في هذا المؤتمر الوطني اليمني الشامل الذي لم يستبعد أحداً ولم يستثن أحداً، إلا أن (المؤتمر) الذي تغلب على عقباته المفتعلة من قبل (الحوثيين) و(حراك الجنوب).. بشجاعة ووطنية وإقدام رئيسه (الرئيس عبد ربه منصور هادي).. حتى يمضي وتمضي أعمال لجانه التسع رخاءً وصولاً إلى نتائج (الحوار) ومخرجاته، التي ستشكل بنية (الدستور) اليمني الجديد.. الذي ستجرى على أساسه الانتخابات البرلمانية فـ (الرئاسية) في الثالث والعشرين من شهر فبراير القادم، وفق أزمنة المبادرة الخليجية... تعثر في آخر شهوره المقدرة - سبتمبر.. الماضي - وفي لجنته الثالثة والأهم (لجنة ماهية الدولة): أهي جمهورية فيدرالية.. كـ (ألمانيا) الاتحادية من عشر مقاطعات؟ أم هي جمهورية فيدرالية.. كـ (تركيا) من سبع مقاطعات؟ أما بقية لجان المؤتمر الأخرى كلجان (استقلالية السلطات) و(الحقوق والحريات) و(الجيش والأمن) و(العدالة الانتقالية) و(التنمية المستدامة) و(صعدة).. فقد أنجزت مهامها، ورفعت مخرجاتها إلى (أمانة المؤتمر).. ولم يبق إلا لجنة (ماهية الدولة) ليلعب فيها أعضاء (الحراك) الجنوبيين لعبتهم الأخيرة.. ومَن توهموا من قياداته المقيمة بين العاصمة النمساوية (فيينا) والبريطانية (لندن).. بأنهم قادرون على إيقاف عجلة (المؤتمر) عن بلوغ نهايتها بـ (الريموت كونترول) متى ما أرادوا، أو متى ما جاءت لحظة نسف (المؤتمر) إذا تم الوصول إلى مرحلتها في أجندة (المبادرة) المزمنة.. ولم تأت نتائجه وفق أجندة شروطهم الانفصالية الانعزالية، والتي كانت تتغير وتتبدل كبندول الساعة طوال الوقت: من أن يكون (الحوار) حواراً بين (دولتين) وعلى أرض محايدة وبإشراف دولي..!؟ إلى أن يكون حواراً يعترف بداية بـ (حق تقرير المصير) للجنوبيين..!! إلى أن يكون حواراً لا يقبل بـ (وحدة اندماجية) ولا بـ (الانفصال)..!! إلى حوار ينتهي إلى القبول بـ (وحدة فيدرالية) بين إقليمين: (شمالي) و(جنوبي)..!! وهو ما انتهى إليه فساد الرأي والنوايا الذي عبر عنه أخيراً الأعضاء الثمانية الجنوبيون في لجنة (الستة عشر) المصغرة، الي تم تشكيلها مناصفة - بين الشمال والجنوب - لما سمي بلجنة (الحلول والضمانات) المنبثقة عن لجنة (قضية الجنوب) الأساسية والمكونة من أربعين عضواً.. وهو ما عطل فعلياً إمكانية الوصول إلى مخرجات نهائية لـ (اللجنتين) معاً: لجنة (القضية الجنوبية) ولجنة (ماهية الدولة).. ليقف مؤتمر الحوار الشامل ونتائجه في هذه القضية المفصلية من قضايا الحوار أمام خيارين في (بناء الدولة): خيار وحدة فيدرالية بين خمس مقاطعات - أو أقاليم - ثلاثة شمالية واثنتان جنوبيتان.. وهو ما ينسجم مع التاريخ اليمني وجغرافيته ومنطقته وكثافة سكانه، وخيار وحدة فيدرالية.. بين مقاطعتين أو (إقليمين): شمالي وجنوبي، وهو ما يعيد إنتاج الوحدة اليمنية السابقة بكل بذور انفصالها مجدداً سواء بعد عام أو خمسة أعوام أو أقل أو أكثر..!! وهو منطق لا تقبل به الحكمة اليمنية ولا منطق العقلاء الراشدين.. ولكن يقبل به دعاته من حملة (الريموت كونترول) والأموال المفسدة الضالة..؟

