Friday 31/01/2014 Issue 15100 الجمعة 30 ربيع الأول 1435 العدد
31-01-2014

خصائص الدم

سبحان فالق الحب والنوى، خالق الإنسان من طين، ثم جعل نسله من ماء مهين، فإذا هو بشر سوي، كامل الإحساس، بديع الصورة، جميل الخلقة، متناسق الأعضاء في أحسن تقويم.

والدم من أسرار الكمال الذي أودعه الله في الإنسان، بل وفي الكائنات الحية، وله مهمات عديدة

ووظائف مديدة، تتعلق بسلامة الإنسان، ووقايته من الآفات، هذا الدم قد أخبر - صلى الله عليه وسلم- في مواطن كثيرة بحرمة دم المسلمن، وأنه لا يحل إلا في حالات ثلاث، أهان فيها نفسه، فهانت على السلطة التشريعية امتثالاً لأمر واستجابة لنداء العقيدة.

هذه الثلاث، وضحها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في حالة القصاص: النفس بالنفس وفي حالة الزنا - الثيب الزاني والمرتد من دينه المفارق للجماعة المسلمة، وحرم الله قتل النفس بغير حق وشدد فيه رسوله الكريم، وسفك الدم يعنى به إزهاق النفس، وقتل صاحبها حتى الموت، ذلك أن الدم هو قوام الحياة في الجسم البشري لأنه هو قوامها، ولأن الغذاء ينتقل بخصائصه، لأعضاء الجسم المختلفة، مع دورة الدم في الجسم، كما تنتقل الضارة لتصل إلى مخارجها، التي تبعدها عن الجسم حتى لا تضر به بواسطة الدم في دورته بالجسم ذلك الجسم يحتاج وبصفة مستمرة، وبحركة دائبة، إلى نسبة عالية من الماء، وتنقية متواصلة من الأكسجين المتمثل في الهواء الصحي النقي ليترتب على ذلك عملية معاكسة في التنظيف واستمرار العمل بنشوء ثاني أكسيد الكربون، وهو غاز سام نتج عن عملية الاحتراق في الجسم، وتنظيف المجاري في البدن، والدم له دورة مستمرة في أجزاء الجسم ليمده بالغذاء.

هذا وأمثاله يحدث في الجسم بما يسمى عملية التبديل والتغيير؛ حيث هيأ الله له الدم، وما فيه من فقاقيع، أو أكياس هوائية هي كريات الدم، وبمرونة وسهولة في الدورة بوفرة الماء، وشد وانقباض بحركة القلب في الدفع والسحب، وهذا ما يسمى علمياً بضغط الدم المرتفع والمنخفض.

فسبحان ما أبدع الله في أجساماً، من عجائب وغرائب لا تعد ولا تحصى، وحركة دائبة لا تهدأ ليلاً ولا نهاراً، ألم يقل سبحانه في محكم التنزيل: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا} (18) سورة النحل.

وقد حرم الله على عباده الدم، من كل ما يؤكل في عدة آيات، من كتابه الكريم وهو دم المنحر، حيث بان بالتحليل العلمي أن الدم إذا لم ينهمر من الذبيحة، فإنه يخالط لحمها، فتستقذره النفس؛ ذلك أن الدم تتجمع فيه الميكروبات والمواد الضارة مما يؤثر في جسم الإنسان ويضر بصحته.

والعقل البشري مهما تقدمت قدراته، وزادت معارفه، فإنه يكتشف بفطرته السليمة، وبما هيأ الله له من قدرات علمية وعقلية، أن كل ما حرم الله في شريعة الإسلام، فإن وراء ذلك مصلحة جسمانية لبني آدم، تستقيم بها صحة الفرد وسلامة المجتمع ويدرك هذا المختصون كل في ميدانه، إذ كل يوم يكتشف البحث العلمي سراً مقنعاً.

إن الحديث عن الدم وما أودع فيه من خصائص وعجائب قد شغل الأطباء قبل غيرهم، ولذا تنوعت الدراسات والتخصصات فيه، وفي وظائفه وأثره في الجسم ووظائفه، لأنه يمثل قوام الجسم وسرّ بقاء الإنسان فيه، وكونه قادراً على التكيف مع ما حوله.

فهيئت المختبرات وبرزت المصطلحات العلمية، وأوجدت بنوك الدم، وميز كل نوع باسمه وهو ما عرف بالفصائل الدموية، وبانت أنواع الأمراض بما يداخل أو يذوب فيه، وظهر أثر الفائدة العلاجية بتفاعل الدواء منها وكأنه في الدم، ونقله في دورته، إلى غير هذا من أمور كثيرة.

إذ لا تجد فرداً من أنحاء المعمورة لا يعرف شيئاً من خصائص الدم وفوائده إلا ما شاء الله فضلاً عن إدخال ثقافته في المقررات المدرسية، لكن الأطباء تستوجب تخصصاتهم، التعمق في في متابعة أسرار الدم وأثره في بناء الجسم وهدمه، وإدراك الوظائف للدم من حيث:

1- الكبد وعلاقتها بالدم، 2- الرئتان وأثرهما في تنقية الدم، 3- القلب ودوره في ضخ الدم. 4- ما تعنيه كل من فصيلة. 5- وفقر الدم، وضغط الدم، 6 - الدورة الدموية المستمرة، 7- وصفائح الدم، 8 - عمل كل واحد من مكونات الدم الثلاثة، البلازما: كريات الدم، الصفائح، 9 - التوازن الذي يحدثه ومكوناته.

