Friday 03/01/2014 Issue 15072 الجمعة 02 ربيع الأول 1435 العدد

رجال في ذاكرة الرياضة : يوسف الطويل .. علاقته مع الاتحاد بدأت قبل 64 عاماً

«اللنجاوي» اختاره عام 1380 نائباً له .. والخُماسية أغلى بطولاته.!

إذا ذكرنا عمالقة نادي الاتحاد بجدة منذ تأسيسه في عام 1347هـ وحتى الآن، فيجدر بنا أن نذكر الوجيه الأستاذ يوسف بن محمد الطويل، -رحمه الله -..

- يوسف الطويل ابن الشيخ المصلح محمد الطويل الذي كان يسكن حارة الشام في جدة، وكان يتمتع بكاريزما الريادة في مجتمع تربى على الطيبة والخير والبر. ولذلك كان محمد الطويل -والد يوسف الطويل- رجلاً من رجالات المملكة، وكان يقصده الكثير من فقراء ووجهاء مدينة جدة، وكان الشيخ محمد الطويل يقضي حوائج الناس الذين يقصدونه ولا يرد أحداً.

- وفي هذا المناخ مناخ الريادة في مجتمع طيب خير، وفي بيت من بيوتات جدة العريقة تربى يوسف الطويل ونشأ وترعرع، وكان يوسف الطويل رجل أعمال من الطراز الفريد، كما كان أحد أبرز رجالات الحركة الرياضية في المملكة العربية السعودية.

- ولد يوسف الطويل في عام 1352هـ وتعلم في مدارس الفلاح بجدة ثم أكمل تعليمه في كلية فيكتوريا بالإسكندرية بجمهورية مصر العربية ثم حصل على البكالوريوس من الجامعة الأمريكية في بيروت، وبعد أن أكمل تعليمه عاد إلى المملكة وبدأ أعماله التجارية من ميدان البيعة بمدينة جدة الناعمة.

- ومنذ نعومة أظافره كان يوسف الطويل نجيباً وذكياً وطيباً، وحينما كبر وبلغ سن الشباب عشق يوسف الطويل الرياضة وأحب نادي الاتحاد وأغدق عليه من فيض خيره الشيء الكثير.

- وأول مباراة يشاهدها للاتحاد هي مباراة الاتحاد أمام الهلال البحري في عام 1370هـ وكان يتابع الاتحاد بصورة مستمرة، واعتبر نادي الاتحاد هو نادي المجتمع الجداوي العريق.

- وفي شرخ شبابه تقدمت عائلة يوسف الطويل إلى عائلة محمد نور شنكار تطلب يد إحدى بناتها المصونات، وكانت الموافقة فورية، وتزوج يوسف الطويل وأنجب ثلاثة بنات أولهن «جميلة» ، وكانت اسماً على مسمى، وكان يوسف الطويل يُنادى بـ «أبو جميلة»، وكان يعتز بهذا الاسم.

- طالبه جمهور الاتحاد ولاعبوه بأن يترجم حبه للاتحاد بالدخول في إدارته ودعمه إدارياً بالإضافة إلى دعمه المالي، وأمام إلحاح الجماهير الاتحادية لبى يوسف الطويل إلحاحات الجمهور ورشح نفسه للانتخابات وفاز بعضوية مجلس الإدارة لأول مرة في عام 1380هـ.

ناقر ونقير في الإدارة

من 8-2-1380هـ - 27-2-1381هـ

- عبد اللطيف لنجاوي رئيساً لمجلس الإدارة (رئيس شرف)

- يوسف الطويل نائباً لرئيس مجلس الإدارة

- فتحي أبو الجدايل رئيساً تنفيذياً

- صالح بن حمد سكرتيراً

- عبد العزيز متبولي أميناً للصندوق

- عبد الحميد مشخص عضواً

- أحمد باعيسى عضواً

- محمد حسن بكر عضواً

- ومازال منصب رئيس مجلس الإدارة في هذا التشكيل، يعني رئيس شرف النادي ، أما منصب رئيس النادي التنفيذي، أي رئيس النادي بسلطاته التنفيذية المعروفة، فهو من اختصاص فتحي أبو الجدايل وليس عبداللطيف لنجاوي، ومن أبرز قرارات هذا المجلس اتخاذه قراراً بإلغاء وظيفة «كابتن» الفريق الأول في كرة القدم.

