Sunday 22/12/2013 Issue 15060 الأحد 19 صفر 1435 العدد
22-12-2013

مصر على مفترق طرق

حدَّد الرئيس المصري المؤقت «عدلي منصور» يومَي 14 و15 من يناير المقبل ليكونا موعداً للاستفتاء على دستور مصر الجديد. جماعة الإخوان بدؤوا شحذ همم كوادرهم وتنظيم صفوفهم لإفشال الاستفتاء، وخلق حالة من الاضطرابات والاحتجاجات خلال يومي الاستفتاء ليثبتوا للعالم أن أغلبية المصريين ما زالوا يؤيدونهم، وأن الجيش اغتصب الشرعية منهم بإسقاطه للرئيس الإخواني المنتخب. المؤيدون للثورة المصرية الثانية - كما يسمونها - يؤكدون أن هذا الاستفتاء هو الاختبار الأول لقياس مدى شعبية ما أقدم عليه الجيش، وأنها ستقطع الشكوك التي يُثيرها الإخوان، ويجزمون بأن نسبة المشاركة والتصويت بـ(نعم) ستكون مرتفعة. في حين أن الإخوان يُراهنون على أن الهزيمة الأولى لقوى (الانقلاب) ستكون في يومَي 14 و15 من يناير، وسوف تُثبت بالدليل القطعي أن أغلبية المصريين ما زالوا يؤيدونهم.

أغلب الظن أن الإخوان سيخسرون ولن يستطيعوا إفشال الاستفتاء؛ فلا يمكن لمراقب موضوعي أن يُغفل مدى تراجع شعبية الإخوان في مصر بشكل كبير وواضح، كما لا يمكن إغفال أن السلفيين المُمثلين في (حزب النور) قد أعلنوا الطلاق بينهم وبين الأخوان، وانضموا إلى مسيرة الثورة الثانية، وأعلنوا أن قواعدهم سيصوتون بنعم للدستور الجديد. وقد كان السلفيون من أهم داعمي «محمد مرسي» للوصول إلى كرسي الرئاسة. إضافة إلى أن أغلبية قيادات الإخوان من الصفين الأول والثاني معتقلون، كما أن هناك انشقاقات مؤثرة في صفوف الإخوان، ولاسيما من شبابهم. كل هذه العوامل لا بد أن تنعكس على قدراتهم في حشد المناوئين للاستفتاء. ربما أن فلولهم سيتمكنون من إثارة بعض الشغب والمماحكات هنا وهناك أثناء الاستفتاء، إلا أنها لن تصل - في تقديري - إلى درجة إفشال خطة الطريق، أو ستؤثر سلباً في ارتفاع نسبة من سيصوتون بنعم على الدستور الجديد.

غير أن نجاح الاستفتاء، وكذلك الخطوات اللاحقة في خطة الطريق، لا يعني أن القضية حُسمت، وأن جماعة الإخوان خرجوا من منظومة القوى المؤثرة في الشارع المصري إلى الأبد. نجاح حزب جماعة الإخوان في الانتخابات الأخيرة لم يكن لقوة برامجهم، وليس لأنهم يطرحون طرحاً سياسياً واقتصادياً متميزاً بقدر ما كان نتيجة لأنهم الأفضل تنظيماً بين الأحزاب المصرية، وكذلك لفشل كل من حكموا مصر بعد سقوط الملكية عام 1952 في تقديم حلول تنموية قادرة على انتشال الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية من حالة الوضع الاقتصادي المتفاقم التي يعاني منها المصريون، فلجؤوا إلى الإخوان ومن انضم تحت لوائهم من تيارات الإسلام السياسي عسى ولعل أن يكون لديهم البلسم الذي يُعالج أمراضهم الاقتصادية والاجتماعية المزمنة، وعندما جربوهم وجدوا أن العصا ليست أخت العُصية فحسب، وإنما أسوأ وأخطر وأردأ، فتدفقت ملايين المصريين إلى ساحات المدن المصرية وشوارعها تُطالب الجيش بالتدخل وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

مَن ستأتي به الانتخابات المقبلة هو الذي في يده حسم الموضوع بشكل نهائي إن استطاع أن يُقدم تجربة تنموية قادرة على صناعة الأمل بغدٍ أفضل لدى المصريين؛ عندها سيتحول إلى الجنرال «بارك جونغ هي» الذي أسس في كوريا الجنوبية في أوائل الستينيات من القرن الماضي تنمية اقتصادية متميزة بهرت العالم ولا تزال، بعد أن كانت تقبع في ذيل الاقتصادات الآسيوية، تئن من التخلف والاضطرابات السياسية، فأصبحت بسبب الخطط التنموية التي أسسها هذا (الجنرال) الفذ ثالث أقوى اقتصاد في آسيا.

نجاح تجربة مصر بعد جماعة الإخوان لا يهم مصر وحدها، وإنما يعني كل دول المنطقة، فإذا استطاع المصريون أن يُقدموا تجربة (وطنية) تنموية ناجحة ستنعكس - بلا شك - على كل دول المنطقة؛ إذ ستُقصي كل من يلعبون على وتر العواطف والماضوية، وخرافة أن حلولنا الحضارية يجب أن تكون ذات (خصوصية) تختلف عن كل دول العالم، وأن هذه الحلول لن تقوم لها قائمة إلا إذا اتكأت على تراثنا ومقولات من مضوا واستمدت منهم خارطة الطريق، وكيف تكون التنمية.

إلى اللقاء.

مقالات أخرى للكاتب