إلى غير هذا من أمور كثيرة، قد أصبح بعضها عادياً لدى الأطباء، ومن الثقافات الجارية مجرى الأمور البديهية، وبعضها لا زال ميداناً مستمراً لاكتشافات علمية يقصد من ورائها المحافظة على الجسم البشري وتطوير علاجه للعناية والحرص على سلامته بصحة جيدة.

ولن ندخل مع المختصين في العمق العلمي، ولكننا سنأخذ من آرائهم ما يفتح أمامنا مجالاً لمعرفة بعض ما أودع الله في أجسامنا من أسرار، وما تحت أنظارنا من عجائب نحن عنها غافلون، لكن نأخذ في سبيل المعرفة إضاءة تزيد إيماننا بخالقنا جل وعلا، ومدخلاً تفكيريا، يرسخ ما لله جل وعلا من حق علينا لكي يدفعنا ذلك للعمل وفق ما أمرنا سبحانه، فهو لا يكلف نفساً إلا وسعها: يسير الدم في قنوات سميت: الأوعية الدموية وهذه الأوعية تنقسم إلى ثلاثة أقسام: شرايين وشعيرات وأوردة، وهذه المجاري الدموية هي التي تعرف بالعروق، ومع الظمأ يقل الماء الذي تنقله للجسم: سائلاً وغذاء، فيصاب الإنسان بالجفاف، وقد يحصل الجفاف نتيجة فقدان الجسم للسوائل بالإسهال أو كثرة التقيؤ أو الصيام في جو حار حيث يشعر الإنسان بالعطش لأن الجسم في حاجة للماء. وندرك بهذا سراً صحياً أخبر عنه المصطفى صلى الله عليه وسلم في دعائه بعد الإفطار من الصيام بقوله الكريم: (ذهب الظمأ وابتلت العروق، ووجب الأجر إن شاء الله).

وإن من ينظر في هذا يدرك سراً صحياً من هذا الدعاء لأن من ينظر إلى ظاهر يده وخاصة في الصيف، فإنه يرى العروق بارزة، وهو عندما يتأملها لا شك أنه سوف يتعمق في قول المختصين عن الشرايين: على الرغم من وجود بعض الاختلافات البسيطة، في نسيج الشرايين بعض البشر، إلا أنها جميعاً تقوم على تركيب أساسي واحد، ولها جميعأً جداً، يتكون من ثلاث طبقات: وتتكون الطبقة الداخلية بدورها من طبقتين: طبقة من الخلايا الداخلية المسطحة:

أ - وهي الملامسة للدم وطبقة رفيعة من نسيج طولي مرن.

ب - ما الطبقة الوسطى، فتتكون أساساً من حلزونيات من ألياف عضلية فسبحان الخالق.

ج - يمسكها معاً نسيج ضام.

د. والطبقة الخارجية أكثرها قوة ولها طبقة مرنة.

هـ - وطبقة أخرى ليفية.

و - خارجها.

فسبحان من خلق فسوى وقدر فهدى لا إله غيره.

ومثل جميع أنسجة الجسم تقريباً تحتاج ألشرايين إلى التزود بالغذاء والأكسجين، وهي تحصل عليها من الدم الذي يمر في أوعية دموية دقيقة.

ز - تسمى وعاء وعائي: وهي تجري في هذه الطبقة الخارجية للشرايين (موسوعة المعرفة: 1 - 30).

فمن أوجد هذه الطبقات، والأوعية السبعة في مقطع صغير قد يصعب تميزه بالنظر، ومع هذا فلكل طبقة عملها، وعالمها المختص بها، وحركتها الدائبة، لا شك أنه الله العزيز الحكيم الذي أبدع الصنع، وأحكم العمل، فسبحانه من إله، ما أوجب شكره علينا، وما أعظم قدرته التي نراها في أجسادنا قبل كل شيء، لأنها من أوجب ما ينبغي إدراك الخفايا والأسرار فيه {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} (21) سورة الذاريات.

إن عملية الاحتراق الكيميائي للغذاء في الجسم عملية تشبه عمليات الاحتراق في المحركات والآلات، فقد أودع الله في أجسامنا عدة صمامات في سائر الجسم، تمنع الدم من السريان في الطريق المخالف، وإذا كان الفحم، والمواد البترولية أو غيرها، من العناصر القابلة للاحتراق في الآلات، فإن الجسم البشري يتكون فيه هذا العنصر من مواد سكرية، ودهنية، أو غيرهما، من المواد الغذائية الغنية بالكربون والأيدروجين، أما الأكسجين فيتم الحصول عليه بواسطة التنفس.

وعملية الاحتراق تحصل في كافة أنحاء الجسم، وكل جزء صغير وكبير، ولذا فإنه لا بد من إمداد الجسم بدون انقطاع بالوقود والأوكسجين، حيث ينتج عن ذلك غاز ضار هو ثاني أوكسيد الكربون، فهيأ الله له طريقة سهلة لإخراجه من جميع أجزاء الجسم إلى الخارج بعمليتين:

الدورة الدموية والتنفس، فسبحان من حمى أجسادنا مما يضرها، وسلك فيها ما ينفعها، وهيأ لها ما ينفعها بما يفيدها ويفيد نشاطها، مما يستوجب الشكر وأداء الحق لله بالحمد والثناء.

ولئن تشعّب الحديث عن الدم، لأنه موضوع يستحق التأمل فإنه هام وفيه عبر، التأمل فيها يزيد من الفائدة التي أودعها الله في أجسامنا، والتي هي ملك لله ونحن عنه غافلون.

mshuwaier@hotmail.com

مقالات أخرى للكاتب