Sunday 26/01/2014 Issue 15095 الأحد 25 ربيع الأول 1435 العدد
26-01-2014

الرواية .. بين الحقيقة والخيال (1-2)

من أصعب الأمور على المرء أن يُفهم العامي الجاهل بطبيعة الأدب الفرق بين الحقيقة والخيال, ومن أصعب الأمور أيضا إقناعه بأن معظم ما يرد في الشعر ومنه (شعر المغامرات الغرامية) ما هو إلا خيال في خيال. ولا أقصد بـ(العامي) الجاهل الذي لم يتعلم بل أقصد كثيرا من المتعلمين الذين لا تختلف نظرتهم إلى النصوص وأصحابها عن نظرة من لا يعرف الفرق بين القصيدة والمقالة.

الشعر معظمه مجاز وصور وخيال, وكلما دنا من تقرير الحقائق ابتعد عن (الشعرية) واقترب من الخطابة المنظومة, هذه حقيقة قررتها طبيعة الشعر وهي قانون ثابت في ميزان الأدب عموما. لكن بعض العقول العامية التي لا تفهم الأدب ولا تعرف الشعر, لا تعترف بذلك, فكل ما يقوله الشاعر من قصص ومغامرات غرامية خيالية, أو يورده على ألسنة أبطاله من فجور أو فسوق أو إلحاد أو غير ذلك, إنما هو عندهم حقيقة تعبر عن شخصية الشاعر أو الكاتب وعن سيرته وعقيدته, ولذلك يحاكمونه عليه ويوالونه أو يعاودنه بسببه, فإن ذكّرت أحدهم بما قاله المولى عز وجل عن الشعراء «وأنهم يقولون ما لا يفعلون» أعرض ونأى بجانبه!

سوء الظن صفة إنسانية تنشأ إما من (غيرة) أو من (تصنيف), وهي صفة تزدهر بالجهل, ورقة الدين, وضحالة الخُلق, ولو علم من يتهم الشاعر أو غيره بما ليس فيه أو يروّج لما يقال عنه زوراً وبهتاناً, ما في قوله من جرم واعتداء لفكّر مائة مرة قبل أن يُقدم على ذلك, والعاقل من يحتاط لدينه من الخوض في أخلاق الناس وأعراضهم.

يرى بعض الناس في قصائد بعض الشعراء مغامرات مثيرة تخلب الألباب - أحداثاً وتعبيراً - فيظن أنها تصدر من حقيقة وتترجم عن واقع, والحقيقة أنها ليست سوى مشهد صوّره خيال واسع.

لذا، أظن أن على كل باحث في حياة شخصية أدبية توخي الحذر من الوقوع في تقرير مثل هذه الاتهامات في دراسة أو مقالة, ومقياس العدالة في قبول الأخبار والقصص المتعلقة بالشخصيات أمران, الأول: (الرواية المتواترة) الواردة من مصدر معروف موثوق ويشترط فيها أيضاً ألا تتعارض مع ما اشتهر من سيرة الشاعر وأخلاقه. والثاني (شعر الشخصية الموثق) الذي يقرر الحدث بوضوح الحقيقة لا بتموّج الخيال, وما عدا ذلك ليس سوى (سباحين) فلا قيمة له.

أقول هذا وفي مخيلتي ما يروج من قصص تنال من أخلاق الشاعر الكبير المرحوم محسن الهزاني (ت 1240هـ) وغيره من الشعراء, لكني أخص (محسن) لأنه من أكثر من نالهم عدوان رواة المجالس ومروجي الإثارة القصصية, فقد وضعوا عليه قصصاً متعددة منها ما هو متهالك لا يصمد أمام البحث, ومنها ما ينفيه العقل والمنطق ويتعارض عما ثبت من أخبار عن شخصيته وأخلاقه. ومحسن كغيره من البشر إنسان يخطئ ويصيب, ولكن لأنه مشهور وشاعر موهوب وخصوصاً في الغزل, تتبع الرواة شعره وصاغوا لكثيرة أو قليله قصصا ومغامرات له وجود لها إلا في مخيلتهم, ولا أشك في أن غايتهم من وراء ذلك بريئة وإن كانت آثارها مؤلمة, والإمتاع و(سعة الصدر) لا يبيحان انتهاك حقوق الآخرين وتزييف أخلاقهم.

وفي الحلقة القادمة سنشير إلى التشابه في شخصية محسن الهزاني مع شخصية الشاعر العربي عمر بن أبي ربيعة, وسنعرض لما ثبت من أقوال عن شخصيتهما الحقيقية..

alkadi61@hotmail.com

تويتر alkadi61@

مقالات أخرى للكاتب