Tuesday 24/12/2013 Issue 15062 الثلاثاء 21 صفر 1435 العدد
24-12-2013

التباكي على اللغة

ليس بالضرورة أن يكون للغة العربية يوم (نتباكى) فيه، ولا حفل نلقي فيه ما (دش) من الكلام وطاب، ولا أبحاث علمية لا نعرفها إلا في يوم عالمي اعتمدته اليونسكو، وليس ثمة داع أن تذكّرني بأهمية اللغة العربية، فأهميتها يعرفها الجميع، وإذا ما رحنا نذكّر بعضنا بعضاً بتلك الأهمية فإن ذلك مثل حال اثنين يذكِّران بعضهما باسميهما، كل منهما يذكِّر الآخر باسمه وهما صديقان متلازمان.

كان 18 ديسمبر الماضي يوماً للبكاء العالمي على اللغة العربية، وليس الاحتفال بها، ليس تجديد الفكر، وليس مراجعة المناهج، وليس تقييم حال اللغة بدراسات علمية، وليس .... كان مجرد لطم الخدود وبكاء العيون وشاطر ومشطور وبينهما طازج وغياب ( للفكر الخلاَّق) المنتج للغة.

كان يوماً تعرف من خطابه، أن المتباكين فيه يحملون فيه (فكراً تقليدياً) أنتج تلك اللغة التي يبكون بها، وينوحون بمفرداتها، ويقدمون بها (رد فعل) وقتياً يزول بزوال المؤثّر، يشبه إلى حد بعيد تلك العواطف الجيَّاشة التي تتناثر هنا وهناك عندما (تدلهم الخطوب بهم).

خطب رنَّانة وسوداوية ويأس، وجمل إنشائية وعبارات مكرورة ولوم للآخرين وجلد للذات، هي في مجملها امتداد لقصيدة حافظ إبراهيم (أنا البحر في أحشائه الدر كامنُ ... فهل سألوا الغواص عن صدفاتي) لا شيء غير التباكي و(الحلطمة) وشق الجيوب والنواح.

عندما تقرأ خطاب (يوم اللغة العربية العالمي) الماضي لا تعرف من كثرة التباكي إن كان يوماً (للاحتفال) أم يوماً (للتأبين) يوم هبَّ فيه الناس يكتبون ويقولون ويتحدثون وكأنهم يتذكَّرون للوهلة الأولى (لغتهم العربية)، أين أنتم قبل ذلك بأيام؟ هل لا بد من يوم (تعظّمون) فيه اللغة العربية بالكلام، وإذا ما انتهى اليوم رجعتم حيث أنتم؟ ما يجعلنا نقترح إلغاء هذا اليوم حتى لا تتكرر (السالفة) وتموت (النكتة) ونعود لعصور الانحطاط اللغوي.

العواطف لا تبني اللغة، والمشاعر لا تطور اللغة، والوجدانيات تبقى كذلك حتى يأتي من يجرحها لتنهال منسابة بلا عقل ولا منطق ولا فكر، و(الأيام العالمية) لا تؤسس للغة الأمم بقدر ما يؤسس (الفكر)، طور الفكر تتطور اللغة تلقائياً، اللغة نتاج الفكر وليس العكس.

وعلى مركز الملك عبد الله لأبحاث اللغة العربية أن يدرس هذا الخطاب لهذا العام عبر متخصصين في مجال (النقد الثقافي، والأنثربولوجي، والكتابات الحضارية واللغويين...) وتكون هي مادة العام القادم. أما إذا أرسلت (التعاميم) للمدارس مرة أخرى يذكِّرون الطلاب والناس باليوم العالمي ويقولون اجعلوا طابور اليوم للغة العربية ورتبوا محاضرات هنا وهناك عن اللغة، هنا يكون قد نحر (التعميم) ما تبقى من أمل وقضى (الإداريون) على اللغة العربية.

nlp1975@gmail.com

مقالات أخرى للكاتب