Friday 24/01/2014 Issue 15093 الجمعة 23 ربيع الأول 1435 العدد

السمكة الغافلة !!

من البرنامج التجريبي لرسوم الأطفال من حكايات كليلة ودمنة

في النهر الهادئ كانت تعيش الأسماك في سعادة وهناء، فالطعام وفير، والخير كثير، ومن بين الأسماك كانت سمكة كبيرة ذات ألوان زاهية جميلة، وذيل طويل تسبح مختالة بجمالها وكأنها عن جنس آخر، يختلف عن باقي الأسماك، ذات يوم قالت إحدى الأسماك عندما مرت بهم السمكة الجميلة: (يا أصحابي.. كم هي جميلة، وإنني أرى أن نجعلها أميرة علينا وتصبح رمزاً لمملكتنا)، تصاعدت صيحات الإعجاب ومن وسط الصيحات ارتفع صوت خشن يتساءل: (لماذا.. لماذا؟ لماذا) التفت الجميع نحو مصدر الصوت فرأوا السرطان يتحرك بذراعيه المخيفتين اللتين تشبهان الكماشة وتراقصت عيناه البارزتان وهو يقول: (لماذا وقع اختياركم على هذه السمكة لتكون أميرة عليكم؟ تتحدث باسمكم وتحل لكم مشاكلكم، هل جمال الصورة يكفي لهذا الاختيار؟

قالت: إحدى الأسماك: ما شأنك أنت بهذا أيها السرطان؟ وقالت أخرى: هذا السرطان شكله مخيف فلننصرف من هنا يا أمي! فتح السرطان فكيه وقال: (إنما أردت أن أنبهكم أن جمال الشكل ليس كل شيء في الحياة بل الأهم منه رجاحة العقل.. أنتم أمل .. أميرة .. ملكة أنتم أحرار .. افعلوا ما تريدون! علقت سمكة: فضولي.. قبيح: وقالت ثانية بسخرية: (كأننا سألناه الرأي) لكن سمكة صغيرة من بينهم قالت: (دقيقة واحدة يا أصحابي ماذا قال السرطان حتى يلقى منكم هذا الهجوم؟ هل يذكر أحد أن رجاحة العقل أهم في الحياة من جمال الصورة؟ لم تعجب الكلمات باقي الأسماك فانصرفت عنها، وحين جاء حفل تنصيب السمكة الأميرة اشترك الجميع بالرقص والألعاب بينما السمكة الأميرة تتهادى وتختال في حرص حتى لا يقع التاج الذي وضعته الأسماك فوق رأسها.

وأثناء عودتهم من الحفل صرخت سمكة متألمة وقد اشتبك فمها بشحن صنارة واندفعت مختفية خارج النهر، نظرت الأسماك إلى بعضها البعض ثم تعالى الصراخ والصياح.. ما الذي حدث؟ ما الذي جعل صديقتنا تصرخ وتتألم وتندفع خارج النهر؟

توجهت الأسماك إلى السمكة الأميرة تبحث عن تفسير لما حدث فما كان منها إلا أن ردت غاضبة: (ما هذا الضجيج والصياح ألا ترون أنني مشغولة بزينتي؟ ألا يمكنكم الانتظار؟ فقالوا: (هذا الأمر لا يحتمل الانتظار، لا بد من عقد اجتماع)، وهكذا اجتمعت الأسماك تحيط بالسمكة الأميرة وطال النقاش دون أن يتوصلوا إلى تفسير لاختفاء السمكة فقالت السمكة الأميرة: (كل ما في الأمر أن تلك السمكة قفزت لاهية فوق سطح النهر ولا تلبث أن تعود وتنتهي المشكلة). لكن صوتاً خشناً قاطعها: (لقد عرفت السر.. خرجت من الماء فوجدت صياداً يجذب صنارته بقوة لتخرج وقد تعلقت بها السمكة المختفية، ولقد سمعته يحدث نفسه بأنه لن يغادر المكان الذي يمتلئ بالسمك السمين.

