Wednesday 15/01/2014 Issue 15084 الاربعاء 14 ربيع الأول 1435 العدد

(الجزيرة) .. تتناول أبرز المعطيات التي قدمها الزميل (الدوس) .. ورقة عمل له حول التعصب الرياضي

(التعصب الرياضي) مرض فتاك يهدد البناء الاجتماعي وجميع وظائفه..!

في ورقة عمل قدمها الباحث الاجتماعي الزميل (خالد الدوس) لجامعة نايف للعلوم الأمنية للمشاركة العلمية في ندوة حول (دور الإعلام الرياضي في الحد من التعصب والعنف في الملاعب) التي تنظمها الجامعة بالتعاون مع الاتحاد الرياضي العربي للشرطة خلال الفترة 16-18 ربيع ثاني 1435هـ، الموافق 16-18 فبراير 2014م، بهدف نشر قيم التسامح، وتنمية الروح الرياضية، وتأصيل الوعي في المجتمع الرياضي ومكوناته.. (الجزيرة) تستعرض أبرز معطيات هذه الورقة العلمية نتناولها عبر السياق التالي:

- يعتبر التعصب في الرياضة -كمشكلة اجتماعية نفسية- نمط من أنماط التعصب المختلفة.. التعصب الديني، والاجتماعي، والسياسي، والمذهبي.. وتمثل الرياضة كنشاط اجتماعي بيئة خصبة لإظهار مثل هذه السلوكيات والتجاوزات الخارجة عن قواعد الضبط الاجتماعي والقيمي والديني، وبالتالي يعتبر التعصب إحدى الظواهر الاجتماعية الموجودة في جسد الحياة الرياضية.. كظاهرة عالمية تشتكي من إرهاصاتها دول العالم وبدرجات متباينة.

- وفي هذه المشاركة العلمية سوف نناقش مفهوم التعصب والعنف الرياضي من جوانب عدة اجتماعياً واقتصادياً ونفسياً وصحياً وأمنياً.. وتسليط الضوء على أسباب هذه الظاهرة المجتمعية الخطيرة، وهي ظاهرة التعصب الرياضي وانعكاسها على البناء الاجتماعي؛ ونظراً لما للتعصب الرياضي من آثار على الفرد والأسرة، وتبعاته الخطيرة من الناحية الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والأمنية، خاصة إن التعصب الرياضي تكمن خطورته على وعي وثقافة وسلوكيات المجتمع بشكل عام، فهو يصيب المجتمع بالخلل ويمنعه من أداء وظائفه الاجتماعية والتربوية والثقافية الأساسية إذا اتسعت دائرته المظلمة، وزادت مساحة هذا السلوك المشين الذي يتنافى مع قواعد الضبط الاجتماعي والقيمي والأخلاقي والديني من جهة، ومن جهة أخرى يساعد هذا المرض النفسي الاجتماعي (التعصب الرياضي) على إنتاج أنماط السلوك والعلاقات غير السوية بين إفراد الأسرة الواحدة، مما يستوجب الاهتمام العلمي بهذه الظاهرة المجتمعية للحدّ منها وضبط توازنها قبل أن تتسع مساحتها فتلقي بظلالها على المجتمع بشكل عام، ويعد التعصب في الرياضة كمشكلة اجتماعية أحد أشكال وأنماط التعصب المختلفة، حيث تمثل الرياضة إحدى الأنشطة الاجتماعية والتي يظهر فيها العديد من العمليات الاجتماعية المتنوعة، وبالتالي يعتبر التعصب أحد الظواهر الموجودة داخل جسد الحياة الرياضية، والتعصب داء ومرض يصيب مرتكبيه بالكراهية العمياء للمتنافسين في نفس الوقت هو مرض الحب الأعمى للفريق المتعصب يفقد توازنه العصبي والاجتماعي بسبب هذا الداء الفكري السرطاني وآثاره المجتمعية.. وإمام ذلك حارب الإسلام التعصب بشتى أشكاله وأنماطه وألوانه، لما له من آثار سلبية على البناء الاجتماعي، لاسيما وأن التعصب يدفع صاحبه إلى سلوكيات غير مقبولة تتنافى مع القيم الأخلاقية والمعايير الاجتماعية الأصيلة، والأسس التربوية وتؤدي بالتالي إلى التعصب الفكري وشيوع ثقافة الإقصاء، وإلى مزيد من التطرف والتشدد والغلو، وهذا فضلاً عن كونه يعمل على تمزق الأمة الإسلامية، ووحدة المجتمع ولحمته مما يؤدي إلى التباعد وانتشار الكره والعداوة والشحناء وتغلغل العنف والعدوان وإثارة الشغب في جسد المجتمع وفي وجدان أفراده.

