Wednesday 27/11/2013 Issue 15035 الاربعاء 23 محرم 1435 العدد
27-11-2013

أي غبار هذا..؟!

المتأمل في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سباب المسلم فسوق, وقتاله كفر».. وذهب يدل عن معاني الفسوق, ويقف عند عاقبة الكفر, وقارن وضع البشر على الأرض، وفيهم المسلم على حال ما هو عليه، ودلالات الفسق، وعقوبة الكفر, لأصيب بالخوف, وتملكه الحزن, وغشيته الخشية..

إذ سب المسلم من غير المسلم فسوق، فكيف حين يكون سبه من مسلم نظير؟..

أي درك أسفل بلغ تردي الناس من الفاسقين، نراهم، ونسمعهم وهم قد أشاعوا السباب, بدعوى حرية الرأي، وذاتية التعبير..

إلى جانب أن المسلم لم يعد من يقاتله عدواً زاحفاً, ولا سارق طارف, وإنما أصبح يقاتله عضواً في جسده، ولا يشتكي له، بل منه..!..

انقلب ظهر المجن بالإخوة الأعداء.., وحمل قاموس لغة «الفسوق» ما استجد, واستحدث من مفردات، باتت جارية على الألسن, لا تستحي منها المروءة, ولا تقف عند ضابط الأخلاق، ولا يخجل منها المنفلتون بها عن الطوق..

بمثل ذلك وأكثر هانت الأرواح، ورخصت كما يشهد الجميع في معارك المسلمين بعضهم مع بعض..

والمتأمل في الأسباب يجدها غلبة «الدنيا» على «الآخرة» عند الفاسقين من المسلمين، وكذلك القاتلين منهم.., فهي المنطلق, وقطب الدائرة, ومرتكز الرحى لكل الذي استمرأه هؤلاء..

وأصبحت هذه الحالة تقلق.. يتفكر فيها الجاهل، والعالم, والمهمش، ومن في الصدارة, ومن يخبز الرغيف، ومن يحرث للوردة, من يركب الطائرة، ومن يرتجل طريقه, المريض الذي لا يرجى شفاؤه, والمعافى يدك الطاولات بقبضته, الكتَّاب، والمحاورون،و الصامتون..

اللافت في هذه الأجواء أن غبارا من غبارها قد لحق بأهلنا..

نجدهم تناكبوا فاختلفوا, وتطلعوا للسبق فتناحروا..

بث في نفوسهم سوء الظن جذوته, فاشتعلوا..

يتقاتلون بالسباب المعلن على الأشهاد، وإن تغلفت الكلمات بألوان..

ويلمزون، يشكون، ويولولون, يضخمون الشكوى، ويتذمرون بلا روية، لا يعجبهم كما يقال»العجب», ولا يرضيهم شيء..

وفي هذا سلوك ظهر إن لم يستجد، ساعدت عليه وسائل النقل، والنشر, والتواصل, ومتاحات حريتها, وتمكينها من أوسع نطاق..

ودخلوا في زمرة «الفسوق»، ذلك لأنهم يثيرون الحنق, ويؤججون السخط, ولا يعملون بمثل ما يتكلمون, ولا يحسنون بمثل ما يسيئون..

ظهرت أخلاق غير التي كانت ترجى في هؤلاء الكثرة, بعد أن تمكنوا من وسائلها السرعة والإمكان..

ثم.. ماذا بعد..؟ أهو صحيح صائب هذا السلوك النافر الحانق العدواني المتذمر..؟! أليس هناك ما يفرح ويبهج ويلطف النفوس هذه..؟

ثم.. ألا يعرضون أنفسهم على مقياس رسول الله صلى الله عليه وسلم, فيجعلونه قاعدة لما يقولون, ويفعلون، يكتبون ويتحدثون.. لينجوا من مهلكة الفسوق..؟

ثم.. أولئك الإخوة الأعداء من المسلمين المتقاتلين ألا يفعلون المثل لينجوا من درك الكفر..؟

أم على قلوب أقفالها..؟!

ثم.. ألا يتفكرون في نهج، وهدي محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم: «إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت, يكتب الله عز وجل له بها رضوانه إلى يوم القيامة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى, ما يظن أن تبلغ ما بلغت, يكتب الله تعالى بها عليه سخطه إلى يوم يلقاه»..

ألا يتفكرون فيخشون, فيتحرون سلوك المؤمنين فيما يقولون كما فعل من اهتدى، وفيهم نمثل بعلقمة أحد رواة هذا الحديث حين قال: «كم من كلام منعنيه حديث بلال ابن الحارث»..؟ ابتعاداً عن اللغو، وامتثالا للهدى، وترفعاً عن الفسق، وخشية من المهلكة..,؟! وسواه وسواه.. ولقد وصف الخالق العظيم المؤمنين بأنهم «عن اللغو معرضون» في سورة «المؤمنون» حيث قال جل من قال: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ}.

فكم من كلمة «قالت لصاحبها دعني»، وهو لا يتفكر بأنها ستكبه في نار الكفر، أوفي نار الفسوق..!!

ربما تكون الحاجة ملحة لسؤال الله تعالى أن يجعل الجميع برداً وسلاماً على بعضهم, وأن يرزق المسلمين خشيته, وقناعة تدفعهم للعمل لا للكلام.. وللفرح بالنتاج لا بالسخط على الآخر, وبالإيثارالصادق, ليخوضوا في العطاء، والتفاعل، والإنجاز, وتصحيح أخطاء قصور، وسهو غيرهم وأنفسهم بالرفق والجد.. وسعة الصدر، والإيمان المطلق بأن الكمال من صفات الله تعالى وليس البشر.

عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855

مقالات أخرى للكاتب