Sunday 12/01/2014 Issue 15081 الأحد 11 ربيع الأول 1435 العدد
12-01-2014

مصر .. في يومها (التالي)..؟

يشكل يوما الرابع والخامس عشر من يناير (الثلاثاء والأربعاء المقبلين).. يومين مفصليين في حياة (مصر) واستقرارها السياسي واطمئنانها إلى المضي قدماً نحو استكمال بقية (خارطة المستقبل).. بإجراء الانتخابات الرئاسية فـ(البرلمانية)

لينال المصريون جميعاً في النهاية ثمار ثورة الثلاثين من يونيه الشعبية الجماهيرية الحاشدة، التي لم تعرف أرض النيل على طول تاريخها مثيلاً لها.. فتعود (مصرهم) التي عرفوها وأحبوها إليهم.. وتعود في ذات اللحظة إلى قلب أمتها العربية: حية نابضة رائدة وكما كانت قبل أربعة وأربعين عاماً.. من استسلام (السادات) وتخاذل مبارك؟!

ففي هذين اليومين سيجرى الاستفتاء على (الدستور) المصري الجديد.. أول محطات (خارطة المستقبل)، الذي قام بـ(إعداده) وصياغته.. مائة وعشر عضواً من لجنتي (الخبراء) و(الخمسين الأساسية) و(الخمسين الاحتياطية) من فقهاء الدساتير والقانونيين والمستشارين والسياسيين من أصحاب الخبرة والرأي والوطنية، الذي أعطى كل ذي حق حقه من المصريين والمصريات.. وصولاً إلى ذوي الاحتياجات الخاصة دون تفرقة من دين أو جنس أو لون.. فـ(أهل) النوبة فيه كأهل مطروح كأهل الدلتا كأهل الصعيد كأهل سيناء وأسوان وأهل بحري.. (سواسية) تحت مظلة الوطنية المصرية الرائعة: (الدين لله.. والوطن للجميع)، الذي منح من الحريات والحقوق للمصريين جميعاً ما لم يمنحه حتى (دستور 23) المتغنى به بين المصريين عموماً، أو دستوري الناصرية قبل (الوحدة) في عام 56م وبعد (الانفصال) في عام 1964م، والذي منح العمال والفلاحين (50%) من مقاعد المجالس النيابية والتشريعية، ليحمي ضعفهم وتواضع معرفتهم العلمية والسياسية آنذاك.. من (تغول) أعضاء تلك المجالس وافتراسهم لحقوقهم، ليعطيهم (الدستور الجديد).. حقوقاً (تقاعدية) لم يعرفها دستور من قبل، تمنح العمال والفلاحين.. إلى صغار العمال والأجراء من الفلاحين إلى عمال التراحيل واليومية.. معاشاً تقاعدياً يحفظ لهم كرامتهم وآدميتهم من الحاجة وذل السؤال عندما تقعد بهم الأيام، ويبلغون مرحلة الشيخوخة أو (سن المعاش)..!

ولكن هذا (الدستور الجديد).. الذي تم التوافق عليه والقبول به بعد تمحيصه -في جلسات استماع برلمانية خاصة- من قبل ما يزيد على أربعة وتسعين بـ(المائة) ممن كتبوه وأعدوه وراجعوا صياغته، والذي تمت قراءته فقرة فقرة على شاشات القنوات التلفزيونية المصرية المحلية بحضور معلقين وفقهاء وخبراء من خارج أولئك الذين كتبوه وراجعوه، والذي رحبت به سلسلة استطلاعات الرأي العام التلفزيونية في الشارع المصري بعد أن أقرَّه الرئيس المؤقت (عدلي منصور) وحدد موعداً للاستفتاء عليه شعبياً في يومي الرابع والخامس عشر من الشهر، وتولت حكومة الدكتور الببلاوي طباعته بملايين النسخ.. لتضعه في متناول أيدي المصريين والمصريات مجاناً.. أخذت تتهدده، وتتهدد يومي الاستفتاء عليه.. مع اقترابها (مخاطر) لا يستهان بها: (محلية).. من قبل (جماعة الإخوان).. وما تدبره قياداتها الطليقة في السر والخفاء لتفاجئ به مصر والمصريين في يومي الاستفتاء! و(عالمية) بقيادة (الولايات المتحدة الأمريكية).. حامية حمى الحريات والديمقراطيات في كل أنحاء العالم إلا في الأراضي الفلسطينية المحتلة!! عبر مراكزها ومؤسساتها المدنية لـ(مراقبة) سير ونزاهة (الاستفتاء) على الدستور (المصري).. ولا تسل أين كانت تلك المؤسسات والمراكز الأمريكية يوم فضيحة انتخابات الرئيس الثالث والأربعين (جورج دبليو بوش الابن).. عندما ضاعت صناديق الناخبين الأمريكيين وهي في طريقها إلى العاصمة واشنطن، وتم عد بطاقات الناخبين بـ(اليد) في بلد الكمبيوتر والتكنولوجيا بحجة (الشك) في الكمبيوتر ونتائجه..!! ليفوز (الابن المدلل) أو (دوبيا) كما كانوا يدللونه زوراً وبهتاناً..؟ في أكبر مهزلة انتخابية يشهدها العالم..!!