ساد الرعب والفزع وتعالت الصيحات، لكن السمكة الأميرة قالت ببرود: (اصمتوا عني أصل إلى فكرة نتخلص بها من ذلك العدو). وطال الصمت إلى أن قالت: (عندي فكرة.. عندما يلقى الصياد تجتمع الأسماك وتمسك جيداً بخيط الصنارة وتجذبه بقوة فيسقط الصياد ونهجم عليه ونعضه حتى يموت غرقاً.

صفق البعض بحماس، بينما بقي الآخر يفكر دون أن يبدو عليه الاقتناع، عندها تدخل السرطان (هذه فكرة ستجلب لكم المصائب.. صاحت السمكة الأميرة: (ومن الذي طلب رأيك؟ فأجاب بغيظ: (حق الجوار فأنا لا أحب أن يصيبكم مكروه)، فقالت إحدى الأسماك: (الخير في سماع الآخرين).

اكمل السرطان قائلاً: (إذا تكاتفت الأسماك كلها على جذب الصنارة، فكل ما سيحدث هو أن ينقطع الخيط وعندها سيتأكد الصياد أن في النهر أسماكا كبيرة دسمة ويعود في اليوم التالي بصنارة أقوى، قالت السمكة الأميرة: (إذن ماذا نفعل؟ صمت السرطان وأخذ يفكر ثم قال: (إذا كان من الصعب على الأسماك أن تميز بين طعامها وبين الطعام الذي يحمله الشص فلا بد أن تمتنع الأسماك عن الأكل في الوقت الذي يوجد فيه الصياد، قالت السمكة الأميرة ساخرة: هذه فكرة ظريفة جداً يمتنع السمك عن الأكل حتى ينقذ نفسه من الصياد ويموت من الجوع).

تعالت الضحكات الساخرة في كل مكان وبغضب وألم شديد، قال السرطان: (إنما أتكلم خوفاً على حياتكم وإذا تكرر منكم ذلك فلن تروني بعد اليوم). بدا الخوف على الجميع فصمتوا تماماً فقال: السرطان: (لن يموت أحد من الجوع، سأصعد كل يوم فوق الصخرة وعندما يصل الصياد أعطيكم إشارة فتمتنعون عن الأكل وعندما ينصرف أعطيكم إشارة أخرى ويصبح بإمكانكم الأكل دون خوف، نجحت حيلة السرطان فبعد أيام إنصرف الصياد يائساً وعادت الأسماك إلى حياتها الآمنة إلى أن أتى يوم وهبطت بجعة على شاطئ النهر وأخذت تخوض فيه بساقيها الرفيعتين ثم تضرب برأسها صفحة الماء لتخرج منقارها ممسكة إحدى الأسماك تلتهمها بتلذذ أمام أعين باقي الأسماك التي ترى مصير السمكة المسكينة بعد أن وقعت في منقار البجعة، عندها لجأت السمكة الأميرة إلى السرطان فتجمعت الأسماك حوله فقال: (سأخلصكم من شر هذه البجعة، سأنتظرها صباحاً حتى تخوض بساقيها في الماء وأقرصها بهاتين الكلابتين وأجعلها تفر هاربة، نجح السرطان في مهمته فاحتفلت الأسماك بنجاتها، فرقصت حول السرطان تردد أغنية الشكر والعرفان بالجميل، مما أشعل نار الغيرة في قلب السمكة الأميرة. وبالرغم من ابتعاد البجعة عن النهر إلا أنها راحت تفكر بالحيلة والخداع للعودة مرة ثانية إلى النهر، وما أن تحسنت حالتها حتى سارت بحرص قرب الشاطئ ونادت بأعلى صوتها: (أيتها السمكة الجميلة، التي لم أر من هي أجمل منك)، انتظر ساعة خروجك حتى أمتع عيني بمنظرك. فرحت السمكة الأميرة بكلمات الإعجاب وراحت تقفز أمام البجعة كل يوم، وذات يوم قالت البجعة لها: (هل عرفت بأمر الخطر الذي يتهددكم!) قالت السمكة الأميرة: (أي خطر تعنين؟ أجابت البجعة: (إنهم مجموعة من الصيادين القادمين في الاسبوع القادم للصيد هنا) قالت السمكة الأميرة: (لا تخافي علينا، فصديقنا السرطان أنقذنا من الصياد بحيلة ذكية)، أسرعت البجعة تقول: (لن تنجح حيلته هذه المرة فقد سمعت الصيادين يقولون أنهم سيتناوبون الصيد أثناء النهار والليل حتى ينتهوا من صيد كل ما بالنهر من سمكات). عندها قالت السمكة: (كارثة.. مصيبة). فقاطعتها البجعة: بل عندي حل.. سأنقلكم بمنقاري إلى ذلك الغدير فهو مكان لا يعرفه الصيادون، انبهرت السمكة الأميرة وشكرتها، ثم مضت إلى قاع النهر مسرعة لعقد اجتماع مع الأسماك للتحرك باتجاه الغدير.. ساد صمت بين الأسماك ثم تعالت الهمهمات، وقالت سمكة كبيرة في السن: لم أسمع فعمري قط مثل هذا الغدير.

