Tuesday 21/01/2014 Issue 15090 الثلاثاء 20 ربيع الأول 1435 العدد

اسطنبول وغربة المكان

في رحلةِ عملٍ لتركيا هبطت طائرةٌ كنت أحد ركابها في مطار أتاترك في أسطنبول، نزلت وأنهيت إجراءات نظام دخول البلد، لا أجيد التكلم باللغة التركية لكنني أجيد لغة الإشارة التي يعرفها الكثير، وذلك لأطلب من سائق سيارة الأجرة الذهاب بي إلى مقر سكني حسب ما كتب في ورقة الحجز، وما أنا عليه في مقعدي الخلفي في سيارة الأجرة كنت أتأمل لوحةٌ جميلةُ لوّنت بألوان الطبيعة أسرة قلبي وفكري.. زرتها في وقتٍ لم أكن سائحاً مع أنني أعشق التوثيق بعدستي الشقية التي تأخذ من الصورة جمال لحظتها وفي أجمل المواقف وأحرجها.. قد يكون لعملي الصحفي نصيباً في التقاط صورٌ كثيرةٌ تستدعي التعليق والكتابة وكذلك النشر.. قطع تأملي سائق الأجرة حينما أوقف المركبة أمام الفندق.. أنهيت إجراءات الدخول وكلي حماسٌ في الخروج مرة أخرى لأتأمل اللوحة مرة أخرى.

خرجت حاملاً عدستي متحمساً لالتقاط صور جميلة من لوحات أسطنبول.. مررت في كل شارعٍ وطريق أصور وأبتسم حتى وقفت أتأمل لوحة جميلةٌ فيها من ذكريات الشارع الشعبي في البيع على الرصيف والطبخ في الهواء الطلق وقفت أتأمل اللوحة أكثر وأقترب منها لعلي أجد دفئاً مع حلول الظلام شدّني في جمال اللوحة ألوانها الجميلة والمتعدِّدة ما زلت أرى اللوحة جميلة تجذبني لها أكثر وأكثر.. أخذني التأمل إلى إحدى زوايا اللوحة الجميلة لأجد فيها جرحٌ تألمت كثيراً لهذا الجرح في لوحة جميلة.. كيف تعلق وهي مجروحة اقتربت أكثر لعلي أستطيع أن أصلح الجرح بيدي أو أنصح بإصلاحه لتكتمل جمال اللوحة وقفت عند الجرح لأرى طفلاً صغيراً مفترشاً الأرض يرتجف البرد يتضرع الجوع ويتألم من ألمٍ يخفيه وجدته جالساً على قطعةِ من الكرتون قد أخذها وهو يمشي في طريقه يجلس عليها لعلها تقيه من شراسة الأرض.. حاولت أن أفهم مدى الجرح وهل لي أن أصلح ما جرحه الزمن في طفلٍ كان ضحية حربٍ هاجر هو وأهله خوفاً من الموت ليجد نفسه عاجزاً عن إبعاد الخطر عنه في وقتٍ كان من المفترض أن يكون في فراشه بعد أن أكل لقمته وقبّل رأس أمه منتظراً الصباح ليحمل حقيبته نحو مدرسته يتعلّم فيها علماً يستنير به دربه وينمي به عقله ويفهم أن الحرب على بلده إنما هي حربٌ من أجل قتل حرية بشر.. نظرة إلى حجم جرح اللوحة فوجدت أن الجرح يتسع أكثر حينما تمتد عيني نحو خطٍ مستقيم يوازي مقعد الطفل المسكين وجدت أطفالاً ونساء ورجال جلسوا ينتظرون من يساندهم في لقمة يأكلونها أو ملبس يدفيهم من وحش البرد.. رحلوا من أرضهم أرض الشام إلى بلد الغربة بلد يؤمنون برحمة الله عليهم هرباً من سيل دمائهم ليكونوا في مكان قد تجمدت فيه من برد الشتاء.

مع تلك التأملات لم تجرأ عدستي لتصوير تلك اللوحة النازفة بقدر ما اختزن عقلي من صورٍ كثيرة حاولت أن أغمض عيني لأنسى لكنني رأيتها صوراً تتكرر دون أن أعلق عليها فقط قلبٌ يتألم وفكرٌ يحاور أفكاره.. هل من نورٌ في آخر النفق.

- سليمان بن عبدالله الظفيري

موضوعات أخرى