Tuesday 24/12/2013 Issue 15062 الثلاثاء 21 صفر 1435 العدد
24-12-2013

زجاج المسؤولين المعتم!!

في مدينة شيكاغو، جلست فتاة بجانب رجل في حافلة عامة، وجرى بينهما حديث حول البطالة، وبدت الفتاة ممتعضة لأنها لم تجد عملا برغم مؤهلاتها وخبراتها، إلا أنها لم تيأس وهي بصدد البحث عنه! وحينما لمس الرجل رغبتها الجادة؛ ما كان منه إلا الاتصال بإحدى الشركات ليتوسط لها بعمل يناسبها بحسب مؤهلاتها!

تبين فيما بعد أن ذلك الرجل هو محافظ شيكاغو ثالث أكبر مدينة أمريكية، الذي يصر على استخدام سيارة النقل العام لاستناده على رأي يحمل سمو القيم الأخلاقية وهو أنه لن يتمكن من معرفة هموم الناس وهو يركب سيارة معتمة الزجاج!!

والحق أن هذا الخلق الرفيع واستشعار المسؤولية هو بالأصل خلق إسلامي؛ حيث إنه في صدر العصر الإسلامي لم يعرف الخلفاء والولاة الزجاج المعتم ولا الرفاهية المفرطة! بل كانوا لا يأكلون طعاما لا يستطيع الحصول عليه باقي الناس ولا يلبسون لباسا أفضل منهم!

وفي تاريخنا الإسلامي المجيد كان الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتفقد رعيته ليلا، ولعل قصته الشهيرة مع تلك المرأة الفقيرة التي تحلق حولها أطفالها بانتظار الطعام الوهمي الذي تشغلهم به حتى يغشاهم النوم؛ دلالة على أن من يشغله همّ أمته لا يستمرئ النوم ولا تطيب له الراحة وشعبه يعاني القسوة والمرارة. فلم يكتفِ الفاروق عمر بتفقد أحوال الناس ومن ثم إسناد مهمة التقصي عنهم على بعض الموظفين، بل بادر بإحضار الدقيق من مخازن الدولة وحمله فوق ظهره وقام بالطبخ ونفخ النار لحين نضج الأكل وإطعام الصغار والتأكيد على المرأة بالحضور لأخذ ما يكفيها من بيت مال المسلمين شعورا منه بالمسؤولية تجاهها وأبناءها الفقراء!

وحينما حلت النعمة وطغت الرفاهية على العالم اليوم نسي بعض المسؤولين الدور المناط بهم وما يتطلبه المنصب من اقتراب للناس وتلمس احتياجاتهم ومشاركتهم همومهم! فلم يُعهد من وزير أن امتنع عن طعام ارتفع سعره أو سلعة تجاوزت حدها؛ بل إن المناصب تحولت لتشريف ورغد وليست تكليفا ومشقة! ولو جرب أحد المسؤولين استخدام النقل العام أسوة بمحافظ شيكاغو لتضاءلت البطالة وربما رخصت أسعار المساكن والأغذية وتحسنت أحوال الصحة والتعليم! بل ولتقلص الازدحام بالشوارع حيث سيكون المسؤول الكبير قدوة لغيره باستخدام وسائل المواصلات الشعبية من السيارات ذات الزجاج المخدوش أو المكسور!

يبدو أننا بحاجة لاستنساخ محافظ شيكاغو حتى في مدارسنا ومصانعنا ومستشفياتنا بعد أن عجزنا عن الاقتداء بعمر بن الخطاب!

rogaia143@hotmail.com

Twitter @rogaia_hwoiriny

مقالات أخرى للكاتب