ثم تقدمت سمكة صغيرة تقول: (أن البجع يأكل السمك، فكيف نأمن لهذه البجعة ونستسلم بمنقارها، فقاطعتها السمكة الأميرة: عندما يفكر الكبار لا يكون للصغار إلا الطاعة والتيقظ عندما سمع الجميع صوت السرطان يقول: (هل يمكن أن تكون البجعة صديقة الأسماك بعدما فعلناه بها؟). غضبت السمكة وصاحت بأعلى صوتها: (من الذي طلب نصيحتك أيها السرطان الدخيل؟( لكن الأسماك بدأت تدافع عن السرطان الذي أثبت بالدليل صداقته المخلصة للأسماك. اغتاظت السمكة الأميرة من تمرد السمك عليها فقد كان واضحاً أن الأسماك جميعها تميل إلى جانب السرطان فقالت بغضب: (لقد اتخذت قراري وسأكون أول المنتقلات إلى الغدير). واندفعت بإتجاه الشاطئ لتستقر في طرفي منقار البجعة والتي طارت بالسمكة بعيداً فقال السمكة: (أنني لا أرى غديراً!) فقالت البجعة: (الغدير سيكون في بطني أيتها السمكة المغرورة الغافلة).

حاولت السمكة أن تصيح مستغيثة بالسرطان لكن أصبح دون فائدة، وهكذا عادت البجعة إلى النهر لنقل السمكة التالية بعد الأميرة فظهر التردد على الأسماك فبادر السرطان بطلب من البجعة بنقله، فغضبت قائلة: (لماذا لا تمضي بمفردك) فأجابها: (لكنك أنت التي تعرفين المكان السري)، فقالت في نفسها: (سآكله هو الآخر ولو أني لا أحب مذاق لحم السرطان) وما أن هبطت البجعة على الأرض حتى تأكد السرطان من تنبه البجعة ورأى عظام السمكة الأميرة، فانقض بكلابتيه على عنق البجعة التي لفظت انفاسها وقبل أن يبدأ السرطان رحلة العودة إلى النهر، وقف يتأمل البجعة بجوارها عظام السمكة الأميرة فقال: (هذه نهاية الغدر أيتها البجعة ونهاية الغفلة والغرور أيتها السمكة المسكينة).

**

رسـوم

1 - ميشيل إيهاب حدادين 9 سنوات

2 - بسام علاء حدادين 9 سنوات

3 - زين جوني سروجي 9 سنوات

4 - يعقوب فادي قمر 9 سنوات

5 - نتالي سمير دويري 9 سنوات

6 - قيس خليل الأطرش 9 سنوات