Tuesday 21/01/2014 Issue 15090 الثلاثاء 20 ربيع الأول 1435 العدد
21-01-2014

الإرهاب لا يعترف بالدبلوماسية

إذا كانت «قنوات الإرهاب الفضائية» سببا من أسباب نشر الفكر التكفيري، و ثقافة الإرهاب بين الشباب والمراهقين، واستمرارية حصول تنظيم القاعدة، وجماعات الإرهاب الأخرى على التمويل المالي من خلال تبرعات المتعاطفين التي لم تنقطع يوما، برغم الحملات الأمنية المشددة والقوانين الصارمة، فإن الاتصال الأجنبي بالجماعات المعادية والخارجة على القانون يمكن أن يوفر الغطاء الدبلوماسي لها، أو أن يوهمها بالاعتراف الدولي، ما يدفعها لمواصلة أعمالها الإجرامية.

كانت السفارة الإيرانية في اليمن، وما زالت، مصدرا لإثارة الفوضى، وإشعال الحروب الأهلية، ودفع اليمن إلى نزاعات إقليمية غير مسبوقة. وفي العراق تحولت السفارة الإيرانية إلى مركز لإدارة الحكم، وتوجيه الوحدات العسكرية والاستخباراتية. أما السفارة الإيرانية في بيروت فتحولت من دورها الدبلوماسي إلى الدور الاستخباراتي العسكري الذي تولى عمليات التوجيه وتوفير الدعم المالي والعسكري لـ «حزب الله» ذراع إيران العسكرية في لبنان والمنطقة.

كان لسفارة إيران في مملكة البحرين دور رئيس في الحركة الانقلابية الفاشلة، وما زالت أنشطتها الاستخباراتية قائمة حتى الآن، ولعلها تكون سببا رئيسا في فشل «الحوار الوطني» هناك. إحباط قوات الأمن البحرينية لعملية تهريب الأسلحة النوعية للمعارضة كشف عن شبكة واسعة من عملاء الداخل والخارج، المتورطين في التخطيط لزعزعة أمن البحرين، والقيام بعمليات إرهابية منظمة، البعض يشير إلى علاقة بعض السفارات الأجنبية بالمعارضة البحرينية التي تتبنى العمليات التخريبية.

يعتقد غالبية المعنيين بالشأن الأمني المالي، أن السفارات الإيرانية مصدر رئيس لتمويل الخلايا النائمة، والجماعات النشطة للقيام بأعمال تخريبية في دول الخليج. وهو أمر يمكن كشفه بسهولة، إلا أن دول الغرب المعنية بالرقابة المالية الدولية تغض الطرف عن تلك التمويلات القذرة طالما أنها موجهة لزعزعة أمن الخليج.

لم تعد السفارات الإيرانية المتهمة الوحيدة في دعم وتمويل الإرهاب، بل هناك من يعتقد بأن بعض السفارات الأجنبية الأخرى المتواجدة في مناطق النزاع متهمة بعلاقاتها المشبوهة مع الجماعات الخارجة على القانون، والتي تعتمد العنف وسيلة لتحقيق أهدافها، خاصة في لبنان، العراق، سوريا وبعض دول الخليج.

بعض السفارات الأجنبية تسعى لفتح قنوات تواصل مع تلك الجماعات لأهداف مختلفة، إلا أن جماعات الإرهاب لا تعترف بالدبلوماسية، بل تعتقد جازمة بأن قنوات التواصل بينها لا تعدو أن تكون اعترافاً بها، وقبولا رسميا بما تقوم به من عمليات إرهابية. يجب أن نعترف بأن غالبية السفارات الأجنبية حول العالم، تعتمد على طاقم استخباراتي متخصص، خاصة في مناطق النزاع، أو المناطق المستهدفة بالتغيير، وهذا يتسبب دائما بتوجيه الاتهامات للسفارات الأجنبية في حال انكشاف أمر تواصلها مع الجماعات (المعادية)، والتي تستخدم في الغالب مصطلح «المعارضة» لأهداف قانونية صرفة.