وتعد قضية التعصب بين إفراد المجتمع لها جذور ترجع إلى مرحلة الطفولة والمراهقة، حيث يكون هناك تاريخ طويل من العداء بين الفريقين، حيث يعتبر التعصب نوعاً من التعلم الانفعالي يتم في وقت مبكر من العمر مما يجعل من الصعب التخلص من تلك الاستنتاجات.

ويعلق (توماس بينجرو) عالم النفس الاجتماعي في جامعة كاليفورنيا: إن مشاعر التعصب تتكون إثناء الطفولة، بينما تأتي الاعتقادات التي ندعمها في وقت لاحق وقد تكبر في سن أكبر، ومن الأفضل حلها مبكراً لأنه من الصعب أن تتغير هذه التعصبات ولكن الأسهل أن تغّير اعتقاداته وليس مشاعره العلمية (انظر إلى الحجاج: 32، 1998).

المفاهيم

1 - مفهوم التعصب الرياضي

- يشير علاوي (1998)، إن التعصب هو مرض الكراهية العمياء للمنافس في نفس الوقت هو الحب الأعمى لفريق المتعصب وهو حالة يتغلب فيها الانفعال على العقل فيعمى البصيرة حتى إن الحقائق الدافعة تعجز عن زلزلة ما يمسك به المتعصب فرداً أو جماعة.

- كما أن التعصب سلوك ذمه الله عز وجل في أخلاق كفار مكة فقال تعالى: إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (26) سورة الفتح.

- والتعصب الرياضي على وجه التحديد لا يخلو من كلمة بذيئة أو ألفاظ مسيئة مما يضر بالسامعين ويجرحهم، فضلاً عن الشجار بين الجماهير المشجعة وحرق الإعلام وتبادل السب والشتم بينهم، والتراشق بالألفاظ النابية، وهذا لا شك يتنافى مع ثوابت القيم الإسلامية الحميدة وقواعده التربوية، كما جاء في حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)، متفق عليه.

والتعصب الرياضي المبالغ فيه سواء ممارسة الشتم أو القذف أو النقد الجارح الذي ربما يتطور وقد تصل إلى أمور أخرى أشد من الإيذاء البدني والمادي وتخريب المنشآت، ومن المؤلم حقاً أن نرى التعصب الرياضي في مجتمعنا الفتي الذي يعيش مرحلة شبابه -في واقعنا المعاصر- باعتبار أن ما يقارب 65% من تركيبته الديموغرافية (السكانية) هي من فئة الشباب، حيث وصل التعصب في نسيجنا الرياضي الذي هو جزء من نسيج مجتمعنا الكبير.. إلى مرحلة خطيرة جداً مقلدين بعض من يرتكب هذا السلوك المناهض للقيم في الغرب من تعّصب أعمى، كما يحدث في دول أمريكا الجنوبية، والدول الأوروبية والإفريقية، وربما يؤدي إلى القتل، كما حصل من كارثة إنسانية شهدها في ملعب هيسل في العاصمة البلجيكية (بروكسل) في نهائي كأس الأندية الأوروبية عام 1985م، بين فريقي ليفربول الإنجليزي ويوفنتوس الإيطالي حيث لقي أكثر من 35 مشجعاً حتفهم وإصابة أكثر من 600 شخص، كما شهد إستاد بور سعيد في مباراة الأهلي مع الفريق المصري بور سعيد.. أكبر كارثة في تاريخ الرياضة المصرية وتحديداً في 6 فبراير2012، وكان نوع الهجوم من المشجعين المتعصبين.. اشتباكات وأعمال الشغب وقتل متعمد.. راح ضحية تلك المباراة الشهيرة أكثر من 73 قتيلاً ومئات المصابين (طبقاً لمديرية الشئون الصحية في بور سعيد) وأيضاً حادثة قتل مدافع منتخب كولومبيا (اندرياس أوسكوبار) على يد أحد المشجعين المتعصبين رمياً بالرصاص بعد خروج منتخبهم من منافسات كأس العالم بأمريكا عام 1994م.

