Wednesday 27/11/2013 Issue 15035 الاربعاء 23 محرم 1435 العدد
27-11-2013

تلك الأيام

يا لتلك الأيام..!

كم كانت تفيض شحوبًا وغموضًا.. ما بين جفاف العاطفة وغياب الوعي لما يحدث حولنا..

لم أكن أعاني كثيرًا من صعوبة قدرتي على الحفظ، بل على العكس كنت أتفانى في حفظ آيات القرآن ونصوص المطالعة لاستظهارها وقراءتها في اليوم التالي على المعلمة، لكن فرحتي بذلك الإنجاز سرعان ما تغيب وأفقد بهجتها بسبب ما يحدث لرفيقتي المجاورة لي حيث أعيش معاناتها جميعًا، تعثرها في التهجئة والقراءة، وحصارها وذلك الصراخ في وجّهها، لكن لا حيلة لي سوى التأمل بصمت حتَّى أخالني أكاد أشاركها البكاء..

لطالما كانت تخطئ وتخفق في تهجئة آيات القرآن وكلمات المطالعة.

لاتزال أحداث تلك الحقبة مرسومة في ذاكرتي بكلِّ غموضها ومرارتها وأفراحها المختلسة، كان ذلك في سنتي الثانية الابتدائية، هذا يعني أنني لم أكن أتجاوز الثامنة من عمري يومها..

أما معلمتنا “الشامية” التي كانت تدرسنا القرآن والمطالعة، فقد كانت حريصة، دقيقة جدًا، سريعة الغضب والعصبية لا تحتمل خطأ ولا تتسامح بسهولة مع من يتكرّر خطأها، وهي إضافة إلى مزاجها العصبي، كانت تعاني مشكلة في الصدر وعليه فهي لا تحتمل رائحة الغبار..

كان المدخل الذي تطل عليه فصولنا أشبه بالبهو، لم يكن ضيقًا حسب رؤيتي الطفولية، لكن كانت أرضيته الإسمنتية تعاني تصدعًا وتتَضمَّن بعض الحفر مما يجعل الغبار يتطاير عند عملية التنظيف التي كانت تتم بالمكنسة التقليدية العادية فيملأ الغبار الهواء، عندها تطل خديجة (معلمتنا) من الباب وتقول للعاملات بصوت عالٍ وبلهجتها الشامية:

(ليش عم تنظفوا هلّق، حبكِت، إيه.. هلكتونا بهالغبار؟! طيب رشوا ميّ)

دائمًا كانت تحتج.. لماذا يتم التنظيف أثناء تقديم الحصص ولماذا لا يتم التنظيف بالماء بدلاً من هذا الغبار، تقول ذلك وهي تسعل وتتأفف، مرة تقولها بحزم وشدة ومرة تستخدم كلمات لطيفة متودّدة إليهن بألا يفعلن، ثمَّ لا تنسى أن تذكر الله وتستغفر مرارًا.. وبالرغم من ذلك تعود العاملات إلى العملية ذاتها مرة بعد أخرى، لم يكن التنظيف يتم يوميًا، لكنه حين يتم تحدث عاصفة من الغبار والتأفف والضجيج..

ثم تدلف (خديجة) مرة أخرى إلى الفصل لتستأنف الدرس. وربما لمتابعة تقريع إحدى التلميذات، غالبًا تكون هذه التعيسة الحظ رفيقتي (ميم)، فأنا لا أتذكر بأن هناك زميلة أخرى أخذت نصيبها من التأنيب والصراخ أكثر من هذه المسكينة!

حتى جاء ذلك اليوم الذي كان سيئًا جدًا، ليت رفيقتي ميم بقيت في بيت أهلها ولم تحضر، كان حضورها في ذلك اليوم وبالاً عليها حيث لم تكن قد أجادت قراءة القرآن والمطالعة وكانت المعلمة بكلِّ غضبها وعصبيتها هناك لها بالمرصاد.

- يتبع -

مقالات أخرى للكاتب