Saturday 04/01/2014 Issue 15073 السبت 03 ربيع الأول 1435 العدد
04-01-2014

الفساد أم الدين أم كل شيء مُعتبر

يطالبني كثيرون بالكتابة عن الفساد والامتناع عن الكتابة في الدين! وهل الفساد إلا نتاج الثقافة العامة، والثقافة العامة هي نتيجة التطبيقات الدينية للمجتمعات المتدينة؟. وعلى كل حال فأنا أعتقد -كما كتبت سابقاً- أن أحاديث الفساد مبالغ فيها، وأكثرها شائعات مصدرها الأساسي من أهل الفساد الذين سرحوا ومرحوا وعبثوا في فترة مضت، ثم جاءت الدولة اليوم فمنعتهم من الفساد فأخذوا باطلاق هذه الشائعات.

فضبط الدولة للفساد في كثير من الأمور قد أغضب من اعتاد على الفساد فأخذ ينشر الشائعات ويروجها عن طريق تصيد أمور صغيرة بحق وبباطل، فيستخف بها عقول بعض من العامة والخاصة والكُتاب ثم تصبح الأكاذيب حقائق بسبب تواترها في أحاديث المجالس والمجتمعات.

وقد عاش المجتمع في غفلة طويلة لم ير فيها أي مشروع تنموي، فما وعى إلا والمشاريع الحكومية التنموية تنصب كالسيل الهادر وهو لم يعتد عليها، فكذب عينيه وصدق الشائعات. وأصبح زخم ارتفاع مطالبه الإصلاحية أسرع من ظهور نتائج المشاريع الإصلاحية والاقتصادية، فما عاد ينظر إلى الأمور بواقعية.

وفي سنوات الغفلة كانت الحركة الاقتصادية مُنشلة، فلم يكن هناك نمو ولا بيع ولا شراء. وما كانت الأسعار لترتفع في اقتصاد مشلول، فلما جاءت الإصلاحات والمشاريع والنمو الاقتصادي كان لا بد للأسعار أن ترتفع، مما ضاعف من كلفة المشاريع فأذهلت الناس أرقامها.

ويقولون الفساد الإداري والفساد الاقتصادي والفساد الاجتماعي. وأقول الفساد لا يخلو من أي مجتمع، وليس من العدل مقارنة الفساد اليوم الموجود في بلادنا بمستوى الفساد في بعض الدول المتقدمة. بل العدل أن نقارن وضعنا اليوم بوضعنا البارحة. فقد كان الفساد عندنا مفخرة، فيقال «سنع جماعته» و«ذيب ياخذ ويعطي». وكان كل شيء تقريباً فيه منفعة وربح لا يناله أحد، إلا أن يُمنح منحا من فلان وعلان. وكان الوزير لا يسأل عما يفعل. واليوم قد غابت هذه الأشياء، فلا منح خاصة ولا هناك من ذيب يُسنع جماعته بغير حق علنا. وأين الوزراء اليوم من الوزراء بالأمس؟ بالأمس كان يُشبه بالفاروق عمر، ذلك الوزير الذي يداوم في مكتبه من قبل العاشرة ويخرج بعد الثانية. واليوم لا يكاد كثير من الوزراء يغادرون مواقع أعمالهم ليلا ونهارا وتراهم في مكاتبهم في الاجازات ويوم الجمعة. وبالأمس كان الوزير يوقع المناقصات ويتخذ فيها القرارت بلا تردد. واليوم يجبُن الوزير عن توقيع أبسط قرار مالي أو توظيفي ما لم يجد له مسوغات واضحة وبلجان ولجان (لعل مساوئها أكبر من نفعها)، ولكنه الخوف من تهمة الفساد.

ويُقال اترك عنك الدين وأهله. وأقول عجيب، وهل للدين خاصة دون الناس؟ وهل يُعزل الفساد الديني عن الفساد العام. أوليس من الفساد اليوم ما تنشره الصيرفة المسماة بالإسلامية وتغرسه في المجتمع من قيم بعيدة عن الحقائق.

وقد كان أدعياء الدين آنذاك يشغلون الناس، ينشرون بينهم الفرقة في سنوات الغفلة. فهلا نقارن بين سنوات الغفلة وما كان فيها من فساد إداري واقتصادي عظيم على قلة الموارد المالية، وبين وضعنا الحالي مع كثرة المشاريع وعظمة الإنفاق والإيرادات وقلة الفساد المالي بل وانعدامه على المستوى الوزاري. نعم هناك أخطاء وعقبات بيروقراطية وعقبات تأهيلية وعقبات في ندرة الكفاءات، ولكن هذا مجتمعنا الذي صرنا إليه بفساد الأمس لا بفساد اليوم. ولو تعقبنا أحاديث الناس لوجدنا أنه لا يوجد فساد مالي حقيقة إلا ما يُصعب منعه، وهو ما يحدث في المستويات الوسطى. ولو قمنا بمقارنة تحليلية عادلة وصادقة بعلاقة دعاوى الدين والفساد وذلك بدراسة علاقة نسبة دعاوى الدين ونسبة الفساد في سنوات الغفلة، وقارناها بنسبة دعاوى الدين والفساد في سنوات التنمية واليقظة، لأدركنا أن كل شيء مُعتبر.

hamzaalsalem@gmail.com

تويتر@hamzaalsalem

مقالات أخرى للكاتب