Wednesday 29/01/2014 Issue 15098 الاربعاء 28 ربيع الأول 1435 العدد
عبدالعزيز القاضي

عبدالعزيز القاضي

الرواية .. بين الحقيقة والخيال (2/2)

29-01-2014

مغامرات محسن الهزاني

ذكرت في الحلقة السابقة أهمية تحري الدقة في ترويج ما يشاع من قصص مختلقة على الشخصيات المشهورة من الشعراء, وحذرت من ترويج تلك الإشاعات, وأكدت على عدم قبول أي رواية غير متواترة تصادم ما اشتهر من أخلاق الشاعر, ولم يرد ما يؤكدها في شعره, وذكرت أنني أكتب وفي مخيلتي ما يروجه العامة عن مغامرات الشاعر الكبير محسن الهزاني, واليوم أواصل الحديث حول مغامرات محسن وما يقال فيها..

حياة (محسن) الأدبية تشبه كثيراً حياة الشاعر عمر بن أبي ربيعة, فكلاهما شبب بالنساء وتعرض لهن وروى مغامراته معهن, وكلاهما اتّهم بالفجور وبأنه يعبر بشعره عما قارف وباشر. وإذا كان التعرض للنساء والميل إليهن فطرة وغريزة, فإن ما قاله عمر وما قاله محسن في الشعر الذي سجل تلك المغامرات لا يعدو كونه (قصصاً خيالية غايتها الإمتاع).

روى ابن عساكر في تاريخ دمشق عن الزبير بن بكار أنه قال: «كان عمر بن أبي ربيعة عفيفاً يصف ويقف ويحوم ولا يرد», وأورد عن الضحاك بن عثمان: «أن عُمَر بن أبي ربيعة مرض واشتد مرضه، فحزن عليه أخوه الحارث بن عبد اللَّه بن أبي ربيعة حزناً شديداً، فقال عُمر: يا أخي، كأنك تخاف على قوافي الشعر؟ قال: نعم، قَال: أعتق ما أملك إن كَانَ وطئ فرجاً حراماً قط، قَال الحارث: الحمد لله هونت علي».

أما محسن فقد قال عنه الأديب الأستاذ أحمد العريفي في دراسته الجميلة الموجزة عنه التي أسماها (قطر الميزاب): «ويظهر أن كثيراً من هذه القصص الطويلة التي تروى عن مغامرات محسن نسجها القُصّاص حين وجدوه في شعره يفخر بمغامراته الغرامية. إذ إن في أوصاف مادحيه له أنه كان (عفيفاً تقياً) كما يقول ابن عفالق (ت 1245هـ):

تقيٍّ نقيٍّ طيّب الخيم ديّن

نصوحٍ صحيح الود للي يناصحه

سليم عن أدناس الدنيات عرضه

وعن المدنق الهافي رفاع شوابحه

وممن مدحه بذلك الشريف حسن بن هزاع في قوله:

وخلاف ذا يا مبعدٍ كل شينا

يا نازه العرض الذي ما وطا الشين

... ويفخر محسن نفسه بهذه الصفات, ومن ذلك قوله:

ذا قول من لا هوب راعي سفاهة

ولا داس يومٍ لابسات المقانع

وقوله:

ذا قول من لا شيف وسط الزلايب

ولا مشى في ساحة الجار كالذيب».

ثم ينقل العريفي عن طلال السعيد في الموسوعة النبطية قصة أوردها الرواة يقول محسن في ختامها «يعلم الله أنني لم أفعل مما قلته شيئاً يسألني الله عنه إنما هي من وحي الخيال والشعراء يقولون ما لا يفعلون».

ومحسن الهزاني أمير من أسرة توارثت الإمارة, والإمارة تهذب الأخلاق لأنها مظنة الاقتداء, و(القدوة) صفة تفرض على من يتصف بها قيوداً أخلاقية متشددة. كما أن مراسلته شاعرًا مثل سليمان ابن عفالق والشريف حسن بن هزاع إنما ترسم صورة حقيقية لشخصيته بعيداً عن إسفاف الرواة, وأظن أنه لو كان كما صوره الرواة غير المحققين ما أثنى عليه هذان العلمان, وإن يكن ما قالاه في مديح محسن إنما يُحمل على الأصل لا على التزكية, لكن ما قاله محسن عن نفسه في البيتين أعلاه نحسب أنه يقرر حقيقة تعضدها سيرته وشعره. والله أعلم

alkadi61@hotmail.com

تويتر alkadi61@

مقالات أخرى للكاتب