* * *

لقد تحرك الدبلوماسي الأممي البارع الأستاذ (جمال بن عمر) لاحتواء هذا الموقف المعطِّل الجديد.. وكما كان يفعل طوال شهور الحوار الماضية في احتواء الخلافات والاختلافات بين أعضاء اللجان التسع.. حتى يستمر الحوار، وتتواصل مداولات أعضائه.. عبوراً إلى نتائج الحوار ومخرجاته، التي ستنبني عليها استحقاقات مرحلة ما بعد الحوار الوطني.. من صياغة نهائية لـ (دستور) اليمن الجديد فالانتخابات التشريعية فـ (الرئاسية)، التي حُدِّد لها الثالث والعشرين من شهر فبراير القادم.. مع نهاية المرحلة الانتقالية الثانية والأخيرة من (المبادرة الخليجية) المزَمَّنة، والتي تم التوقيع عليها في الثالث والعشرين من شهر نوفمبر من عام 2011م وأيدها (مجلس الأمن).. ثم أتبعها بـ (زيارة) من أعضائه مجتمعين إلى (صنعاء) لعقد جلسة خاصة لـ (المجلس) في السابع والعشرين من يناير الماضي لدعم (المبادرة).. هي الأولى من نوعها في حياة اليمن وحياة (المجلس) معاً، وهو ما يحسب لـ (مجلس الأمن) وأعضائه، ولمهندس التسوية فوق أحراش اليمن وصخوره السياسية: السفير الأممي جمال بن عمر بحد سواء.. إلا أنه سرعان ما اتهم من أعضاء في لجنتي (القضية الجنوبية) و(ماهية الدولة) بالانحياز وعدم الحيدة لأنه أيد فيدرالية الخمسة أقاليم على فيدرالية الإقليمين (شمالي وجنوبي)، وأنه - تبعاً لذلك - انتقل من دور (الوسيط) إلى دور (الوصي) على اليمن ومستقبله!! إلى حد أن سخر منه أحد كبار الشخصيات السياسية اليمنية قائلاً (طالما أن ابن عمر يمتلك الكفاءة والخبرة، فإننا نطالب أمين عام الأمم المتحدة بإرساله إلى سوريا أو أفغانستان.. ليستفيدوا من قدراته في إنهاء مشاكلهم)!! وهي سخرية لا تليق بقائلها ولا بمكانة وجهود السفير جمال بن عمر المخلصة الدؤوبة، والتي بدا معها وكأنه من أصول (يمنية) وليس من أصول مغربية.. لكن السفير ابن عمر لم يعزه الرد على منتقديه والساخرين منه عندما قال في لقاء تلفزيوني مع (الفضائية اليمنية) قبيل أيام قليلة بـ (أنه سيحدد أسماء معرقلي العملية السياسية في اليمن ومعرقلي مؤتمر الحوار الوطني ليتخذ مجلس الأمن عقوبات بحقهم).. وهو ما نرجو ألا يتردد في فعله حتى تظهر الحقائق (عارية) أمام اليمنيين جميعاً!!

على أن السفير جمال بن عمر.. لم ينس في سياق هذا التجاذب حول التأخير والتعطيل.. أن يعكر صفو متعجلي خلافة الرئيس عبد ربه منصور هادي عندما قال بـ (إمكانية التمديد للرئيس الانتقالي عبد ربه منصور هادي، مؤكداً أن فترته - في هذه الحالة - لا تنتهي في 23/ فبراير المقبل)!! لأن الوقت من الآن وحتى الثالث والعشرين من فبراير القادم.. لن يكون كافياً لـ (استكمال صياغة الدستور وإعداد قانون جديد للانتخابات)..!! وهو ما يعني أن على الممانعين في قيام دولة فيدرالية من خمس مقاطعات.. تحمل نتائج انصياعهم لـ (الريموت كونترول) و(ذهب المعز) كما يقولون..!!

