Sunday 24/11/2013 Issue 15032 الأحد 20 محرم 1435 العدد
24-11-2013

طريقة كتابة الشعر النبطي 1/3

درج قلة من الشعراء والمتذوقين على اتباع بعض الطرق الخاصة في كتابة بعض الكلمات في الشعر النبطي مخالفين بها قواعد الإملاء لأسباب قد تكون لها مبررات مقبولة ومقنعة للمختصين من أهل اللغة والأدب, وقد تكون مقنعة لغيرهم بلا مبررات مقبولة, فهو حينئذ اقتناع مزاج لا اقتناع علم ومعرفة.

وهذه الطرائق متعددة ومختلفة ويمكن ملاحظتها ورصدها بمطالعة الشعر المدوّن إما في الكتب والدواوين أو في الصحف والمجلات أو في المواقع والمنتديات الإلكترونية أو غيرها من وسائل عرض الشعر كتابة.. وسأذكر عبر هذه المقالة بأجزائها الثلاثة طرفا من تلك الطرائق مما تسعف به الذاكرة وتقتنصه العين من التصفح المستعجل لبعض القصائد المدوّنة إلكترونيا.

فمن هذه الطرائق - على سبيل المثال - (إبدال تنوين الكسر نونًا) بحيث تكون الكتابة مطابقة للنطق, ككتابة كلمة (جهلٍ) في قول المرحوم تركي بن حميد (ت 1280هـ):

قالوا جهلت وقلت (جهل) بلا قيس

الجاهل اللي ما يعرف اليمومي

بالاستعاضة عن التنوين بالنون وكتابتها هكذا (جهلن). وقد يفصل الكاتب النون المعوضة عن التنوين ويضعها بين قوسين للدلالة على أن الكلمة منوّنة هكذا: جهل(ن).

ومنها (إشباع حرف الروي المكسور بالياء دائما), مثل كلمة (اليمومي) في البيت السابق, وحقها ـ إملاء ـ أن تُكتب هكذا: (اليمومِ).

وقد أشار الأديب الباحث المحقق الأستاذ محمد بن عبد الله الحمدان (أبوقيس) إلى هاتين المسألتين في طريقة كتابة الشعر النبطي في كتابه الببلوغرافي الثري (معجم المطبوع من دواوين الشعر العامي القديمة) في أثناء تعليقه على اعتذار الشاعر طلال السعيد في مقدمة ديوانه (دموع تبتسم)عن التزامه بهذه الطريقة في الكتابة, قال أبو قيس (ص91): «اعتذر الشاعر عن بعض الأخطاء النحوية وخاصة كتابة الكلمة كما تُنطق, كإضافة النون في آخر الكلمة بدل الكسرتين, وهذا ما انتقدته في مقدمتي لهذا الكتاب الذي بين يديك, وقلت إن إضافة النون بدل الكسرتين، والياء بدل الكسرة يشوّه الشعر و(يشوش) على القارئ» ا.هـ

قلت: وهذا يدل على أن هذه الظاهرة ليست وليدة اليوم بل بدأت مع بدء نشر الشعر النبطي الحديث في دواوين, وربما كان الجهل باللغة وبأهمية احترامها, مضافا إليه أسباب أخرى كضعف الرقابة على النشر؛ السبب في رواج هذا التساهل في التزام ضوابط الإملاء.

وإذا كان طلال السعيد في تقديمه للطبعة الثالثة لديوانه (دموع تبتسم) قد اعتذر عن الأخطاء (النحوية) وأظنه يقصد الإملائية تحديدا فإن اعتذاره هذا لا يعفيه من المعاتبة في التساهل بحدود الإملاء والعبث بقواعده, وأظنه اليوم لا يوافق على ما أقدم عليه عندما كان في غضارة شبابه, ثم إن مثل هذه الأخطاء لا يمحوها الاعتذار.

وقول أبي قيس «وهذا ما انتقدته في مقدمتي لهذا الكتاب الذي بين يديك» يقصد ما كتبه في المقدمة حيث ذكر ثلاثة من الأخطاء التي وقع ـ وما زال يقع ـ فيها كثير من شعراء الشعر العامي وناشريه, وذكر من هذه الأخطاء:

«إضافة الياء إلى النون المكسورة مما يغير معنى الكلمة تماما, مثل:

من الثميلة لديار الشوق يمسنّه

لا روّحن بالوصايف جول غزلانِ

ومثل:

الردف منها يشيل الثوب

والنهد بالوصف رمانِ

..» ا.هـ

وعلل لذلك بقوله: «فكلمتا غِزلان ورمان إذا أضيفت لهما الياء ـ كما يفعل الكثيرون ـ أصبح الشاعر أو قائل الشعر ينسبهما لنفسه, وهذا غير مراد, أي أنهما سيصبحان (غزلاني) و(رماني). ويظهر أن أبا عبد الرحمن بن عقيل رأى ما رأيته وبحث الموضوع في أحد كتبه ولعله (ديوان الشعر العامي بلهجة أهل نجد)». ا. هـ, قلت: وسأذكر وجهة نظري في رأي أبي قيس هذا وعلته في الحلقة القادمة - بإذن الله -. وقد نسي أبو قيس عندما قال (وهذا ما انتقدته في مقدمتي لهذا الكتاب الذي بين يديك, وقلت إن إضافة النون بدل الكسرتين, والياء بدل الكسرة يشوّه الشعر..) فظن أنه ذكر المسألتين في المقدمة, وهما (إضافة النون بدل الكسرتين) وإضافة (الياء بدل الكسرة), وهو في الحقيقة لم يذكر سوى المسألة الثانية وهي إضافة الياء بعد الحرف الأخير في آخر القافية وهو ما نقلناه قبل قليل. وإذا كان نسي فإن تعليقه هذا أبان عن رفضه المسألتين.

وأحب أن أنبه أبا قيس على ورود خطأ في نقله بيت فيحان بن ثمر الرقاص الذي مثل به, وهو:

من الثميلة (لديار) الشوق يمسنّه

لا روّحن بالوصايف جول غزلانِ

خطأ فات عليه مرتين, الأولى هنا والثانية في فهرس (جدول الخطأ والصواب) الذي ذيل به الكتاب, وهو تحويل كلمة (دار) إلى (ديار), وصواب البيت كما يلي:

من الثميلة (لدار) الشوق يمسنّه

لا روّحن بالوصايف جول غزلانِ

بحذف الياء من (لديار).

ثم إني بحثت عن رأي أبي عبد الرحمن بن عقيل في مسألة إشباع حرف الروي المكسور بالياء الذي أشار إليه أبو قيس فلم أجده في الكتاب المشار إليه وهو (الشعر العامي بلهجة أهل نجد) إلا أن يكون تعليقا عابرا في المتن أو الهامش, والبحث اليدوي في متون الكتب وهوامشها متعب جدا. وتمنيت أن أجده لأن الشيخ أبا عبد الرحمن وهو من العلماء الموسوعيين ومن أبرز رواد النقد في العلم والأدب وفي الشعر النبطي خصوصا, إذا ناقش قضية أحاط بها من أطرافها, وجلاها بقوة بيانه, ورهافة حسه, وفرط ذكائه, وسعة علمه وكثرة مطالعاته, ورأيه دائما معتبر.

alkadi61@hotmail.com

تويتر alkadi61@

مقالات أخرى للكاتب