Tuesday 26/11/2013 Issue 15034 الثلاثاء 22 محرم 1435 العدد
26-11-2013

للحياة عنوان!

قال لي وهو يقود سيارته الأجرة المتهالكة، سأسرد لك قصتي، لكي تموت المسافة، وننسى ضجيج الطريق الطويل، أنا يا سيدي عندي نزيف حزن عميق يتداخل بين جداول وجهي، وتضاريس جسدي، تاهت سفينتي مراراً بين صخب الموج، وصخب الليل، ورفيفه الغامض،

تحطمت أشرعتي، أحداق دموعي لم تعرف غير البكاء، حرائق الحزن ازدهرت في قلبي، أجدت عشق الانتظار، ملامحي تغيرت، حتى توهج الألم على خطوط وجهي ومفاصلي، الحلم عندي عزف منفرد حزين لا يبتسم رغم المحاولات الكثيفة، كثيراً ما أفرغ كؤوس العتاب من شرنقة الغبطة فأثمر رحيق شوك الغياب، لكن وجعي يكبر ويمحو ظل الفرح، أستند كثيراً على سيف ظلي، لكنني أحس بأن جسدي يتناثر أشلاء، الأشلاء تتراقص على معزوفة نبض الحلم، ارتجفت الأنات على صفحات روحي التائهة بين دفاتري وماضٍ أتلو ذكرياته الغابرة، كل حين عندي سيوف الحزن تنحر أيامي، فتنزف خلايا الذكريات القابعة بعقلي وتمحو من خريطة الجنون وَلّهْ الحلم، فيتسرب بذر النبض من أوان الحنين، أنا الغريب بقلبي وحزني، هنئت أغصان الود سَجَمَ من العين، شذى الياسمين، سجد الهجر، على جبين قمري الحزين المشتعل بنار الحطام، كثيراً ما عزفت روحي على ناي الزمن وشق صدر الحزن الدفين، مراراً حاولت أن أقصي الحزن عن أروقة نبضي وأمتطي صهوة الفرح، لكن رماح العبرات تزهق فراشاته بأحشائي وتنبش بسرداب ذكرياتي، فيحاصرني لهيب الحياة، وسر غامض، كينونته مثل بركان احترقت أطرافه ونخله ورمله، وحتى ضجيج العشق الذي كان عندي ردعني عن نزف الفرح، توقف وولى بعد أن أثقل القلب، وأوهن الروح، وأشعل فتيل اللهب، لم تعد عندي شمس أمل، ولا نسج نهار، ولم تعد حبات ضوء الفجر عندي عناقيد من نور، الفراغات عندي كبرت، وتداعت عندي حصون الخيبة، فانتصر الحزن والألم وتسارع نكوص الأمل والفرح، ها أنا أتشح بالحزن المتألق على خطوط وجه القمر، قلبي أمتزج بخليط من السراب والحلم الصاعق لواقع تخللت دوامات الندم أركانه، يسرح الخيال عندي، يتقد مثل نار موقدة، أحاول أن أمسك بالبريق المنزوي بجانب مقلتي، أنظر بوجهي بدهشة حاضرة متألمة,أسلط نظري على وجهي من خلال المرآة، لكي أقرأ تفاصيله الموجعة، ولكي تتشرب نفسي بما تخفيه عني، يدي تتعثر بالرجفة، أحاول احتضان يدي المثلجتين بالتجاعيد، أحاول أن أحيط كتفي بذراع من الود، لا أكذب عليك، عندي ابن مع أمه المنفصلة عني منذ أمد طويل، لم أره منذ خمسة عشر عاماً، ابتزته أمه لصالح القهر الراكد بأعماقي، هو مثل روحي، أراه الآن أمام عيني وقد استكان بين أحضاني كأنه طفل يشتاق لحضن أبيه، وددت أن أضمه بشدة وأهمس له بأني أحبه، وأنه تؤم روحي، وأنه ملاذ لهمومي وأتراحي وأفراحي، ابتلعني الوقت عنه وطالت غيبي لظروفي القاهرة ووهني ومرضي، حينها رفع الرجل يديه ليمسح سيلاً من شذى العبرات الفارة من قيد البريق المشيد بمقلتيه، همس لي بصوت لا يكاد يسمع: لأني لا أريد لجراحي أن تستيقظ وتثور، فيتوهج الألم المهين على جنبات شطآن نفسي الشقية بظل روح تختبئ من قيظ التمني، سأقول لك: كلمة واحدة، كلمة تشوبها غيمة من التحدي والنفور لقلبي المنحور: نعم، نعم ذبحني الحزن والهجر والقهر بسكين بارد، قالها وأحسست حينها بأن قلبه وجسده نطقا بها في وقت واحد، اكتشفت أن ظله سوف يتناثر مع قرب تحقيق الوعد، اكتشفت أن روحه حلم، وفروسيته وهمٌ، وأنه سوف يشجب وجه الشمس بأسراره المدفونة بمدينته العتيقة، أوقف السيارة عند المكان المبتغى، مددت يدي له، وبكلتا يدي مسحت الدمع عن عينيه ووجه، لأعيد له قناع التحدي للحلم الهارب من أعماق براءته، تحرك بسيارته، ووقفت بجانب الطريق، نظرت له وأنا أتأمله وأتأمل تقلب نظراته المشتاقة للعودة لحياته السعيدة الخالية من الأوهام والأحزان والأحلام الواهية، تأملته وهو ينظر للحظات الغروب وعناق الليل بحمرة الغسق وأعلم جيداً فيما سوف يفكر، وكيف ينزع هذا الخنجر المغروس في قلبه، وكيف يوقف نزيف الآه، أحاطت بي الحيرة، هل يستطيع الخروج من هذا الليل الذي يحاصره بأشباح تلفظ الذكرى لتشيع الضجيج في أرجاء عقله الواهن؟ في الحقيقة هو ضحية للظروف التي جعلته ينزف معاناة ولأنه في الحقيقة الأخرى لا يعرف للحياة عنوان.

ramadanalanezi@hotmail.com

ramadanjready @

مقالات أخرى للكاتب