- وواضح تماماً من قراءة أسماء أعضاء مجلس الإدارة الجديد أن هناك أسماء جديدة تدخل المعترك الرياضي لأول مرة، أبرز هذه العناصر فتحي أبو الجدايل وصالح بن حمد ويوسف الطويل.

- وهذه الأسماء الثلاثة تهمنا كثيراً، وبالذات الخلاف المستعر الذي نشب بين «ناقر ونقير» أي بين فتحي أبو الجدايل الرئيس ، وبين يوسف الطويل «نائب الرئيس».

- كما قلت طرفا هذا النزاع فتحي أبو الجدايل من ناحية ويوسف الطويل من ناحية ثانية، فتحي أبو الجدايل ينحدر من بيت أبو الجدايل أحد البيوتات العريقة في مدينة جدة، أبوه سعيد أبو الجدايل يتمتع بشعبية منادي الحكومة.. يعرف أخبار الحكومة من الحاكم قبل الناس، ثم ينقلها إلى الناس منادياً في الأسواق. ابنه فتحي أبو الجدايل فارع القامة، سحنته ناصعة البياض عيناه الغائرتان تضيفان إلى وجهه الوسيم غرور الشباب وغطرسة الأقوياء، يداه تتحدثان مع لسانه، وأنامله القلقة لا تنفك تفرك شعيرات ذقنه وهو يتحدث.

- تحدث لي مرة في بيت العم خليل رشيدي ونحن نعسكر لمباراة حديثاً فنياً لم يرق لي وقرأ ذلك في وجهي فاستدرك قائلاً: إذا كنا نحن غير فنيين ولا نعرف في النواحي الفنية كثيراً، فإني لا أجد غضاضة في الاستماع منك، فشرحت له وجهة نظري، فشكرني.

- أما يوسف الطويل فهو ابن محمد الطويل، ومحمد الطويل عين أعيان مدينة جدة.. رجل من الرجالات الذين ينصت إليهم الجميع «ولا تطيح له كلمة».. يسمونه «الموفق»، ويسمونه «الكبير»، وابنه يوسف الطويل أبيض اللون قصير القامة مكتنز الجسم عيناه الملونتان تتحركان في محاجرهما وكأنهما تملك كل شيء، فمه الكبير يفترش وجهه وكأنه يريد أن يقول « لا « إلى الأبد، مع العلم أن يده السخية لا تعرف «لا»، فيه حيوية طامحة عن المعقول.. عامرة بالتحدي، يوسف الطويل صاحب إرادة، وهو لا يريد أن يحاور بإرادته، ولكن يريد دائماً أن يفرض إرادته.

- يوسف الطويل من وجهة نظري يحب الاتحاد من خلال يوسف الطويل، ولا يحب يوسف الطويل من خلال الاتحاد، بدليل أنه يعطي حينما يعرف أن «لا ونعم» في الاتحاد تصدران بأمره وإلا فلا عطاء.

- تعلم فتحي أبو الجدايل في مدارس الفلاح بجدة ثم التحق بجمرك جدة، وترقى في الجمرك حتى بلغ وظيفة مرتاحة «مثمّن» تساعده على مواجهة تكاليف الحياة الفسيحة..!

- أما يوسف الطويل فقد تعلم في فيكتوريا بمصر، حيث كان الذوات يرسلون أبناءهم، ثم عاد إلى جدة يبحث له عن دور، ولكنه لم يجد هذا الدور إلا في شعبية هذا النادي العريق.

- باختصار فتحي أبو الجدايل ويوسف الطويل شخصيتان متناقضتان متنافرتان «ناقر ونقير».