2 -مفهوم الإعلام الرياضي

عملية نشر الأخبار والمعلومات والحقائق الرياضية وشرح القواعد والقوانين بالألعاب والأنشطة الرياضية للجمهور تعقبه نشر الثقافة الرياضية بين أفراد المجتمع وتنمية وعيه الرياضي (عويس، عبدالرحيم 2002 :21-22).

- وهو أيضاً أحد فروع الإعلام الذي يقوم بنقل ونشر ومتابعة الأخبار والأحداث المتعلقة بالنشاط الرياضي على وجه التحديد ونقلها للرأي العام والإفراد والمجتمع بشكل عام.

3 - مفهوم الرياضة

- يشير العالم الأمريكي (ناش) إلى أن الرياضة جزء من التربية العامة وأنها تشتغل دوافع النشاط الطبيعي الموجودة في كل شخص لتنميته من الناحية العضوية والعقلية والانفعالية وتحقق هذه الإغراض حينما يمارس الفرد أوجه نشاط التربية الرياضية، (الساعاتي، 1982 : 33).

- والرياضة أيضاً سلوك ذهني وبدني وفكري يمارسه الإفراد لغرض الترفيه والترويح وله إبعاد تربوية ونفسية واجتماعية وصحية تنعكس على سلامة الجسم وتنمية العقل السليم.

4 - مفهوم العنف

عرفت منظمة الصحة العالمية العنف «بأنه الاستعمال المتعمد للقوة المادية أو القدرة سواء بالتهديد أو الاستعمال المادي الحقيقي ضد الذات أو ضد شخص آخر أو ضد مجموعة أو مجتمع بحيث يؤدي إلى حدوث إصابة أو موت أو إصابة نفسية أو سوء النماء أو الحرمان (التقرير العالمي حول العنف والصحة: 2002)، والعنف في مظاهره ينقسم إلى عدة أشكال وأنماط:

1 - عنف رمزي، إي» احتقار واستهزاء واستهتار». 2 - عنف بدني. 3 - عنف لفظي. 4 - عنف نفسي.

نظريات التعصب الرياضي

أ- النظرية الوظيفية البنائية

هذه النظرية من روادها من علماء الاجتماع بارسونز وميرتون وسان سيمون وماكس فبير، وهذه النظرية السوسيولوجية.. تصور المجتمع بأنه نسق من الأفعال والأشياء المحددة والمنظمة، هذا النسق يتألف من متغيرات مترابطة بنائياً (البنى) وظيفياً، والوظيفة ترى المجتمع واقعاً وهدفاً يقوم على التوازن وأداء وظائفه وبقائه واستمراره، وتوصف الوظيفة البنائية في بعض الأحيان بأنها اتجاهات للتوازن، إي أنها ترى التوازن واقعا وهدف يسعى المجتمع إلى أداء وظائفه وبقائه واستمراره، وبالتالي يحقق التكامل بين وظائفه الأساسية، (الغريب 2009 : 33).

وإذا طبقنا هذه النظرية على المؤسسات الإعلامية فإننا نجد أن هذه الحاجات هي الحاجة إلى الاستمرار والبقاء والحاجة إلى التكامل والتضامن ويصور المجتمع على أنه نظام يتكون من عدة أنساق أو أجزاء متفاعلة ومترابطة، ولكل جزء من هذه الأجزاء مساهمته الأساسية في المجتمع سواء الجزء أو النسق الاقتصادي أو النسق السياسي أو التربوي أو الرياضي أو الإعلامي... إلخ. وهذه الأنساق أو الأجزاء تشكل البناء الاجتماعي، والإعلام لاشك أحد هذه الأنساق الفرعية، وتلعب وسائل الإعلام دوراً كبيراً في البناء الاجتماعي إذ يوكل إليها من قبل المجتمع أن تعمل على توفير التضامن والتكامل الداخلي بين أجزاءه، كما تعمل على توفير النظام الاجتماعي وتغيره.. ومن المعلوم أن وسائل الإعلام تسعى إلى توفير هذه المساهمات للمجتمع من خلال احتياجات ومطالب أعضاء المجتمع الفردية والجماعية.

