Wednesday 05/02/2014 Issue 15105 الاربعاء 05 ربيع الثاني 1435 العدد
05-02-2014

التعليم الصحي و العلوم الإنسانية

أثبتت الدراسات الطبية بأن أكثر من نصف الحالات الطبية التي تقود إلى الإعاقة أو الوفاة تعود مسبباتها إلى عوامل سلوكية واجتماعية. على سبيل المثال يعتبر أحد مسببات السرطان بالذات السرطان الرئوي التي تقود للوفاة، مردها التدخين بكافة أنواعه. كما أن مرض السكري والضغط وارتفاع الدهنيات في الجسم والتي يتأثر بها أكثر من نصف المجتمع مردها العادات و السلوكيات الاجتماعية المختلفة، بما في ذلك العلاقات الأسرية والاجتماعية، العادات الغذائية و المتعلقة بالنشاط البدني وغير ذلك مما له جذر اجتماعي. وهكذا لو نظرنا للأمراض النفسية والاكتئاب سنجد أن مردها عوامل اجتماعية وسلوكية. هذا يعني أن الطبيب الحاذق أو الممارس الصحي بصفة عامة يفترض أن يلم بالعوامل الاجتماعية والسلوكية والنفسية المتعلقة بالممارسة الصحية مثال:-

* علاقة الممارس بالمريض وأسرته ومجتمعه

* علاقة المرض بالبيئة الاجتماعية والسلوكية التي ينشأ فيها

* تأثير البيئة الاجتماعية والحالة الثقافية والسلوكية بالمرض والاستشفاء

* آلية تعديل السلوكيات النفسية والاجتماعية المساهمة في الشفاء وفي تقليص آثار المرض وإجراءاته الطبية.

السؤال الذي نطرحه هنا؛ هل الطبيب مؤهل و ملم بهذه الجوانب بشكل كاف ومناسب أم أنه يعتمد على الاجتهادات الشخصية؟ أو بمعنى آخر هل يلقي الطبيب بالاً لهذه الجوانب أم أن تركيزه على التشخيص المخبري ووصف العلاج الدوائي أو الجراحي؟

بكل أسف يمكن القول إن كثير من الأطباء يعتمد على ثقافته الشخصية في هذا الجانب وأمام ضغط الوقت وازدحام الجداول والمواعيد لا يبحث في تاريخ المريض الاجتماعي وسلوكه ونفسيته، فيقوم بوصف العلاج أو الإجراء الطبي بناء على توقعات لا تراعي الفروقات الاجتماعية والسلوكية. على سبيل المثال قد يأتي طبيب فينصح مريض السكر بتنظيم غذائه والالتحاق ببرنامج رياضي في أحد مراكز التدريب وهو لا يعلم أن المريض لا تسمح ظروفه بشراء الأكل الذي ينصح به أو بالالتحاق ببرنامج رياضي أو حتى قراءة ومعرفة مكونات الغذاء التي يتحدث عنها الطبيب. أو قد تجد طبيباً ينصح مريضه بعدم الانفعال والمشي كل يوم هو لا يعلم أنها تقوم على أطفال بعيدا عن الزوج وتعاني ضغوط اقتصادية ونفسية واجتماعية كبرى. وهكذا الأمثلة توضح في التعامل مع مشاكل المسنين والمراهقين والنساء وغير ذلك.

لست ألوم أطباءنا هنا في كل ذلك القصور، وإنما ألوم التعليم الصحي الذي هم نتاجه. تعليمنا الصحي سواء للأطباء أو التخصصات الصحية الأخرى يعاني ضعف واضح في محتوى ونوعية مواد العلوم الإنسانية كعلم النفس والسلوك وعلوم الاجتماع وغيرها. وحتى المواد القليلة في هذا الشأن يتم تدريسها عن طريق غير المتخصصين أو غير المؤهلين فيها في كثير من الكليات الصحية. بل وصل الأمر كما أشارت إليه إحدى المشاركات في نقاش حول الموضوع إلى قناعة البعض بأن الطب علم يتعالى على العلوم الإنسانية ونسي القائمون عليه بأنه مزيج من هذا وذاك والطب الحقيقي ليس مجرد علاج دوائي للجسد بل هو علاج متكامل للجسد والروح والنفس ودون فهم الجوانب النفسية والسلوكية والبيئة الاجتماعية للمريض يظل دون مرحلة التميز والكمال.

متى ندرك بأن تعليم التخصصات الصحية لا يكتمل دون تعزيز تدريس العلوم الإنسانية بها وبالذات تلك المتعلقة بالسلوك والتواصل والعوامل الاجتماعية المحيطة بالمرض والمريض.

malkhazim@hotmail.com

لمتابعة الكاتب على تويتر @alkhazimm

مقالات أخرى للكاتب