- شاءت قدرة الله أن يدخل هذا الثنائي المتنافر المتفجر إدارة الاتحاد معاً، والغريب أنهما دخلا النادي وفي آن واحد وزمان واحد.. بهدف انتشال الاتحاد من الآثار السلبية التي تركها عصيان اللاعبين على النادي، ولكن للأسف العصيان أضيف إليه التنافر والتفجير اللذان تأنس لهما طبيعة هاتين الشخصيتين فتحي أبو الجدايل ويوسف الطويل، ثم كان السيناريو «الطويل» الذي انقطع بوفاة فتحي أبو الجدايل ثم بوفاة يوسف الطويل يرحمهما الله..

- وحينما كبر دور يوسف الطويل القيادي في الاتحاد طالبه الجمهور الاتحادي المخلص في عام 1385هـ التقدم لانتخابات رئاسة مجلس الإدارة، ولكن طلبه رفض من الجهات المختصة، وفي عام 1386هـ تقدم مرة أخرى وانتخب يوسف الطويل بالإجماع رئيساً لمجلس إدارة نادي الاتحاد.. ومنذ استلامه الرئاسة استطاع يوسف الطويل أن يستقطب أبرز وجهاء وأثرياء جدة ليضمهم إلى مجلس إدارة النادي، ومن هؤلاء الوجهاء أمين أبو الحسن ومحمد عشماوي وفاروق شنكار وغازي شاكر ومحمد علي حافظ، كما استطاع أن يستقطب أبرز اللاعبين في جميع لعبات النادي.

- حقق نادي الاتحاد على يدي يوسف الطويل انتصارات وبطولات عديدة واتسعت قاعدته الجماهيرية وهو أول من أحضر مدرباً عالمياً في الأندية السعودية حينما أحضر المدرب النمساوي (فرتز).

- كان يوسف الطويل يحضر اجتماعات مجلس الإدارة وفي جيبه دفتر شيكاته، ويقول إن النادي يحتاج إلى دعم مالي فوري ليتعامل مع التزاماته تجاه اللاعبين وتجاه المدربين، وقبل أن يكمل عبارته يدخل يديه في جيبه ويرفعها بدفتر الشيكات ثم يقول: نفتح باب التبرعات وأنا أتبرع فوراً بمليون ريال أو اثنين أو ثلاثة، وفعلاً يكتب شيكاً لأمر الاتحاد بالمليون أو الاثنين أو الثلاثة، ويقدر بعض الاتحاديين حجم تبرعات يوسف الطويل للاتحاد بأكثر من ثلاثين مليون ريالاً..

- ويقول زميله أمين أبو الحسن عن يوسف الطويل: إن علاقتي بالأخ يوسف الطويل بدأت منذ أن كنا أطفالاً في المدارس قبل ستين عاماً ودرسنا في الخارج معاً وكنا ولا نزال أصدقاء، ويوسف الطويل هو الذي جاء بي إلى الاتحاد. وفي سنة من السنوات ذهبنا إلى العاصمة الرياض في مباراة الاتحاد مع النصر جاءني أخى يوسف الطويل وسلمني مبلغاً وقدره 7 ملايين و730 ألف ريال في شيك باسمي وحضر التسليم عبدالرؤوف كيال والمهندس حسين لنجاوي، وفي نفس الوقت أعطى يوسف الطويل لأبو الحسن شيكاً بمبلغ 130 ألف ريال، ومكافأة لفوز الفريق على النصر 5ـ1، وقد قمت بصرف الشيك 7 ملايين و730 ألف ريال باسم الأستاذ سامي عار أمين الصندوق.

- وطوال تاريخ الاتحاد لم يصل التنافس بين الاتحاد والأهلي ما بلغه في عهد إدارة يوسف الطويل. وإذا كان البعض يرى أن الطويل قد ولع أزمة بين الناديين مازالت تؤثر سلباً على علاقاتهما.. إلا أنني أرى أن قيام الطويل بإشعال جذوة التنافس أدى إلى تحسين مستوى الرياضة بين الناديين بصورة خاصة وتحسين مستوى الرياضة السعودية بصورة عامة.