هكذا فإن وسائل الإعلام بمختلف قنواتها ومكوناتها تعمل بشكل منظم على إرضاء الاحتياجات والمتطلبات الفردية والجماعية، ونجد قيام بعض القنوات الفضائية أو الإذاعية أو المقروءة في ظل سقف الحرية المتاح لهذه الوسائل لا تلتزم بالقيم الأخلاقية والمعايير المهنية من ممارسات غير مسؤولة لبعض من ينسب إليها، وفشل هذه الوسائل الإعلامية الرياضية على وجه الخصوص في إمداد الجمهور بالثقافة والمعلومة المفيدة، وهذا ما ينبغي أن تقدمه وسائل الإعلام للإفراد والمجتمع من طرح مثالي، وفرز حضاري يعكس قيم المجتمع ومعاييره الأصيلة قدر الإمكان.. والبعد عن الجوانب المخالفة للمسؤولية الأخلاقية والأدبيات المهنية، وما ينتج عن هذه الممارسات المنافية للقيم الدينية والمعايير المهنية، وما يتمخض عنها، من مظاهر التعصب من عنف وشغب، فضلاً عن العبث بالممتلكات العامة والخاصة، وكذا العدوانية، وهذه الإرهاصات لاشك قد تحدث إخلالاً في توازن المجتمع إذا لم يقم النظام أو النسق الإعلامي ومنطلقاته المهنية بأداء رسالته السامية، بكل صدق وأمانة وموضوعية واتزان، وتجنب كل ما يؤدي إلى نشر التعصب الرياضي والفوضى المدنية، وكذا النظام أو النسق الرياضي الذي يؤدى في بعض الأحيان إلى العنف ونشر مفردات الكراهية والتجاوزات المناهضة للشيم والفضيلة.. ناشرة أذواقاً وقيماً وعادات (شاذة) في نسيجنا الرياضي الذي يشكل جزءاً من نسيج مجتمعنا الكبير.

- إذا تنظر النظرية البنائية إلى وسائل الإعلام على أنها مؤسسات ذاتية التوجه، وذاتيه التصحيح.. تعمل وفق إطار وقواعد ونظم مؤسسية ثم الوصول إليها عن طريق التفاوض بين توجهات الجماعات المختلفة فعلى سبيل المثال، يمكن إن نعتبر المبالغة الإعلامية في عرض مظاهر التعصب الرياضي كالعنف والشغب والعبث بالممتلكات والسخرية والسلوك العدواني أنها تأكيد على أنها أمر عادي، وبالتالي ربما تشجع على انتشار فيروساتها الخطيرة.

ب - نظرية التعليم الاجتماعي

- أول من تحدث عن نظرية التعليم الاجتماعي العالم (جابريل تارد) حيث يرى تارد إن التعليم الاجتماعي يتم من خلال أربع مراحل:

- الاحتكاك الشديد - فهم المبادئ - تقليد المشرفين - سلوك المثل الاسمي.

ويتكون التعليم الاجتماعي من ثلاثة أجزاء: الملاحظة والتقليد والتعزيز، وتنص هذه النظرية على أن الناس يتعلمون سلوكيات جديدة عن طريق التعزيز أو العقاب أو عن طريق التعليم بملاحظة المجتمع من حولهم (الغريب، 2009:642).

