Monday 06/01/2014 Issue 15075 الأثنين 05 ربيع الأول 1435 العدد
06-01-2014

أن تعيش مُستباحاً

ربما تثبت السنوات القادمة مدى صدق ودقة المقولة الرائجة بأن التقدم التقني سوف يقود الإنسان إلى حتفه ويعود به مجدداً إلى بداياته الحضارية الأولى عندما كانت أدوات الإنتاج في غاية البساطة!

فمع تقدم التقنية وتطويعها للاستخدام اليومي العادي لحياة البشر في كل صغيرة وكبيرة، زالت الخصوصيات وصار الإنسان مكشوفاً ومحاصراً وتحت عيون المراقبة في كل خطوة يخطوها حتى عندما يكون في غرفة نومه وحتى عندما يختلي مع نفسه في أخص خصوصياته!

عن طريق جهاز الجوال أصبحت أجهزة الرقابة تعرف عناويننا في كل لحظة وتعرف عَّماذا نتحدث وماذا قلنا ومتى تحدثنا ومع مَنْ! وعن طريق اجهزة الحاسب الآلي المنتشرة في كل مكان وأنظمتها الخارقة صار بوسع موظف صغير في البنك أن يعرف حجم مدخراتي وديوني وثروتي ربما أكثر مما أعرف أو أتذكر. وصار بوسع موظفين بمراتب صغيرة ممن يعملون في بعض الأجهزة الحكومية معرفة الخصوصيات الشخصية والعائلية للناس بكل تفاصيها.

أما المحترفون ممن يعرفون اسرار التعامل مع أنظمة الحواسب، وبعضهم شباب صغير السن لم يكمل دراسته الجامعية، فقد صار بوسعهم التسلل والدخول إلى الملفات الشخصية التي يخزنها الناس في حواسبهم ويتفرجون على جميع محتوياتها و«يغرفون» منها كل ما يطيب لهم أخذه رغم برامج مكافحة القرصنة!

لكن آخر المستجدات ما قرأناه في الصحف وبثته وسائل الإعلام المختلفة قبل يومين وهو أن وكالة الأمن القومي الأمريكية صارت قاب قوسين او أدنى من تطوير أنظمة كمبيوترية تستطيع فك شفرات الحماية المستخدمة للوقاية من اختراق السجلات البنكية والحكومية والتجارية والطبية! وقد جاء ذلك على لسان «إدوارد سنودن» الذي كان يعمل مع الاستخبارات الأمريكية ثم فر إلى روسيا حاملاً معه أسرار تشيب لها الرؤوس!!

هذه الخطوة المتقدمة ستضع العالم عارياً بلا خصوصيات أمام العين الأمريكية المتفحصة، وسوف يتم تناقل الأسرار وقد تصل إلى الشخص الخطأ أو تركن في المكان الخطأ ولو بعد حين وترمى في مكبات مثلما ترمى الزبالة!!

والسؤال الذي يعذب إنسان هذا الزمان هو: هل من الممكن حقاً الاستغناء عن هذه التقنية اللعينة، أو بعضها على الأقل، والعودة إلى طرقنا القديمة في العمل وفي تخزين نقودنا، مثلاً، تحت البلاطة لكي لا يسطو عليها لصوص الكمبيوتر أو وضع صورنا الشخصية في ألبومات بلاستيكية تقليدية بعيداً عن أعين الفضوليين!؟

بالطبع هذا غير ممكن لأن من يحاول أن يفعل ذلك سيجد نفسه في عزلة باردة وأنه يعيش على هامش العالم، وسيجد أن الموت مع الجميع أرحم من العيش وحيداً.

لقد تحقق كل ما تنبأت كتب وأفلام الخيال العلمي؛ فهل يحمل لنا المستقبل المزيد من الأعاجيب!؟

alhumaidak@gmail.com

ص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض **** alawajh@ تويتر

مقالات أخرى للكاتب