Wednesday 18/12/2013 Issue 15056 الاربعاء 15 صفر 1435 العدد
18-12-2013

يتقزَّم هذا الإنسانُ...!!

عظمة العظيم.., وقدرة الرحيم.., وحكمة الصنع البديع, في اجتماع النهر الممتد بصفاء مائه, والسماء الممتدة بجلاء فضائها, والأرض المنبسطة بانسياب رملها.., والطير يتنقَّل من شجرة لأخرى, ينزل تارة يلتقط الحبوب, وأخرى يتذوَّق من ثمر الأغصان الخضراء يقصدها في انتشاء, أو يجوب الفضاء يستعرض مواطن جماله, ويتفقد كمائن البهجة في فجر شتائي لما بعد فتحت الأبواب فيه واتبادلت الخطى دروبها.. فيه المقاعد المصفوفة بترتيب بشري أمام دور أصحابها تخلو منهم, وتنفرد بالطبيعة التي تحتويها..,

فثمة فجر يوقظ في الأوابين ضمير خشوعهم.., وفي الكادحين ضمير حاجتهم.., وفي الذوّاقين ضمير استلهامهم..

هذا الفجر يسدل على أكتاف فضائهم شالَ بصيصِ نورِه المتلألئ برونق فضته..,

والشمس لما بعد تخرج من مكمنها.., ونسائم باردة تنطلق من آمادها تمرر كفوفها المنعشة على وجه صباحهم تغسله من سكون الليل الذي اختبأ.., وتهيئهم ليقبلوا على حركة حياة تبدأ معهم يومهم.. في هذا الكون الخلاق من صنيع الخالق العظيم, تقرأ آيات الإيمان.., وتتلو يقينه..!!

تمرر كف يدك على صدرك..

تستوعب كمية كبيرة من الهواء المنعش, تدسها في صدرك.. ثم تدورها في جزيئات جوفك.., ثم تخرجها وقد غسلته من أدرانه.., ونكده,..ودكنته.., أو زادته نوراً.., وطهراً.., واطمئناناً.., ونقاءً..!! فالشعراء مثلاً, وعلماء الطبيعة كذلك لم يقصِّروا على مدى المشافهة.., والتدوين في وصف فجر مثل هذا الفجر,.. لا, ولم يتأخروا عن تنطيق تفاصيل طبيعة ملتحمة بخيوط جمالها, وألفتها, وتداخلها, وألقها, وامتزاجها.., بل مزاجها المتناغم.. لكنهم نسوا أن يقولوا إن هذه الطبيعة لم تتوقف عندهم, بل هي تتوالد, وتثرى بانتظام.., تدوم, وتعطي بلا نضوب.., إذ لم تكن لهم وحدهم..!

فهي في ديمومة ما شاء لها ربُّها لا تتأخر عن القادم إليها من البشر.., بمثل ما لم تبخل على من مضى منهم عنها.. سرمدية في بهائها.., معطاءة لا تنضب عن جريان سيرورتها.., لها مع كل الناس وقفات.., ومواقف.., أثر, وتأثير.. تمنحهم وجبات من جمالها, تفتقها في مدى إصباحهم,... وتمد بها إليهم أطباقاً مشبعة, وملهمة للذائقة فيهم..!!

الطبيعة حين يجتمع فيها عباقرة الجمال الماء.., والسماء.., والأرض.., الصباح.., والليل.., الشجر.., والطير.., والبرد.., والنسمة, فإنها تنزع بالإنسان المتفاعل معها نحو استلهام كوامن الحس فيه, ومشاعر الإحساس بها, فيسمو,.. بل يتطهر,..

بل تتجدّد فيه الحياة..!!

في حين يتقزَّم تماماً أمام امتدادها, وسطوتها, ومهابتها, وجمالها..! بل دأبها في العطاء.., وديمومتها في الثبات..!

عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855

مقالات أخرى للكاتب