- وتتناول نظرية التعليم الاجتماعي التعصب على أساس أنه اتجاه يتم تعليمه واكتسابه بالطريقة نفسها التي تكتسب بها سائر الاتجاهات والقيم النفسية الاجتماعية حيث يتم تناقله بين الأشخاص كجزء من أسس هذه النظرية، فمن المعلوم أن التعصب الرياضي في ثقافة إي فرد يتم اكتسابه من خلال عملية التنشئة الاجتماعية والطفل يكتسب مثل هذه السلوكيات السلبية حسب ما يشعر بأنه مقبول من الآخريين، ويكتسب الأشخاص التعصب مثل ما يكتسبون الكثير من العادات والتقاليد من خلال عمليات التنشئة الاجتماعية من الوالدين أو المدرسة أو الأصدقاء، فضلاً عما تسهم به وسائل الإعلام المختلفة، وتحديداً الإعلام الرياضي من خلال الصفحات الرياضية في الصحف والمجلات إضافة إلى البرامج الرياضية التلفزيونية والمواقع الإلكترونية وتأثيرها المباشر على سلوك وثقافة الإفراد والجماعات وطبقاتهم سواء كانت إيجابياً أو سلبياً.

مظاهر التعصب الرياضي

لاشك إن للتعصب الرياضي تأثيراً مباشراً على سلوك ووعي وثقافة المجتمع بشكل عام.. وتظهر تداعياتها السلبية فيما يلي:

1 - تزيد الفوضى والشغب في الشوارع والمدرجات الكروية فقد تزايدت خلال السنوات الأخيرة ظاهرة التعصب الرياضي ومفرداته العنف والكراهية في المجتمع فهناك الكثير من الإحداث والتصرفات غير الحضارية تظهر مع انتصارات المنتخبات أو الفرق المحلية وانتشار هذة الفوضوية والتجاوزات غير الأخلاقية في معظم الأحيان سواء في الملاعب الرياضية أو في الشوارع من خلال مخالفات وتجاوزات تحدث عن طريق استخدام السيارات بشكل غير حضاري وإطلاق الأصوات المزعجة وتعطيل السير.. إلخ.

2 - الإخلال بالأمن ونهب الممتلكات يعطى الدخلاء استغلال الفوضى التشجيعية بضرب الآخرين وتحطيم سيارات المارة ومناوشة العمالة ومنهم من يتجاوز كل ذلك إلى تكسير واجهات المحلات التجارية وسرقة ما خف وزنه وغلا ثمنه.

3 - المجاهرة بالمنكرات.. الأقوال والأفعال من بعض الشباب ربما يجعل التعصب الرياضي والتطرف الفكري في إظهار الفرح لفوز فريقه بالمجاهرة بالسب والشتائم والقذف والإساءة، والتعرض للنساء وغيرهن ويصاحب ذلك رفع صوت الأغاني والمعازف المحرمة والمجاهرة ببعض الفواحش دون حياء أو مروءة ودون أدني ذوق أو خجل.

4 - التشنج والاحتقان في وسائل الإعلام الفضائي في معظم حواراته الرياضية ومظاهر هذا الانفلات الأخلاقي المهني الذي يناهض قواعد الضبط الاجتماعي والإعلامي والقيمي يتجلى في أنماط عدة:

أ- الهجوم على إدارة الأندية وبعض الإداريين من قبل بعض ضيوف البرامج الحوارية الذين يتم اختيارهم، خاصة ممن يتوفر فيهم الصراخ والصوت العالي والهجوم الشرس على الأطراف الأخرى في محاولة لافتعال الإثارة الممجوجة وجذب أكبر عدد ممكن من المتابعين حتى لو كان على حساب القيم المهنية والشيم الأخلاقية.

ب- الإساءة لبعض اللاعبين بأسمائهم والتشهير بهم بالألفاظ غير اللائقة مما يوجج حدة التعصب وتكريس ثقافته عبر المنابر الإعلامية مع الأسف.

ج- تبادل الشتائم والقذف والإساءة بين المحللين في معظم الحوارات الرياضية وسط غياب الحوار ولغته المتزنة وهذا يقود إلى غياهب الفرقة والتباغض والتباعد والشحناء ونشر ثقافة التعصب المقيت، وبالتالي تجسيد مفاهيم تتناقض مع المبادئ والقيم الرياضية النبيلة.

د- تأجيج الرأي العام الرياضي وما يتمخض عنه من نزاع وصراع وخصام بين مشجعي الأندية الأخرى وهذه الخصومة قد تصل إلى هجران بين الأخ وأخيه والزوج والزوجة.. (العبدالعالي - 1423 : 9-11).

