Thursday 02/01/2014 Issue 15071 الخميس 01 ربيع الأول 1435 العدد
02-01-2014

كيف تحافظ على منصبك بدون عناء!

المحاباة في بيئة العمل من أكثر الأشياء المحبطة لأولئك الذين يعتقدون أنّ إجادة العمل والإبداع طريق النجاح الأوحد، وهي ظاهره منتشرة في العالم، وليس خاصة ببيئة العمل السعودية، لكنني أعتقد أنها أكثر انتشاراً في المجتمع السعودي، بل تكاد أن تكون في بعض المؤسسات ظاهرة تستحق الرصد والتأمل، وذلك كسبيل لمكافحة تأثيراتها السلبية على الإنتاج في محيط العمل.

الاختلاف في المحاباة في بيئة العمل السعودية أنّ لها وجهان، أحدهما الشائع والمنتشر في بيئات العمل في مختلف البلدان، هي أنّ المدير التنفيذي يفضِّل موظفاً على آخر لأسباب غير مهنيه، فحسب مجلة فوربس وجدت دراسة قامت بها كلية إدارة الأعمال في جامعة جورج تاون أن 92% من المدراء التنفيذيين، شهدوا حالات عديدة من المحاباة فيما يتعلق بترقيات الموظفين ضمن شركاتهم، اعترف بعض ممن شملهم الاستطلاع، بأنهم كانوا طرفاً في عملية المحاباة.

عادة ما يقدم خبراء الإدارة نصائح لضحايا المحاباة أو المستفيدين منها عن كيفية التعامل مع نتائجها، وذلك لما لها من آثار سلبية على علاقة الزملاء وبيئة العمل، نصائح مثل أن يدرك المستفيد من المحاباة أنه بقبوله للمحاباة يثير حنق زملائه، لذلك عليه أن لا يقبل أن يكون في ذلك الموقع، وأن يسأل مديره عن سبب تفضيله له عن غيره برغم من وجود من هو أجدر منه، وأستبعد كثيراً أن تجد تلك النصيحة استجابة بين السعوديين، والسبب أنهم يتعاملون معها على أنها رزق قدره الله لهم، وأن الكفاءة ليست معياراً للمكافأة في بيئة تحكمها الأرزاق وليس الجدارة.

الوجه الآخر لها في بيئة العمل السعودية مختلف عن غيره لأسباب لها علاقة بالارتباط العكسي بين صاحب المنصب وبين إنتاجه، مثال ذلك أن يستمر بعض أصحاب المناصب في مواقعهم لعقود، برغم من أن إنتاجهم غير مجدٍ، بل سلبي جداً لدرجة وصول الخدمات في مؤسساتهم الإدارية إلى أسوأ مستوياتها، ومع ذلك هو مستمر في منصبه، ويفتح ذلك التناقض بين قيم الإنجاز وقرار الاستمرار في المنصب أبواباً للحديث عن أسرار ذلك الاستمرار، وقد يكون للبعض إنجازات غير محسوسة من قِبل الجماهير، ولكن هناك من أحدث إدارته السيئة أضراراً باهرة، ومع ذلك يستمر بكل ثقة في منصبه لفترات عديدة.

من أسرار استمرار بعض أصحاب المناصب في مواقعهم، أن بعضهم بمجرّد وصوله للمنصب يبحث مبكراً عن وسائل تجعل منه ثابتاً لفترة أطول، ومنها أن يستخدم نوعاً آخر من المحاباة أو الوجه الآخر على الطريقة السعودية، وهو أنه ما إن يصل للمنصب يحرص على معرفة موظفيه فرداً فرداً، وفتح ملف لكل منهم، يحدد من خلال ارتباطهم بالشخصيات المؤثرة، وأنّ عليه أن يكمل بحثه قبل موعد التجديد، ثم يبدأ استثمارهم في الوصول إلى أهدافه، من خلال التعامل معهم بمقدار مسافة البعد والقرب من أصحاب القرار، وقد يجد من بينهم من يوفر له عناء العمل الجاد، وما عليه إلاّ أن يضع في الوقت المناسب معروفاً في سلة كل صاحب قرار من خلال إرضائه عبر محاباة قريبه أو المحسوب عليه في محيط العمل..

يعتقد بعض هؤلاء أنه بإنشاء تلك الشبكة من الروابط بين موظفيه المتصلين مع أصحاب النفوذ، يستطيع الاستمرار للأبد في منصبه برغم من أدائه السيئ في إدارة المؤسسة، لكن يغيب عنه أنه من سلبيات تلك الطريقة التقليدية في المحاباة، أنه بمرور الوقت يصبح هذا الأسلوب الإداري معروفاً، ويكتشف الموظفون أن العمل والإنتاج ليس معياراً للنجاح في المؤسسة، وأنّ الاستثمار في علاقاتهم الوطيدة مع أصحاب النفوذ والقرار هو الأهم في الحصول على المنافع في المؤسسة، وأن عليهم العمل على البحث عنها بأي وسيله، ومهما كلف الأمر.

عندها يبدأ سباق من نوع آخر هدفه البحث عن علاقة مع نافذ من أجل التقدم في سلم المحاباة عند المدير، وعندها تبدأ معاناة من نوع آخر عند المدير العام، وهي اتساع دائرة المصالح والمحسوبية بين موظفيه، وبالتالي يصبح همه الأول إيجاد مناصب ومنافع لكل صاحب علاقة خاصة، وتكون المحصلة النهائية لتلك المغامرة انهيار بيئة العمل في المؤسسة، لكن ما يثير الدهشة أحياناً ولدرجة غير مسبوقة، أنّ بعضهم يستمر برغم من انهيار قيم العمل وأخلاقياته في المؤسسة ووصولها إلى الحضيض، والله المستعان.

مقالات أخرى للكاتب