Monday 27/01/2014 Issue 15096 الأثنين 26 ربيع الأول 1435 العدد
27-01-2014

أين ذهبت الأموال المسروقة؟

قبل نحو عامَين، تلقيتُ دعوة من قناة بي بي سي عربية للمشاركة عبر الهاتف في لقاء تلفزيوني مع أربعة ضيوف من كبار الاقتصاديين العرب لمناقشة موضوع «أين ذهبت الأموال المسروقة من الأنظمة السياسية الساقطة في الربيع العربي؟»، وهو - بلا شك - موضوع اقتصادي مهم جداً، إن لم يكن الموضوع الأكثر أهمية على الساحة الاقتصادية العربية حالياً، في ظل انتشار الفساد و(تحديداً سرقة المال العام) من قِبل «بعض» السياسيين العرب.

قد يقول قائل إن الإجابة عن السؤال تتمثل ببساطة في إيداع الأموال المسروقة في حسابات مصرفية خاصة لدى البنوك السويسرية اعتماداً على قوانين حماية السرية التي تفخر بنوك سويسرا بتطبيقها منذ أكثر من 400 عام، بالرغم من الضغوط الشرسة التي تعرضت - ولا تزال تتعرض - لها هذه البنوك منذ نهاية الحرب العالمية الثانية من قِبل جماعات يهودية دولية، عجزت حتى الآن عن معرفة حسابات وأرصدة النازيين المودعة بها. قد تكون هذه الإجابة صحيحة، إلا أنني أرى أن الإجابة ليست بهذه البساطة، وليست كافية، على اعتبار وجود تعقيدات يلجأ لها الفاسدون لإخفاء الأموال المسروقة.

ما أضحكني في اللقاء أن الضيوف ركَّزوا في نقاشهم على أن الأموال المسروقة مودعة لدى بنوك إماراتية وقطرية، واستندوا في وجهة نظرهم هذه إلى تقارير صحفية كانت تتحدث عن ذلك، حتى أصبحت هذه النقطة محور النقاش الرئيسي؛ ما يدل على عدم إلمام هؤلاء الاقتصاديين بأبسط الطرق القانونية (دولياً على أقل تقدير) في إخفاء الأموال المسروقة آخذين في الاعتبار أن الأنظمة السياسية الساقطة في الربيع العربي ليست بهذا الغباء حتى تودع هذه الأموال لدى بنوك لا تتمتع بحماية السرية على حسابات وأرصدة عملائها، وإلا لكان من الأولى إيداعها في بنوك بلدانهم، بحكم أن ما حدث لم يكن أحد يتوقع حدوثه على الإطلاق!!

وفي رأيي المتواضع، أرى - والعلم عند الله - أن الفاسدين يُهرّبون الأموال المسروقة بطرق معقدة، من خلال شبكة متسلسلة من الشركات الوهمية المسجّلة في مناطق عدة، تتمتع جميعها بالسرية (مثل مناطق الأوفشور)، بإشراف مباشر من خبراء مصرفيين وقانونيين. وكمثال بسيط على ذلك، يتم إيداع الأموال في حساب شركة وهمية مسجَّلة في الكايمان مملوكة للفاسدين، ثم تقوم هذه الشركة بإيداع الأموال في حساب شركة وهمية تابعة لها مسجَّلة في لوكسمبورغ، ثم تقوم هذه الشركة بإيداع الأموال في حساب لدى بنك سويسري باسمها، وتكون النتيجة النهائية أن معرفة مصدر هذه الأموال ومعرفة المالك الحقيقي لها هو من سابع المستحيلات، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

twitter@mfalomran

مقالات أخرى للكاتب