* * *

فـ(جماعة الإخوان) التي فقدت نصف رشدها يوم (الثلاثين) من يونيو بخروج تلك الملايين الحاشدة إلى شوارع مصر وميادينها من القاهرة إلى الإسكندرية إلى السويس والإسماعيلية وبورسعيد إلى دمياط وأسيوط ونجع حمادي والأقصر إلى مرسى مطروح وأسوان.. وهي ترفع في وجه الدكتور مرسي وجماعته لافتات: (ارحل) و(يسقط حكم المرشد)، وفقدت النصف الآخر من رشدها في (الثالث) من يوليو.. مع قرارات القيادة المصرية التي شكلها الجيش من مجموعة من القانونيين والدستوريين إلى جانب (شيخ الأزهر) وبابا (الكنيسة) وممثل عن جبهة الإنقاذ الوطني وآخر عن حزب (النور السلفي) وثلاثة من شباب (تمرد).. لتترجم إرادة الثلاثة والثلاثين مليون مصري الذين خرجوا.. التي أعلنت (قراراتها) على الهواء مباشرة وتحت العدسات والأضواء بـ(تعطيل دستور) الإخوان، وتنحية الرئيس، وتعيين رئيس المحكمة الدستورية (عدلي منصور) بدلاً عنه وتشكيل حكومة كفاءات وطنية لإدارة البلاد ولجنة وطنية تضم كافة الأطياف لإجراء التعديلات الدستورية.. فالاستفتاء عليها تمهيداً لإجراء انتخابات رئاسية فبرلمانية، لتفقد الجماعة البقية الباقية من رشدها وصوابها مع فض اعتصامي (رابعة) و(النهضة) في الرابع عشر من أغسطس الماضي.. اللذان كانا يمثلان آخر حصون آمالهم في العودة إلى حكم مصر، مما دفعهم لارتكاب ما يخطر وما لا يخطر على العقل والبال من الجرائم والتخريب والتدمير والحرق للمنشآت والكنائس والمساجد والقتل لرجال الشرطة والجيش إلى جانب المواطنين الذين كانت أرواحهم تذهب مع كل تفجير.. إلا أنه ظل في اعتقادهم أنه لا تزال لديهم مساحات لمواجهة (ثورة) يونيو و(قرارات) الثالث من يوليو سواء في الاستفتاء على الدستور أو عند إجراء الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية.

ولذلك فإن على قيادة الجيش المصري وقوات الأمن.. أن يفترضا أسوأ (سيناريوهات) التخريب (الإخوانية) كضرب (السد العالي) أو مقر الإدارة العامة لـ(قناة السويس) في الإسماعيلية أو المتحف المصري في ميدان التحرير.. بعد أن تأكد خلال الستة شهور الماضية أن إرهابهم وتخريبهم لا يعرف حرمة (الدين) الذي يرفعون رايته، ولا سلامة (الوطن) الذي يعيشون فوق ترابه وتحت سمائه..؟!

أما (الولايات المتحدة الأمريكية) التي رفضت بداية (الاعتراف) بثورة ملايين المصريين في الثلاثين من يونيو وقرارات الثالث من يوليو المعبرة عنها، واعتبرت أن كل ما حدث ليس بأكثر من انقلاب عسكري في ثياب مدنية، ثم تراجعت ظاهرياً أمام اعتراف العرب بها إلى حد دعمها اقتصادياً بثلاثة عشر مليار دولار.. حتى لا تفقد آخر موطئ قدم لها في مصر، خاصة بعد أن أخذ المصريون يرددون نغمة الاستغناء عن (المعونة الأمريكية) بهدف التخلص من وصايتها المشبوهة، فقد اختارت أن تصمت (رسمياًَ).. وأن تترك لمؤسساتها ومراكز مجتمعها المدني كـ(مؤسسة الديمقراطية الدولية الأمريكية) و(مركز كارتر لمراقبة الانتخابات) حرية (الحركة) والعمل بما تستطيعانه في إفشال يومي الاستفتاء.. حتى تقع مصر في فراغ سياسي لا تعرف بعده من أين تبدأ..؟