ولحساسية موقف السفارات الأجنبية، وحرصها الدائم على النأي بنفسها من دائرة الشك، تسارع الجهات المسؤولة فيها لتوضيح موقفها الرافض للاتصال بالجماعات الخارجة على القانون، أو توضيح أي لبس قد يرتبط بعملها، أو بتواجد دبلوماسييها (العرضي) في المكان الخطأ. لذا سارع السيد «ميخائيل أونماخت» نائب السفير الألماني والمتحدث الرسمي للسفارة في السعودية، بالتأكيد لـ «الاقتصادية» بأن «الدبلوماسيين الألمان اللذين استهدفا بإطلاق نار من مجهولين في العوامية في المنطقة الشرقية، أخيرا، ليسا من الاستخبارات الألمانية كما يعتقد البعض، مؤكداً أنهما دبلوماسيان مسجلان رسمياً لدى السفارة في الرياض، وأنهما قدما للشرقية لأغراض تجارية بحتة».

تواجد الدبلوماسيين في العوامية، وتعرضهما لإطلاق نار، أمر يثير الكثير من علامات الاستفهام، خاصة وأن «العوامية» لا تعد من المناطق التجارية، وموقعها الجغرافي لا يسمح لعابري الطرق الرئيسة في المنطقة الشرقية بالمرور عليها، ما يبعد في الغالب شُبهة الخطأ. إضافة إلى ذلك فإنه من المعتقد أن جماعات الإرهاب النشطة التي تستهدف رجال الأمن والمواطنين تتحصن داخلها وتتمترس بالسكان لتوفير الحماية لها. ما يعني أن دخول سكان المنطقة لها لا يخلو من المخاطر فكيف بأعضاء السلك الدبلوماسي؟. نحمد الله على سلامة الدبلوماسيين الألمان، فتعرضهما للقتل أو الإصابة، كان من الممكن أن يتسبب في إقحام الحكومة السعودية في مشكلات دولية، واتهامات لا حصر لها، على الرغم من أنها لم تكن سببا فيما حدث.

تواجد الدبلوماسيين في العوامية قد يبعث برسائل خاطئة، لا تؤمن السفارة الألمانية بها، ولكنها تسهم في إثارة الشك والريبة عند متبني «نظرية المؤامرة».

حرص الغرب على استصدار قوانين صارمة لمكافحة دعم وتمويل الإرهاب، وتجريم الأفعال والأقوال الداعمة للجماعات الإرهابية، وإن كانت من الجماعات المنهارة على مر التاريخ. فالاتحاد اليوناني لكرة القدم عاقب «جيورجوس كاتيديس» لاعب وسط نادي ايك اثينا بالايقاف مدى الحياة بعدما بدا انه وجه «تحية نازية للجماهير» خلال احدى المباريات. وفي إحدى الدول الأوربية تم الحكم بالسجن على مراهق لقيامه برسم «الصليب المعكوف» على أحد الأبواب. هذه الحساسية الأوربية والصرامة تجاه الأعمال الداعمة للإرهاب، مهما تضاءل حجمها وتأثيرها، تتلاشى عندما يتعلق الأمر بدول الخليج، والسعودية على وجه الخصوص.

التعامل بمكيالين في مواجهة الإرهاب هو ما يشجع الخلايا الصفوية على القتل والتفجير واستهداف رجال الأمن. يفترض ألا يكون هناك ما يسمى «إطلاق نار عرضي» في الأحياء السكنية المأهولة، بل هو استهداف مقصود، أو عمل مدبر لأهداف محددة.

عودا على بدء، فجماعات الإرهاب لا تعترف بالمعايير الدبلوماسية، ولا وجود للحصانة عندها، فهي مجندة للقتل وسفك الدماء. الخلايا الصفوية في العوامية ما هي إلا جماعات إرهابية يجب مواجهتها وتقديمها للعدالة، ويجب وقف أي اتصال بها من الخارج، وإن كان «عرضيا»، لقطع دابر الشكوك والشائعات.

f.albuainain@hotmail.com

مقالات أخرى للكاتب