- ويعتبر يوسف الطويل من أوائل الذين طالبوا بخصخصة الأندية قبل أن يظهر مصطلح الخصخصة، حيث كان يطالب مع بداية الثمانينيات بتحويل الأندية إلى شركات تجارية مساهمة، أي كان يوسف الطويل يطالب بخصخصة الأندية منذ خمسين عاماً (نصف قرن)، ثم قام بقيادة تنفيذ هذا المشروع حينما تم تأسيس شركة التلال بنادي اتحاد. ونلاحظ اليوم إن الـ(فيفا) يطالب جميع الأندية في العالم إلى التحول إلى شركات تجارية، وأنشأ الفيفا من أجل تحويل الأندية إلى كيانات تجارية دورية اسماه دوري المحترفين.

- وما زال الفيفا يتجه بالأندية الرياضية إلى تأسيس منظومة ما يعرف الآن باقتصاد المعرفة في القطاع الرياضي، وهو الاقتصاد الذي يقوم على الخصخصة بمفهومها الشامل الكامل حتى تحقق الأندية التطور الذي يتمناه لها الفيفا.

- كان يوسف الطويل دائماً صاحب هوية يريد أن يبثها في الاتحاديين، وكان يسعى إلى تأسيس مدرسة في الرياضة وكان في سبيل

ذلك يصعب السهل ويسهل الصعب.

- أهم صفات هذا الرجل المميز هي التواضع والقدرة على التأثير، وكان أنيقاً، أي كانت الأناقة سمة من سماته الشخصية السوية وجزءاً من طبيعته، وكان حليماً، وإذا غضب يزم جبهته، ولكن كان وجهه يقطر أخوة وصداقة حتى مع أصغر اللاعبين، ورغم أنه كان قصير القامة إلا أنه دائماً تراه عملاقاً، النظر إلى وجهه يبعث على الراحة ويشجع اللاعب على المناقشة..

- ليوسف الطويل قاعدة جماهيرية عريضة في نادي الاتحاد يستعد محبوه في هذه الأيام تأسيس موقع له على شبكة الإنترنت بعد وفاته يرحمه الله في عام 1425هـ.

- باختصار شديد أستطيع القول: لقد حافظ يوسف الطويل على كبرياء الاتحاد لأكثر من أربعين عاماً حتى أصبح علامة مميزة في تاريخ الاتحاد.

- إن عشق يوسف الطويل لنادي الاتحاد مستمد من عشقه للمدينة الناعسة الباسلة الناعمة جدة مدينة الجمال والكمال.

صحيح أن جدة لم تكن عاصمة ولكن بالفعل هي مجموعة عواصم.. عاصمة رياضية، وعاصمة ثقافية، وعاصمة سياسية، وعاصمة اقتصادية، وهي عاصمة الجمال المعماري، كل حجر فيها مشبع بعبق الماضي وعراقته، وكل شبر فيها مبصوم بمبصم الإنسان الحضاري، وهي عاصمة للوطن نشم فيها رائحة كل المدن السعودية، ونشم فيها رائحة الفن الأصيل والجمال والأخلاق.

ولذلك فإن جدة كانت ومازالت عاصمة الرياضة السعودية ففيها تأسس الاتحاد نادي الأندية السعودية.. عميدها المغوار، جدة هي التى فجرت قريحة شاعرها محمد درويش الذي أهدى النادى لقب «العميد» حينما أنشد قصيدته التاريخية الاتحادية التى جاء فيها:

فريقُ الاتحاد بكم أشيدُ

أنتمُ في البلاد غداً عميدُ

- بمعنى إن نادي الاتحاد واجهة حضارية لمدينة جدة يصطف جنباً إلى جنب مع الكنداسة ومدارس الفلاح وسوق البدو وجامعة الملك عبدالعزيز وبيت نصيف والميناء الإسلامي ومسجد عكاش وصحيفة عكاظ والكرنيش.. ليكونوا في استقبال ضيوف جدة من الزوار والسياح والرسميين.

د . أمين ساعاتي - مؤرِّخ رياضي

موضوعات أخرى