نتائج دراسة سابقة

في دراسة اجتماعية حديثة (رسالة ماجستير أعدها الباحث خالد الدوس: 1432هـ، جامعة الملك سعود) أوضحت نتائج الدراسة من وجهة نظر المبحوثين في أن الأصدقاء يساهمون في زيادة التعصب الرياضي وأن أفراد العينة يرون بأن كل من الأسرة والمدرسة تساهم بدرجة متوسطة في زيادة التعصب الرياضي في المنافسات الرياضية، ويتفق ذلك مع دراسة المصطفى والربعان (1997) وهذا يوضح أهمية مؤسسة التنشئة الاجتماعية في زيادة معدلات التعصب الرياضي ويمكن تفسير هذه النتيجة مع نظرية التعليم الاجتماعي التي تناولت التعصب على أساس أنه اتجاه يتم تعليمه واكتسابه بالطريقة نفسها التي تكتسب بها سائر الاتجاهات والقيم النفسية والاجتماعية، حيث يكتسب الأشخاص التعصب مثل ما يكتسبون الكثير من العادات والتقاليد من خلال عمليات التنشئة الاجتماعية.

كما تشير نتائج الدراسة إلى أن أفراد العينة يرون أن اعتراضات اللاعبين المتكررة على الحكام دائماً تؤدي إلى إثارة التعصب الرياضي، وهذا ما يتفق مع دراسة علاوي وآخرين 1985 التي تشير نتائجها من وجهة نظر الجماهير إلى أن مشكلات الشغب ترجع لأسباب تتعلق بالحكم وبمشاعر الأفراد نحو المنافسة، ويمكن تفسير هذه النتيجة من خلال ما ذهبت إليه النظرية البنائية الوظيفية من أن النظام الرياضي والنظام التربوي كأحد أنساق المجتمع من الممكن أن يؤديا وظائفهما في النسق الاجتماعي سواء كان بالإيجاب أو السلب، والواضح من خلال نتائج الدراسة أنهما يؤديان دوراً وظيفياً في إثارة التعصب الرياضي، حيث إن النظام الرياضي أو التربوي قد يقود في بعض الأحيان إلى العنف والإساءة ومظاهر التعصب لقلة أفراد المجتمع، كما أوضحت نتائج الدراسة أن أفراد العينة يرون أن الإعلام الرياضي يساهم بدرجة كبيرة في زيادة التعصب الرياضي، كما ترى عينة الدراسة من وجهة نظر المبحوثين أن الإعلاميين هم أكثر تأثيراً في التعصب الرياضي إلى جانب أن ثمة من أفراد العينة يرون أن ضعف الدور الرقابي الإعلامي يؤدي إلى زيادة مساحة التعصب الرياضي، وهي بذلك لا تتفق مع دراسة حسنين وآخرون (1993) التي تحدثت عن طبيعة وفهم ظاهرة التعصب الرياضي لدى عينة من المدربين والمشجعين، حيث أوضحت نتائج هذه الدراسة ارتفاع مستوى التعصب لدى المدربين عنه لدى عينة المشجعين، أي أن المدربين يساهمون في التعصب، ويمكن تفسير هذه النتيجة من خلال ما ذهبت إليه نظرية الغرس الثقافي التي ترى أن وسائل الإعلام قادرة على التأثير في معرفة الأفراد وإدراكهم لما يحيط بهم لدرجة كبيرة خاصة الأفراد الذين يشاهدون هذه الوسائل بصورة مكثفة ومبالغ فيها تؤدي إلى اكتساب المتلقي مجموعة من المعاني والمعتقدات والأفكار والصورة الرمزية.

كما أوضحت نتائج الدراسة أن 90 % من أفراد العينة العاملين في وظائف مختلفة وهذا ما يتفق مع دراسة عبدالحميد (1999) حيث ترى هذه الدراسة أن التعصب الرياضي يختلف باختلاف الوظيفة، كما أن مستوى التعصب الرياضي يختلف باختلاف المؤهل الدراسي (دراسات عليا، مؤهل جامعي، مؤهل ثانوي، ودون) حيث يقل مستوى التعصب الرياضي بارتفاع مستوى التعليم ويزيد مستوى التعصب مع الطلاب والتلاميذ عن باقي الوظائف.

