Sunday 22/12/2013 Issue 15060 الأحد 19 صفر 1435 العدد
22-12-2013

قضيب من أراك

يُعدّ حب المال سمة أصيلة في كل بني البشر، بل يُعدّ من أشدها شراسة وملازمة، وهذا أمر بدهي؛ لأن للمال سطوة بالغة، ورغبة جامحة، وجُبل الناس كلهم على حب المال، تشتهيه النفوس، وتسعى جاهدة في تحصيله، قال تعالى: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا}. وللناس في جمع المال وتحصيله العديد من السبل والسبل، ومن نعم الله على عباده أنه بيَّن لهم حدود الحلال من الحرام، فسبل جمع المال الحلال بينة واضحة، وسبل جمع المال الحرام بينة واضحة، ولا يشتبه الأمر إلا على ذوي النفوس المريضة، والذمم الفاسدة، والأخلاق الدنيئة الرديئة.

ونظراً لما يعتري إيمان البعض من ضعف ونقص، ولاستحالة سيطرة أجهزة الرقابة والمحاسبة على الممارسات المالية في كل الدوائر الحكومية، ولاستحالة ضبط إجراءات صرف المال العام، ولسهولة اختراقها، ولغلبة شهوة المال وسطوته، لم يعد البعض ـ أخص الذين ماتت ضمائرهم ـ يأبه بنهج أي وسيلة يراها أمامه، أو فرصة تلوح؛ إذ يعدها غنيمة سانحة، ولكونه الأقدر عليها فهو الأولى بها؛ لذا ودون تردد سرعان ما يمتطي صهوة شيطانه، يمد يده، ويسخر كل طاقاته وإمكاناته، وحيله وأدواته، لحلب البنود، مستغلاً مكانه ووظيفته ونفوذه، وقدرته على التجاوز والتغاضي عن أوجه النقص والتأخير، وتكييف الشروط والضوابط والمعايير، فهؤلاء يعرفون من أين تؤكل الكتف.

توجد هذه الفئة من عبدة الدرهم والدينار في بعض الأجهزة الحكومية، وهم معروفون بثرائهم الفاحش والسريع الذي لا يتوافق مع دخل مرتبة الوظيفة التي يشغلها الموظف، وإنما يتوافق مع طبيعة عمل الوظيفة واختصاصها وصلاحياتها. ومن المؤسف المؤلم أن هؤلاء يعرفهم رؤساؤهم، ومع ذلك لا يحركون ساكناً تجاه كف أيدي هؤلاء الفاسدين، ولا ينكرون عليهم منكراً بالنصح أو بتغيير المواقع أو حجب الصلاحيات وتحجيمها.

ولهذا لعل هؤلاء الذين كبرت بطونهم من الإكثار من أكل المال العام، وصغرت مقاماتهم أمام أنفسهم وأمام الآخرين، بسبب تعمد تجاوز الأنظمة واختراقها، وغض الطرف عن ضبط سير المعاملات التي ائتُمنوا عليها، أن يتذكروا قول الله تعالى: {وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}، وأن يستوعبوا حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ إذ قال: “قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره ثم قال: لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء يقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة فيقول يا رسول الله أغثني فأقول له لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء يقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح ـ أي الرقيق ـ فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق ـ أي ثياب ونحوها ـ فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت ـ أي الذهب والفضة ـ فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك” رواه الشيخان. وعن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار. قالوا وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله قال: وإن كان قضيباً من أراك، وإن كان قضيباً من أراك” قالها ثلاثاً.

فيا أيها الذين تسعون في جمع المال بالسبل الملتوية المحرمة، اعلموا أنكم لو حيزت لكم الدنيا كلها فماذا بعد؟ لا شيء، سوف تفارقونها، ولن تغني عنكم من الله شيئاً؛ لذا فهل بعد هذا التحذير المؤكد من رسول الله صلى الله عليه وسلم على بشاعة مد اليد على المال العام دون حق من نذير؟ هل بعد هذا من تخويف؟ قفوا مع أنفسكم، وتخلصوا مما مددتم أيديكم عليه من المال العام دون وجه حق، قبل أن تورثوه ناراً تشتعل حتى قيام الساعة.

اللهم اغنينا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك.

abalmoaili@gmail.com

مقالات أخرى للكاتب