Friday 17/01/2014 Issue 15086 الجمعة 16 ربيع الأول 1435 العدد
17-01-2014

إن الأفاعي وإن لانت ملامسُها عند التقلبِ في أنيابِها العطبُ

هم يكذبون.. نعم هم يكذبون بل يُتقنون فنَ الكذب في فنِ الممكن كترياقٍ لتضميد الجراح وإن كان بشكلٍ مؤقت.. منطقهم يسير وفق قاعدة تقسيط في الصدق وكذب بالجملة لكن وكما يقول المثل المتداول.. حبل الكذب قصير.. فمهما طال أمدُ الكذب والخداع لا يمكن حجب ضوء شمس الحقائق بغربال.. وقد أشار ابراهام لنكولن في يومٍ من الأيام إلى ذلك حيث قال.. تستطيع أن تخدع كل الناس بعض الوقت أو بعض الناس كل الوقت لكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت.

الكذبُ السياسي.. ما هو إلا فنُ الممكن في غير الممكن والذي أخذ موقعه وهيمنته على الفعل السياسي إلى درجة الولع به.. وأول من أطلق هذا المسمى على الكذب السياسي هو الزعيم السوفييتي السابق.. ميخائيل غور بتشوف.. وذلك عندما استعمله لتبرير التنازلات اللاحقة التي قادت إلى انهيار الاتحاد السوفييتي وتفككه.. وانحسار القطب الشيوعي من جغرافية الكرة الأرضية.

في عالمٍ مشحونٍ بالتوتر والصراع ومزيدٍ من الانقسامات أصبح الكذب من أدوات السياسة التي تعمد إلى تضليل الشعوب وهو لا يقتصر على أفراد أو جماعات معينة.. والأخطر أن يستمر السياسيون في كذبهم وخداعهم وإعطاء المبررات لذلك.. ولعل جوزيف جوبلز وزير الإعلام النازي السابق هو من أبرز السياسيين الذين امتهنوا وبجدارة حرفة الكذب السياسي.. وله في هذا المقام مقولة شهيرة تصدرت المشهد مفادها.. اكذب اكذب حتى يصدقك الآخرون ثم اكذب أكثر حتى تصدق نفسك.. وهذا استدلال على الحيز الكبير الذي يُعطى للكذب في حياة السياسيين.. وبديهي بأن ظروف الحرب العالمية الثانية ساعدت على قبول تعريفٍ كهذا للسياسة نظراً لما تضمنته من قيام كافة الأطراف المتحاربة بأعمال تنافي السلوك الأخلاقي وأصوله المتبعة مما أسهم في انتشاره خاصة في أمريكا حيث أسهمت بعض شركات النفط الأمريكية في دعم وتمويل أساطيل النازية بالمحروقات رغم تحالفها مع بريطانيا وفرنسا ضد الحزب النازي الألماني بقيادة هتلر. فإذا كان ميكيافلي هو أول من نادى بضرورة تجريد السياسة من الأخلاق واستعمال جميع الوسائل لبلوغ الغاية.. فإن تاريخ السياسة في عصرنا الحالي حافلٌ بشواهد كثيرة كان الكذب والخداع وإتقان المراوغة متفوقاً فيها.. ومن ذلك ما فعلته أمريكا بزعامة رئيسها السابق بوش الابن في الترويج للحرب على العراق والتي كشفت لاحقاً مدى الزيف والخداع الأمريكي ليس على شعوب العالم فحسب بل على الشعب الأمريكي ذاته.. ويستمر مسلسل الكذب السياسي الأمريكي عندما يؤكد الرئيس الأمريكي الحالي بأن سوريا لن تصبح أفغانستاناً أخرى لتبقى ضربة النظام السوري ليست سوى خدعة أمريكية.. اُعتمدت فيها استراتيجية التصعيد العسكري.. ووضع الخطوط الحمراء حال استعمال النظام السوري السلاح الكيميائي.. إفراط في التبريرات إلى حدِّ الإفراط في خداع الحلفاء والشعوب تحت وهم التأثير الذي اعتادوا عليه ليكتشف العالم لاحقاَ أن الإستراتيجية الأمريكية لاستهداف النظام السوري هي ضمن سياسة اكذب واكذب حتى تصدق نفسك ويصدقك الآخرون.. هكذا هي أمريكا ولا تختلف عنها إيران التي تعطيك من طرف اللسان حلاوة.. وتروغ منك كما يروغ الثعلب.. إيران التي كانت تصف أمريكا بالشيطان الأكبر دخلت بيت الطاعة الأمريكية وتحول الشيطان الأكبر إلى (همبرغر العم سام) يبدو أن امتهان الكذب السياسي ما هو إلا تخلص من مآزق التناقض وانكشاف الحقائق بلتغطية على مسيرة حياة سياسية فاشلة.

أخيراً أتساءل.. إذا كان أعذبُ الشعر أكذبه فهل الكذب ملحُ السياسة.

zakia-hj1@hotmail.com

Twitter @2zakia

مقالات أخرى للكاتب