Thursday 26/12/2013 Issue 15064 الخميس 23 صفر 1435 العدد
26-12-2013

بُطلان خبر غرامات الأراضي بالدليل العقلي والعلمي

قد مرت فترة زمنية طويلة على تصريحات وزير الإسكان «التاريخية» في مقابلته مع المديفر، دون أن يتحقق منها شيء، مما تسبب في كثير من النتائج السلبية التي سبق وأن أشرت لبعضها في مقالات سابقة. والذي جذب انتباهي اليوم صدفة، خبر قديم نوعا ما، نقلته جريدتنا «الجزيرة» عن مصادر مطلعة بأن وزارة الإسكان أنها ستقوم بفرض غرامات على الأراضي الأكبر من 4000 متر تصل إلى 150 ريالا على المتر. وأن اللجوء إلى الغرامات بدلا من الرسوم والزكاة والضرائب هي لأسباب كذا وكذا، والتي يعرف الجميع أنها بسبب الخطاب الديني الذي حرم - مخالفا لهدي السلف وللدليل الشرعي - جباية الدولة لزكاة الأراضي كما حرم الضرائب. وكذلك بسبب البيروقراطية الحكومية الصرفة من جهة والبيروقراطية الشخصية التنافسية والأنانية بين الجهات الحكومية من جهة أخرى. وقد تفائل البعض بهذه الأخبار، بينما تلقتها الغالبية بعدم المبالاة أو بالسخرية.

وأعتقد بأن هذا الخبر إما أن المقصود منه هو إماتة أي مشروع مستقبلي لفرض زكاة أو ضرائب على الأراضي، أو أنه عار عن الصحة من حيث النية في تطبيقه لا من حيث كون أنه طُرح للنقاش ونحو ذلك، فهذا ممكن.

والأسباب التي تدعوني لهذا الاعتقاد هي:

1 - الخبر نقل أن اللجوء إلى الغرامات بدلا من الرسوم، بسبب كذا وكذا. ولفظ الرسوم ينصرف عادة بعدم تكرارها سنويا، بعكس مفهوم الضرائب. فإن كان المقصود بهذه الغرامات هو أن تكون غرامات مقطوعة وليست سنوية، فهذا يعني تحميل جزء منها على المستهلك أي المواطن. وأما حجم هذا الجزء، فهو يعتمد على العرض والطلب، بما يُسمى بالمرونة في علم الاقتصاد. (اقتصاديا مجرد تحول منحنى العرض لليسار). فلو كان القرار صحيحا، وطُبق القرار بهذا المفهوم، فستكون هناك زيادة معينة لمرة واحدة للكلفة الإجمالية للعقار على المشتري، وليس انخفاضا للكلفة. (فالسعر قد ينخفض بنسبة ما، ثم يضاف إليه الغرامة، فتكون الكلفة أعلى على المستهلك). ومن ثَم، تستمر الأسعار في حركتها تبعا لعوامل العرض والطلب بعيدا عن أثر هذه الغرامات ومحايدة لها، لأنها غير متكررة فتُحيد آثارها.

ولهذا، فإن كان المقصود بالغرامات هو أن تكون لمرة واحدة، فأثرها سيكون سلبيا على التاجر والمواطن وسيفشل هذا الاقتراح، وتُتهم الحكومة بمناورتها لتجميع الأموال بطرق ملتوية ولو على حساب المواطنين، وتُقبر بعد ذلك كل دعوى لفرض زكاة أو ضريبة.

2 - وبناء على ما ذكرته في الفقرة الأولى (وهو أمر من المستحيل أن يخفى على صُناع القرار اليوم بوجود الاستشاريين، إلا أن يكون مقصودا فعلا إماتة فكرة الضرائب والزكاة ويخفى عليهم أثره السيئ على سمعة الحكومة)، فإنني أعتقد - إن صح الخبر- بأن المقصود بالغرامات هو أن تكون غرامات سنوية من أجل أن تؤدي دورها في كسر الاحتكارية. فهذه ستُدخل كل الأراضي في العرض وبذلك سيتحمل التاجر كل الغرامة ويجبره على بيع الأرض بالسعر الذي يحدده الطلب ( اقتصاديا الغرامة السنوية تجعل منحنى العرض عموديا، وليس مائلا كالحالة الأولى مما يجعل المرونة هنا صفرا). والرسوم السنوية أو الغرامات السنوية هو مفهوم الضريبة في الواقع. وكون الوزارة استخدمت كلمة الغرامات بدلا من الضرائب فهو من أجل الالتفاف على البيرواقراطية وعلى الخطاب الديني، كما هي عادتنا منذ القديم، في تسمية الأشياء بخلاف حقائقها لتجنب مواجهة مشاكلنا المتأصلة. (كتسميتنا القانون بالنظام والبنك بالمصرف أو بمؤسسة النقد وهكذا، وهذا يخلق فوضى فهم وإدراك في أصل فكر العامة، مما يشرح كثيرا من التفكير غير المنطقي والساذج في مجتمعنا). فإن كانت هذه الغرامة متكررة، فهذه ضريبة عالية تصل إلى عشرين بالمائة وأكثر، إذا صح خبر 150 ريالا على المتر. وهذا كاف لإماتة المشروع، بعجز الملاك عن الالتزام به. فإن قيل: إن من يعجز يبيع أرضه، ثم طُبق هذا بصرامة عالية، فإن هذا سيسبب انهيارا عظيما في أسعار الأراضي، إلى درجة تخلق الفوضى في السوق العقارية والمالية، وتمتد إلى جوانب سياسية واجتماعية واقتصادية أخرى. ولذا فإن كان خبر 150 ريالا غرامة سنوية صحيحا، فهو مشروع لقتل مشروع زكاة الأراضي وضرائبها.

فهل يخفى هذا على صُناع القرار؟ لا يخفى عليهم بل ويستحيل ذلك. ولكن بتجاربنا القديمة قد تعلمنا أن المساندة والشعور برغبة التنفيذ لدى القيادة العليا، تجعل البعض يستهون الأمور، ويعتقد أنه قادر على التنفيذ بقوة السلطة. وقديما، تم فرض حوالي 30% ضريبة دخل على الأجانب فجأة، ثم أُضطر للرجوع عنها بعد يوم أو أقل. وحديثا، تطبيق ساهر ومن قبله السجن على السرعة. فمن يتجاوز بخمسة كيلومترات في الساعة كان يُسجن، ومن ثم جاء ساهر بنفس التطبيق لفترة حتى عدل عنها بعد ذلك، وكاد مشروع ساهر أن يفشل وينتهي بسبب ذلك. ومن الأمثلة كذلك، تصريحات وزير الإسكان الطموحة المستعجلة في مقابلته مع المديفر.

3 - وبناء على ما جاء في الفقرة الأولى والثانية، واعتقادي بإدارك صُناع القرار بما جاء في الفقرتين، وإيماني بصدق نواياهم في الإصلاح، فإنني أعتقد أن الخبر عارٍ عن الصحة أو عن تطبيقه بهذه الصورة. اللهم إلا إن كان القرار صحيحا، والغرامات سنوية، ولكنها بمعدل مقبول من أسعار الأراضي المُغرمة، فالقرار سينجح عندها في التطبيق وسيكون له أثر عظيم على كسر احتكارية الأراضي وحل مشكلة الإسكان وما يتعلق بها، ويحق للوزير عندها أن يقول «على شحم يا بن سالم ولا عاد تطري مقابلة المديفر».

hamzaalsalem@gmail.com

تويتر@hamzaalsalem

مقالات أخرى للكاتب