Wednesday 04/12/2013 Issue 15042 الاربعاء 30 محرم 1435 العدد
04-12-2013

الخوف على المستقبل يكمن في الداخل

وجد الغزاة في العراق وسوريا وليبيا ثلاث بيضات رخوة في الداخل وتشققت قشرتها الخارجية، فكسروها بسهولة وسيحوها. حين يتسلل الثعبان أو الورل أو حتى الوزغ، إلى عش بيض، يشمشم أولا بين البيض ثم يختار بيضة بعينها، يعرف أنها لن تقاوم أسنانه وفكيه ليلتهمها بسرعة. رخاوة البيضة من الداخل تدل على تفكك الروابط العضوية بين مكوناتها، وليس على وجود كتكوت على وشك الخروج. الكتكوت القابع داخل البيضة لا يمثل وجبة دسمة للزواحف المفترسة، لأنه يكون قد تحول من بيضة ممتلئة بالمواد الدهنية والبروتينية إلى كتلة من الريش والعظام الهزيلة لا تمثل قيمة غذائية.

الزاحف المفترس، وهذه حقيقة بيولوجية، يترك البيضة الموشكة على التفقيس بالرغم من تشقق قشرتها الخارجية، ويختار البيضة الهشة التي ارتخت مكوناتها الداخلية وتشققت قشرتها الخارجية في نفس الوقت بسبب الغازات المنبعثة من داخل البيضة.

العراق وسوريا وليبيا كانت بيضات رخوة الترابط في محتوياتها الداخلية وهشة متشققة في القشرة الخارجية، وكل بيضة بهذه المواصفات لا تسلم من الافتراس.

بعد هذا التمثيل البيولوجي للدولة بالبيضة، لابد من البحث في أسباب رخاوة الداخل وتشقق الخارج، كعاملين أساسيين لتسهيل الكسر والالتهام. رخاوة الداخل في البيضة سببه مكروب وجد طريقه إلى داخلها، إما بالتسلل عبر أحد الشقوق في القشرة الخارجية، أو لتواجده كامنا بداخلها منذ البداية، أي أنه كان جزءا من محتوياتها الداخلية. هذا المكروب يستغل المادة الغذائية داخل البيضة وحرارة الأم الحاضنة للعيش والتكاثر. النتيجة هي تحلل الروابط العضوية بين الجزئيات الغذائية وانبعاث غازات التفاعل محاولة الانتشار إلى الخارج، فتتشقق القشرة أكثر وأكثر، وهكذا يحدث الانجذاب الكيميائي للزواحف نحو عش البيض بكامله، لأنها تشم روائح الغازات المنتشرة من البيضة الفاسدة عن بعد.

أسباب ارتخاء الدول وتشقق قشرتها الخارجية ليست ميكروبية، لكنها تخضع لنفس المبدأ، وهو الارتخاء والتحلل في الداخل. عوامل إفساد الدول من الداخل عديدة ومتنوعة، وتكاد تكون هي نفسها في كل حالة: ضعف العدالة لصالح الطبقية، ضمور الانتماء الوطني لصالح الفئوية، غياب التدين الميسر لصالح المذهب المضيق، وتواجد أعداد كبيرة من البشر داخل البلاد لا ينتمون إليها أصلا ولم يدخلوها بطرق نظامية، أي أنهم فاعلون مجهولون. الأسباب الثلاثة الأولى أدت إلى انهيار العراق وسوريا ولبنان، والرابع سبب إضافي تحتكره دول الخليج العربي.

جميع الدول العربية الغنية حاليا، وهي دول مجلس التعاون الخليجي وأهمها المملكة العربية السعودية، تختزن بداخلها جميع الوصفات الأربع المذكورة المسببة للارتخاء والتشقق. يجب ألا نخدع أنفسنا أو يلجمنا الخوف والنفاق عن مواجهة هذه الحقائق والتعامل معها. الدول العربية التي خربها الفساد هي من دول الجوار، والحدود بيننا مشتركة، والزواحف المفترسة هي نفس الفصائل.

للقضاء على ميكروبات الداخل، سواء كانت بذرية التكوين أو دخلت بالتسلل عبر الشقوق، نحتاج إلى تركيبة فعالة ومختارة بعناية من المضادات الحيوية وأساليب الوقاية.

بالمفهوم السياسي لا يوجد في كل دولة سوى طبيب واحد، هو حاكم هذه الدولة، ومن أهم واجباته الاختيار الأمثل لاستشاريي علوم الدواء والغذاء.

الميكروبات لديها قدرات هائلة على تكوين مناعات ودفاعات جديدة، أقوى من السابقة، تستغلها عندما تفشل خلطة العلاج الأولى. أما فحيح الزواحف المفترسة فنسمعه عبر الحدود وعلى الفضائيات دون انقطاع، لكن الخوف الحقيقي ليس منها، بل من الداخل.

- الرياض

مقالات أخرى للكاتب