* * *

التوصيات والمقترحات

1 - الإعداد الموضوعي للبرامج الرياضية ومنع الإثارة التي تصل حد المشاحنات والصراعات -لاسيما البرامج الحوارية- في الفضائيات والتي تقدم البرامج الرياضية لأنها متابعة من قبل شريحة كبيرة من المجتمع، وتوجيه دور الإعلام في الحد من التعصب الرياضي وفلترة نقده وضبط توازنه.

2 - تحفيز الجماهير على المشاركة في أنشطة النادي الثقافية والاجتماعية بما يساهم في الإثراء الفكري وتعزيز الوعي الرياضي، وبالتالي يقلل من تعصبهم الانتمائي.

3 - توعية وتثقيف اللاعبين بالابتعاد عن الاعتراض على قرارات الحكام خلال المباريات التنافسية.. لمحاربة التعصب.. يشارك فيها نجوم الرياضة القدوة.

4 - الاهتمام أكثر بالحكام من حيث تدريبهم وإلحاقهم بورش العمل والندوات المتخصصة.. من أجل زيادة تثقيفهم وتزويدهم بأحدث الأساليب القانونية والطرق الفنية في عالم كرة القدم بهدف تقليل الأخطاء إلى الحد الأدنى.

5 - التعاون بين جميع الجهات التي لها علاقة بكرة القدم من أجل زيادة الوعي لدى الجماهير وترسيخ المعاني الصحيحة للانتماء الرياضي وقيمه السامية.

6 - تفعيل الدور الرقابي من المؤسسات والهيئات المدنية المعنية على ما يبث ويكتب دون الإجحاف بحق التعبير.. بعد إن أصبح بعض ما يفرزه الإعلام الرياضي وقنواته من مشاهد وأطروحات خطيرة تؤثر على ثقافة وسلوكيات المجتمع من جهة.. وتتنافى مع منطلقات ثوابتنا الشرعية والوطنية من جهة أخرى.

7 - إطلاق جوائز للروح الرياضية.. للمتميزين والمثالين في الوسط الرياضي والإعلامي من مختلف الفئات لاعبين ورؤساء أندية وجماهير وإداريين وإعلاميين.

8 - رفع المستوى الثقافي للوسط الرياضي من خلال الجهود المشتركة التي ترمي إلى محاربة التعصب وإرهاصاته.. تشارك فيها مع الرئاسة العامة لرعاية الشباب، وسائل الإعلام، مدرسة، الجامعات، المؤسسات الدينية، الأسرة، الطبقة المثقفة.

9 - وضع حدٍّ للتجاوزات الإعلامية المهيجة للجمهور في الصحف والمواقع الإلكترونية، وشبكات التواصل الاجتماعي.. بالتعاون مع وزارة الداخلية، ووزارة الثقافة والإعلام، والمؤسسات المعنية.. وذلك بسن قوانين صارمة لمحاسبة من يتسبب في أي مظهر من مظاهر التعصب الرياضي.

10 - إدراج آفة التعصب والانتماء الرياضي في المناهج التعليمية، وبرامج التوعية الفكرية والرياضية بالمدارس، وعقد ندوات ثقافية داخل المناخ المدرسي لتنوير عقول الطلاب بمخاطر وآثار التعصب الرياضي على وعي وثقافة المجتمع بوجه عام.

11 - إجراء مزيد من الدراسات الاجتماعية الميدانية.. حول العوامل المؤثرة والمسببة للتعصب الرياضي من خلال البحث عن المحاور المؤدية لهذا الداء الفكري الخطير، واستخدام المناهج العلمية في البحث عن أهم العوامل المؤدية إلى التعصب الرياضي، والعنف في الملاعب.

12 - زيادة تأهيل الإعلاميين الرياضيين من خلال عقد المزيد من الدورات التدريبية والملتقيات التنويرية وورش العمل المهنية حول موضوعية التعبير، والكتابة الصحفية والطرح المتزن.. بهدف البعد عن التعصب الرياضي وعدم إثارة الرأي العام الرياضي وتأجيجه.

موضوعات أخرى