فهل يعقل.. أن تبعث مؤسسة الديمقراطية الدولية الأمريكية -هذه!!- بأكثر من (80) مراقباً إلى جميع محافظات مصر الاثنين والعشرين، وقد جمعتهم من عشر دول من محاسيبها المحتاجين والمعوزين في أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية لـ(متابعة سير عملية التصويت والفرز في الاستفتاء)..؟ فمن تكفل بنفقات انتقالهم وإقامتهم وبدلاتهم..؟ هل هي (مؤسسة الديمقراطية الدولية) هذه.. التي لا ندري من أين تأتيها كل هذه الأموال..؟ أم خزائن الاستخبارات الأمريكية الـ(CIA)..؟ وهل يمكن للمصريين.. أن يصدقوا بأن هذا الكم الهائل من المراقبين جاء لـ(خير) مصر و(نزاهة) استفتائها على الدستور..؟ أم أنه جاء لإفساد يومه.. وشراء ذمم ضعاف النفوس فيه ليقولوا (لا) للدستور، فتقع مصر في (فخ) الفراغ السياسي نظامياً وقانونياً.. إذا نجت منه تخريبياً أو تدميرياً على يد (جماعة الإخوان)..؟

أما مركز (كارتر) الدولي لمراقبة الانتخابات الذي يتحلى بـ(براءة) أو سذاجة مؤسسة الرئيس الأسبق (جيمي كارتر).. فقد كشف عن نفسه مبكراً عندما أعلن وبعض مراقبيه قد وصلوا إلى القاهرة والبقية منهم في الطريق (عن قلقه من حالة الاستقطاب، وضيق الأفق السياسي المحيطة بالاستفتاء)!! وأن على مصر (أن تعلن عن محددات الاستفتاء بما في ذلك الحد الذي سيكون بمثابة الموافقة على الدستور، وما سيحدث في حالة فشل الاستفتاء)؟ ولم يقف (مركز كارتر الدولي) لمراقبة الانتخابات عند هذا الحد.. بل تجاوزه عندما طالب بـ(إلغاء قانون التظاهر لأنه يقيد بشدة التجمعات العامة والمؤتمرات الجماهيرية بما في ذلك الحملات الانتخابية).. وهي أمور لا علاقة لها بـ(مراقبة الاستفتاء) ونزاهته، بل وانتقل المركز.. إلى إملاء السياسات على مصر ورئاستها وحكومتها وشعبها، عندما أضاف (المركز) في بياناته.. مشترطاً عليها (أن يعقب الاستفتاء اتخاذ خطوات حقيقية لبدء ومواصلة حوار شامل وهادف، ووضع إطار للانتخابات المقبلة يحظى بقبول على نطاق واسع)!! وهو ما كانت تتمناه وتسعى إليه (جماعة الإخوان) المنسقة معهما حتماً.. وكما هو ظاهر للعيان ودون حاجة إلى أي درجة من درجات الذكاء المفرط لاكتشافه..!!

* * *

لقد كان يوم (الثلاثين) من يونيو.. هو اليوم الأول في استرداد ثورة الخامس والعشرين من يناير الوطنية، وكان (الثالث) من يوليو الماضي بـ(قراراته).. هو يومها (الثاني) الذي أشرقت فيه شمس مصر الحضارة والتاريخ، ليكون يوما (الرابع عشر والخامس عشر) من يناير.. هو يوم مصر (الثالث) الأخطر والأهم.. في استرداد نفسها وقيمتها ومكانتها الرائدة عندما تخرج فيهما بـ(أضعاف) أعداد (الثلاثين) من يونيو، لتقول.. (نعم) لـ(الدستور الجديد)، فتقطع الطريق على (جماعة الإخوان) وتخريبها، وتخرصات (الأمريكان) وإفسادها..!

فهذان اليومان.. هما يوما افتداء مصر الحقيقي، وكما قال شاعرها الكبير الدكتور إبراهيم ناجي.. عن أيام يوليو من عام 1969م في حرب استنزافها لمحتل سيناء والضفة الشرقية من قناة السويس:

(أجل، إن ذا يوماً لمن يفتدي مصرا

فمصر هي المحراب والجنة الكبرى

حلفنا نولي وجهنا شطر حبها

ونبذل فيه الصبر والجهد والعمرا).

مقالات أخرى للكاتب