Thursday 19/12/2013 Issue 15057 الخميس 16 صفر 1435 العدد
19-12-2013

درس ساخر في العنصرية!

من المثير للسخرية أن المفكرين الذين نظروا لحرية الأسواق واعتماد المنافسة الكاملة من أجل الكفاءة طرحوا بذور تلك الأفكار في بيئة كانت تتلظى بالعنصرية العرقية المقننة، التي لم تنته أقسى صورها وهي العبودية إلا في ربيع عام 1865م في الولايات المتحدة الأمريكية، حينما استسلمت الجيوش الكونفدرالية. لن أبدأ هذا المقال بما يطرحه بعض مفكرينا ومثقفينا من تحميل وزر العنصرية للغرب والشرق لإخراج مجتمعنا من آثامها وتطهيره من مسؤوليتها، فالحقيقة أن العنصرية المقنَّنة موجودة في كلِّ مكان وزمان بأشكال مختلفة، فنموذج الرجل الأبيض المتفوِّق عرقيًّا على الأجناس، الذي ما تزال جذور الوعي به متأصلة في كثير من بلاد الرجل الأبيض، كان مستندًا إلى بحث علمي للعالم البريطاني العنصري (فرانسيس جالتون)، الذي يؤكِّد أن هذه الفروق ليست مصطنعة، بل إنها في طبيعة العنصر البشري ما يكشف أن العلم كان السند الأبرز في دعم العنصرية!

* * *

حارب الغرب الذي اكتوى بنار العنصرية عقودًا كافة أشكالها وجرَّم ممارساتها وعزَّز في أنظمته التربويَّة كل أشكال ووسائل محاصرتها لكنه لم يستطع أن ينزعها من قلوب الكل، فقد يراها الراصد في سلوك أو موقف عابر، وقد رصدت بعضًا منها أثناء دراستي في بريطانيا قبل عقد من الزمان.

* * *

قبل أيام قالت لي ابنتي الصَّغيرة جود: إن زميلاتها في المدرسة لا يتحدثن مع إحدى الفتيات؛ لأن أمها التي زارت المدرسة لم تكن سعودية!!!... تعجبت كثيرًا من أن يسود هذا المنطق لدى أطفال لم تتجاوز أعمارهن السادسة.. هل يمكن أن نقرأ الموقف في سياق عبث الأطفال؟! أم أنّه موقف انعكاسي لسلوك الأسرة تجاه الآخرين.. أم أنّه فشل المدرسة في غرس شعور المساواة لدى منسوبيها.. ألم يحن الوقت لمحاصرة العنصرية والمناطقية التي استشرت حتى داخل إطار البلد الواحد بمشروع وطني يبدأ من محاضن التربية والتعليم مروراً بأماكن العمل والإنتاج وليس انتهاءً بكل فعاليات ومناشط المجتمع؛ فالتصنيفات تفرّقنا منذ بداية تكوين الأسرة بالزواج وحتى تربية أبناء الجيل الجديد... المثير للسخرية والذي لا يقل عن السخرية في بداية المقال: إن عددًا من أبناء وبنات أساتذة وأستاذات جامعات يدرسون في هذه المدرسة!

عبر تويتر: fahadalajlan@

مقالات أخرى للكاتب