* * *

لقد صمت الرئييس عبد ربه وأمناء مؤتمر الحوار الوطني الشامل وكبار أعضائه ورموزه.. أياماً طويلة لإعطاء فرصة لعقلاء اليمن وحكمائه، وللوطنية اليمنية الشابة المؤمنة باليمن الواحد، الكبير الذي يتسع للجميع، والرافضة لميراث التقسيمات البريطانية البالية: (يمن جنوبي) و(يمن شمالي).. لحلحلة إشكالية الدولة الاتحادية الفيدرالية التي تقوم على إقليمين كما يصر ممثلو (الحراك) وليس على خمسة أقاليم كما هي رؤية الأغلبية الكاسحة، إلا أن الوقت كان ومايزال يمضي.. وجلسة المؤتمر الختامية ماتزال مفتوحة وقد طوت شهرها الإضافي الثاني، لكن الرئيس عبد ربه.. أحدث ما يمكن أن نسميه بـ (الهزة) في فراغ الانتظار والترقب ومحاولات (الحلحلة).. عندما قام قبيل سفره بأيام لحضور مؤتمر القمة العربية الأفريقية الثالث في (الكويت) بزيارة مفاجئة أو محسوبة التوقيت إلى أرخبيل (سقطرى) في بحر العرب.. كان لها معناها في الحالين، خاصة وقد أعلن من هناك وسط خطاب جماهيري.. تحويل مديرية أرخبيل سقطرى التابعة لمحافظة حضرموت إلى (محافظة) جديدة لها كل حقوق المحافظات اليمنية الأخرى.. وهو قرار له معناه ودلالته، ورسالة لابد وأن يفهمها كل أصحاب الأنوف الوارمة!!

ثم أخذت تنتشر تسريبات - إعلامية - مقصودة دون شك.. بأن الرئيس عبد ربه الجنوبي الأصول، والذي كان نائباً لرئيس الوحدة الاندماجية خلفاً لنائبها (سالم البيض) طوال سنوات انشقاقه.. لا يؤيد خيار الدولة الاتحادية الفيدرالية من إقليمين (شمالي وجنوبي).. وهو ما جعل المتابعون والمهتمون بالقضية اليمنية.. أقرب إلى الاعتقاد باحتمال قيام الرئيس عبد ربه بعملية سياسية (قيصرية).. إذا ما نفد صبره، ينقل معها صلاحيات لجنة (ماهية الدولة) إلى الجمعية العامة لمؤتمر الحوار الوطني بأعضائها الخمسمائة والخمسة والستين الذين يمثلون الطيف اليمني السياسي رجالاً ونساءً وشباباً.. ليقولوا كلمتهم الفصل بين: خيار الدولة الاتحادية الفيدرالية المكونة من خمسة أقاليم.. أو الدولة الاتحادية الفيدرالية المكونة من إقليمين: شمالي وجنوبي.. وستفاجئ (النتيجة) حتماً معرقلو الحوار ونتائجه من الانفصاليين المتسترين خلف مطالبتهم بـ (دولة اتحادية فيدرالية مكونة من إقليمين)..!! فليس في كل المحافظات اليمنية الثلاثة والعشرين.. من يقول: بأن (الوحدة) قامت عند تحقيقها على أرض الواقع - في الثاني والعشرين من مايو من عام 1990م - بين (عاصمتي) الشمال (صنعاء) والجنوب (عدن) وحدهما.. ولكنها قامت بكل المحافظات اليمنية في الشمال وفي الجنوب، وبـ (اليمنيين) جميعاً.. في الشمال والجنوب.. وفي الشرق والغرب، وليت هؤلاء المعرقلين لفيدرالية الخمس أو السبع محافظات.. يستعينون بأرشيف التليفزيون اليمني.. ليعرض عليهم مشاهد يوم إعلان الوحدة في كل المقاطعات - أو المحافظات - اليمنية ليروا (الحقيقة) بأعينهم إن نسوها أو تناسوها..!!

* * *

وفي النهاية.. فإن لأصحاب (المبادرة) كلمتهم، ولـ(داعميها) سياسياً ومالياً من أعضاء مجلس الأمن والجمعية العامة.. كلمتهم، ولن يرضى الطرفان بـ(فشل) المؤتمر .. كما أنهما لن يرضيا بـ(تمديده) و(تمطيطه) إلى ما لا نهاية حتى يصبح كـ (مؤتمر السلام) في باريس بعد الحرب العالمية الأولى.. الذي امتد لعشرين شهراً!!

مقالات أخرى للكاتب